رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آباء الثورة المصرية "6"


طلب الشيوعيون من مأمور قسم الواحات تخصيص غرفة لأداء الصلاة، ووضعوا فوقها يافطة وفوق اليافطة كتبوا عبارة بخط عريض تقول «مسجد الشيوعيين»!

ضحكت حين روى لى الأستاذ «محمود أمين العالم» هذه القصة.

وقال إن إمام المصلين كان واحداً من عتاة الشيوعيين آنذاك.. تفتكر من هو؟ د. «محمد عمارة» الذى صار كاتباً إسلامياً الآن.

وقال كتبنا اليافطة لأن «الإخوان» فى المعتقل كانوا يعتبروننا كفرة، وكانوا وراء شائعة أن الشيوعيين ملحدون وكانوا يرفضون صلاة الشيوعيين معهم ويؤكدون أن الله لن يقبلها.

روى لى هذه الواقعة بعدما قلت له: أنتم تؤمنون بالشيوعية أكثر من الكتب السماوية، تشككون فى وجود الله، وتؤمنون بكارل ماركس!

قال: «غير صحيح.. «لينين» له كتاب مهم من يقرأه يظن أن كاتبه قديس.. أنا عندى طقوس دينية خاصة ومضى قائلاً:

أذهب بين وقت وآخر إلى مكان بعيد فى الصحراء، ليس به أحد وهناك أتحدث مع ربنا!

سألته: أين يقع هذا المكان على الخريطة؟!

قال: على مسافة خمسمائة كيلو من القاهرة.

سألته: هل ثمة «جبل» فى المكان الذى تتحدث فيه مع الله؟

قال: أنا لست النبى «موسى».

قلت: لماذا تذهب إلى الصحراء لتكلم ربنا.. أتظن أن الله لن يسمعك فى زحام المدينة؟

قال: كل واحد يتصل بربنا بالطريقة التى تعجبه، وانتقل إلى واقعة أخرى وقال: حين ماتت أمى. كان رحيلها صدمة لم أخرج منها إلا حين ذهبت إلى «الكنيسة» وجعلت أبكى.. نسيت أن أقول لك إن أبى كان أزهرياً.. وأخى الأكبر كان من علماء الأزهر وكان يحمل شهادة العالمية ولو مضت حياتى فى سياقها الطبيعى ربما صرت شيخاً للأزهر بدلاً من اشتغالى بالفلسفة، وكونى مفكراً ماركسياً!

ودار حوار طويل بيننا أذكر منه فى هذا الصدد ما قاله عن «نبيل الهلالى»: «هذا نبى يمشى بيننا.. كان معنا فى المعتقل.. يعطف على الشاويش الذى كان يضربه»!

وكان هذا الشاويش مكلفاً بملاحظة عملنا فى تكسير صخور البازلت من الجبل، فإذا تعبنا وتقاعسنا كان يضربنا بشومة، غير أنه كان يرفق أحياناً بنبيل الهلالى.. وتسبب ذلك فى معاقبة الشاويش وقيام الضابط بضرب نبيل الهلالى بنفسه!

وبعد انصراف الضابط شتمناه وكان نبيل يلتمس له عذراً ويقول: إنه معذور وينفذ أوامر.. وضحية مثلنا!

وقال لى بعض رفاقه إن نبيل الهلالى كان يتلقى قسطاً أكبر من التعذيب لمجرد أنه «ابن باشا». ولم يكن أحد من جلاديه يعرف أنه وزع ثروته كلها على الفلاحين!

أغرب من ذلك أنه كان يتحمل عمليات الجلد فوق «العروسة» دون أن يصرخ.. كنا نسمع صوت الكرابيج ولا نسمع لنبيل الهلالى إلا تأوهات مكتومة !