رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أم كلثوم وأنور وجدي والعندليب .. نجوم الفن الجميل الذين قهرهم المرض

جريدة الدستور

بالرغم من أن عطائهم الفني الذي لا ينضب مازال مستمرًا بأعمال ناجحة، إلا أن المرض لم يرحمهم، فهو لا يفرق بين فنان أو إنسان عادي، حيث استطاعوا خلال مشوارهم الفني أن يقدموا الكثير من الأعمال الخالدة التي أثرت في ذاكرة الجمهور، فلم يحبطهم المرض بل كان عامل مساعد على التميز .
لعل أبرز هؤلاء الفنانين الذين قهرهم المرض الفنان " محمد فوزي"، الذي عانى الكثير في بداية مشواره الفني، ولم يصبه الإحباط، بل حاول العديد من المرات، إلى أن اكتشفته الفنانة فاطمة رشدي، التي كانت تميل إليه وتؤمن بموهبته، حتى عمـل في فرقتها ممثلًا وملحنًا ومغنيًا، حتى طلبه يوسف وهبي عام 1944 ليمثل دورًا صغيرًا في فيلم «سيف الجلاد».
شارك فوزي في العديد من الأعمال الفنية حيث بلغ مجمل أفلامه 35 فيلم، وقد بلغ رصيد محمد فوزي من الأغنيات 400 أغنية منها حوالي 300 في الأفلام من أشهرها "حبيبي وعينيه" و"شحات الغرام" و"تملي في قلبي"، وساعده هذا النجاح على تأسيس شركته السينمائية التي حملت اسم أفلام محمد فوزي في عام 1947.
تزوج فوزي ثلاث مرات أولها من السيدة هدية الذي استمر 9 سنوات، والثانية من الفنانة مديحة كامل واستمر الزواج 4 سنوات فقط، والثالثة والأخيرة من الفنانة "كريمة" التي ظلت معه حتى وفاته.
بدأت متاعب فوزي الصحية ومرضه الذي احتار أطباء العالم في تشخيصه عام 1965، حيث قرر السفر للعلاج بالخارج وبالفعل سافر إلى لندن ، ثم عاد إلى مصر ولكنه سافر مرة أخرى إلى ألمانيا بعدها بشهرين إلا أن المستشفى الألماني أصدر بيانًا قال فيه إنه لم يتوصل إلى معرفة مرضه الحقيقي ولا كيفية علاجه وأنه خامس شخص على مستوى العالم يصيبه هذا المرض حيث وصل وزنه إلى 36 كيلو، "المرض" هو تليف الغشاء البريتوني الخلفي، وهكذا دخل محمد فوزي دوامة طويلة مع المرض الذي أودى بحياته إلى أن توفي في 20 أكتوبر عام 1966م.
ويتضح مدى قسوة المرض في حياة الفنان "عبد الحليم حافظ"، الذي عانى من المرض منذ الصغر حيث أصيب بتليف في الكبد سببه مرض البلهارسيا، بدأ عبد الحليم مشواره الفني بالالتحاق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943 حين التقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبًا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معًا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948.

اكتشف العندليب الأسمر عبد الحليم شبانة الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلا من شبانة، حيث تم إجازته في الإذاعة المصرية عام 1951، وقدم حليم 16 فيلمًا، كان أول أفلامه السينمائية فيلم "لحن الوفاء"، مع الفنانة شادية والفنان حسين رياض، وأخر أفلامه فيلم "أبى فوق الشجرة"، مع الفنانة نادية لطفي والفنانة ميرفت أمين.

قدم عبد الحليم أكثر من230 أغنية، متنوعة من بين الوطنية والرومانسية والابتهالات الدينية، والموال.

توفي يوم الأربعاء في 30 مارس 1977 في لندن عن عمر يناهز السابعة والأربعين عامًا، والسبب الأساسي في وفاته هو الدم الملوث الذي نقل إليه حاملا معه التهاب كبدي فيروسي فيروس سي الذي تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيا منذ الصغر كما قد أوضح فحصه في لندن، ولم يكن لذلك المرض علاج وقتها وبينت بعض الآراء أن السبب المباشر في موته هو خدش المنظار الذي أوصل لأمعائه مما أدى إلى النزيف وقد حاول الأطباء منع النزيف بوضع بالون ليبلعه لمنع تسرب الدم ولكن عبد الحليم مات ولم يستطع بلع البالون الطبي.
ويُعد الفنان "أنور وجدي"، من أهم الفنانين الذين عانوا من المرض، بدأ أنور وجدي حياته الفنية، حين راوده حلم التمثيل وبدأ يتسكع كثيرًا أمام أبواب المسرح عسى أن يقتنص الفرصة من خلال لقائه بأحد النجوم، وتصادف أثناء تسكعه أمام كواليس المسرح الخلفية أن قابل الفنان يوسف وهبي من البروفات واقترب منه وتوسل إليه أن يأخذه ليعمل معه في مسرح رمسيس حتى لو أدى لتقديم الشاي والقهوة وكنس غرف الفنانين لكن يوسف وهبي كان في عجلة من أمره لارتباطه بموعد معهم فتركه دون أن يعبأ بما طلبه منه.

