رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون بناء الكنائس


جاء فى المادة 235 فى باب الأحكام العامة والانتقالية من دستور 2014 «يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية» وهذا الأسبوع نشر خبر حول تقديم الكنائس الثلاث لمشروع قانون لبناء وترميم الكنائس وقد صرح وزير العدالة الانتقالية بأن لجنة التشريعات المشكلة بقرارمن رئيس مجلس الوزراء ستناقش هذا المشروع حتى يكون جاهزاً أمام مجلس النواب القادم حسب نص المادة 235 من الدستور...

 هنا بلاشك فإن عملية بناء وترميم الكنائس كانت ومازالت تمثل مشكلة تتداعى نتائجها إلى ازدياد عمليات الشحن الطائفى التى تؤكد المناخ الطائفى وتكرس عملية الفرز الطائفى، وهى مشكلة دائماً يتم استغلالها من قطاعات مختلفة وسماسرة ومتاجرين بالمشكلة الطائفية وما يطلقون عليه القضية القبطية فى الداخل وفى الخارج من الجانب المسيحى، أيضاً فهذه المشكلة قد أصبحت تستغل بل تُختلق لإحداث فتنة أو تصفية خلافات اجتماعية بين المسلمين والمسيحيين من بعض المتشددين والمتطرفين من الجانب المسلم. الشىء الذى يدفع العقلاء من الجانبين للمطالبة بتشريع قانون ينظم هذه العملية فما أبعاد هذه القضية؟

وهل سيكون تشريع هذا القانون هو الحل الناجز لحل هذه المشكلة ولتجاوز هذه القضية؟ بداية لابد أن نعلم أن هناك موروثاً تاريخياً سلبياً قابعاً فى كثير من الضمائر نتاج بعض الممارسات الطائفية الناتجة عن تفسيرات واجتهادات لبعض المفسرين والمجتهدين الإسلاميين التى تحرم بناء أو ترميم الكنائس، بل هناك من يطالب بهدم ما هو قائم. وهؤلاء يعتبرون أن الوطن هو بلاد المسلمين ولا يحق لغيرهم العيش الطبيعى فيه وبالتالى لا يحق لهم بناء كنائس أو حتى ممارسة شعائرهم الدينية وكانت هذه الاجتهادات تعلو وتهبط.. تتواجد وتختفى حسب المناخ الطائفى والنظام السياسى الذى يقبل الآخر. حيث إن فكرة ومنهج قبول الآخر لا تعنى القبول السياسى، بل هو القبول وعلى كل المستويات، ولذا فقد شاهدنا قبل هبة يناير وبعدها ظهور هذا التيار المتشدد، فكانت مشاكل كنائس الصف وإمبابة وأسوان الشىء الذى أساء وعكر صفو التجمع الوطنى الذى حدث فى يناير والذى كانت أحداث ماسبيرو إحدى نتائجه والأهم قد وجدنا تتويجاً لهذا السلوك ما تم فى عام الإخوان من شحن طائفى مباشر ظهر فى عملية الاعتداء على الكاتيدرائية لأول مرة وتُوج هذا الشحن بحرق الكنائس بعد فض «رابعة» و«النهضة» وهذا يعنى أن هناك مناخاً وفكراً خاطئاً وشحناً وتحريضاً طائفياً دائماً ما يُمارس ويظهر فى هذه القضية تحديداً وهنا ومع كل القناعة والاقتناع بالضرورة القصوى لتشريع هذا القانون فهل إصدار هذا القانون وحده كفيل بالقضاء على هذه المشكلة؟ أعتقد أن الإجابة لا.. فالخطورة هنا هى أن يصدر هذا القانون ولا يحل المشكلة بل يمكن أن يزيدها تعقيداً أو اشتعالاً، حيث إن ما يمكن حله هنا هو الجزء الخاص بإصدار الترخيص من الجهات التنفيذية فى الوقت الذى يصبح فيه الجانب الآخر وهو ما يمكن أن نطلق عليه القبول الشعبى والمجتمعى للقانون. وإصدار قانون مع غياب القدرة على تنفيذه يعنى مزيداً من ضياع هيبة الدولة والاستهانة بالقانون.. الشىء الذى يقابله مزيد من الفوضى واستشراء وتجذير المشكلة، ولذا ومع ضرورة تشريع القانون لابد أن يكون هناك حوار مجتمعى حقيقى وفى كل الاتجاهات وعلى كل المستويات وحتى يتم تهيئة المناخ والسحب من رصيد التطرف وتصحيح المفاهيم الخاطئة المترسبة لدى الكثيرين يجب تحقيق المواطنة الحقيقية على أرض الواقع، حيث إن هذا سيساعد وسيسهم فى توضيح وتصحيح فكرة الدولة والعدالة والمساواة بين كل المواطنين حيث يجب التأكيد على المقاصد العليا للإسلام الصحيح والسمح التى تعطى الإنسان حرية العقيدة والمعتقد «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».

لابد من التواصل الإنسانى والاجتماعى والثقافى والتعايش والمعايشة بعيداً عن العُزلة والانعزالية التى أكدت الفرز الطائفى مع العلم بأن هذا التعايش وهذه المعايشة هى التى جعلت كثيراً من المسلمين يحمون الكنائس فى كثير من المواقع أثناء فض «رابعة» هذا التعايش يجعل بناء كنيسة دون ترخيص أيسر من بنائها بترخيص لا يمكن تنفيذه فى مكان يسوده المناخ الطائفى ويعتريه غياب المعايشة والعيش المشترك فهذه المشكلة نتاج ونتيجة تراكم سلوك طائفى وفهم خاطئ واجتهاد خاص وتقاعس أنظمة وعدم تطبيق القانون واستسهال الحلول واقتصار المشكلة على الحل الأمنى واختصارها بين الكنيسة والسلطة وإسقاط التعاون الشعبى.

على الإعلام أن يتعامل مع هذه المشكلة فى إطارها المجتمعى والفنى بعيداً عن بعدها الطائفى. على «المتاجرين والأرزقية والسماسرة» والذين لا دور لهم غير استغلال هذه المشاكل أن يبحثوا عن دور آخر إذا كانوا أهلاً لهذا. على بعض رجال الدين أن يتركوا للشعب والعلمانيين هذه المشكلة، حيث إن ظهورهم يؤكد البُعد الطائفى. وعلى العقلاء من المصريين أن يسهموا فى تنقية الجو وتصفية النفوس. مع العلم بأن هذه المشكلة لا تقل أهمية عن أى تحد آخر يواجه بناء مصر الجديدة. فهل نعمل سوياً وفوراً لتتشابك الأيادى حتى تصبح مصر «بحق وحقيقى» لكل المصريين؟

كاتب وبرلمانى سابق