ولم ييأس أنور وجدي وتوسل إلى قاسم وجدي الريجسير أن يقدمه إلى يوسف وهبي، وبالفعل حدث أن عمل في مسرح رمسيس وكان أجره ثلاثة جنيهات في الشهر وأصبح يسلم "الأوردرات" للفنانين وسكرتير خاص ليوسف وهبي.

كان أول ظهور له حينما قام بدور ضابط روماني صامت في مسرحية "يوليوس قيصر" وكان أجره حينذاك 4 جنيهات شهريًا، ما مكنه من الاشتراك في أجرة غرفة فوق السطح مع زميل كفاحه الفنان عبد السلام النابلسي، وتوالت عليه الأدوار الثانوية بعد ذلك في أفلام كبار النجوم وقتها، مع بداية حقبة الأربعينيات أصبح أنور وجدي نمطًا سينمائيًا مطلوبًا بشدة، حيث استغل منتجي السينما ومخرجيها ملامحه الناعمة ووسامته في تقديم أدوار "ابن الباشوات" الثري المستهتر الذي يكون رمزًا للشر، فشارك فيما يزيد عن 20 فيلمًا من هذه النوعية في السنوات الخمس الأولى من الأربعينيات، بعد ذلك توالت البطولات وأصبح أنور وجدي في النصف الأخير من الأربعينيات فتى الشاشة الأول وقدم مجموعة من أنجح أفلام تلك الفترة.

ولعل أبرز المحطات الفنية لأنور وجدي، عندما قرر أن يدخل عالم الإنتاج السينمائي بفيلم ليلى بنت الفقراء، وكتب سيناريو الفيلم أيضًا ورشح لبطولته ليلى مراد وكانت نجمة السينما المصرية الأولى ونجمة الشباك رقم واحد في تلك الفترة، ورشح أيضًا المخرج كمال سليم، ووافق كمال سليم ورحبت ليلى مراد وبدأت جلسات العمل للتحضير للفيلم، لكن أثناء ذلك يتوفى المخرج كمال سليم.

ويقرر أنور أن يستمر في إنتاج الفيلم، وأن يقوم هو بإخراجه، حيث لاقى الفيلم نجاحًا باهرًا، حتى أصبح أنور وجدي مطروحًا على الساحة السينمائية ليس فقط كنجم وممثل وبطل سينمائي بل أيضاً كمؤلف ومنتج ومخرج.

كان أنور وجدي مصاب بمرض وراثي في الكلى، وهو مرض الكلية متعددة الكيسات كان في بداية الخمسينيات من عمره عندما بدأ يشعر بأعراض المرض لكنه كان يتناساها، لكن مع تعرضه لأزمة صحية نصحه الأطباء بضرورة السفر إلى فرنسا وعرض نفسه على الأطباء ولكن المرض لم يكن له علاج في ذلك الوقت.

حقق وجدي في مسيرته السينمائية ثروة ضخمة لكن من سخرية القدر أنه كان ممنوعًا بأوامر الأطباء عن تناول العديد من الأطعمة وكان يصاب بالحزن بسبب هذا المنع فعندما كان فقيراً لا يجد ما يأكله كان يمكنه أن يأكل أي شيء وعندما أصبح يملك المال لم يعد في امكانه أن يأكل ما يشتهيه.

لم تمض فترة طويلة على عودته للقاهرة ، فبعد أشهر قليلة عاودته آلام المرض وأصيب بأزمة صحية شديدة نقل على أثرها إلى مستشفى دار الشفاء، وساءت صحته للغاية فنصحه الأطباء بالسفر إلى السويد حيث هناك طبيب اخترع جهازًا جديدًا لغسيل الكلى، وكان الأول من نوعه وبالفعل سافر أنور إلى هناك، وأجرى الأطباء جراحة دقيقة لأنور وجدي لم تفلح في إنقاذه فقد تدهورت حالته وتأكد الأطباء أنه لا أمل في شفائه حتى بمساعدة الكلية الصناعية، وفقد بصره في أواخر أيامه وكذلك عاني من فقدان الذاكرة المؤقت.

أما كوكب الشرق أم كلثوم، فقد عانت صراعًا طويلًا مع المرض، حيث ارتدت بشكل مستمر في الفترة الأخيرة من حياتها النظارة السوداء بسبب مرض الغدة الدرقية الذي أدى إلى جحوظ عينيها، بدأ صيت أم كلثوم يذيع منذ صغرها، حين كان عملها مجرد مصدر دخل إضافي للأسرة، لكنها تجاوزت أقصى أحلام الأب حين تحولت إلى المصدر الرئيسي لدخل الأسرة، أدرك الأب ذلك عندما أصبح الشيخ خالد ابنه المنشد وعندما أصبح الأب ذاته في بطانة ابنته الصغيرة.


ولكن البداية الحقيقة لأم كلثوم كانت عندما التقت الشيخ "أبو العلا محمد"، الذي أقنع الأب بالانتقال إلى القاهرة ومعه أم كلثوم، كانت تلك الخطوة الأولى في مشوارها الفني.

تعاونت أم كلثوم مع كبار الشعراء والملحنين خلال مشوارها الفني، مما أتاح لها فرصة كبيرة من الصعود المستمر، حتى لقبت "بكوكب الشرق ".

يُذكر أنها قدمت رحلات فنية لتمويل الجيش فيما عرف بـ" المجهود الحربي"، وعشقت أم كلثوم الفن حتى أنها استمرت تغنى إلى نهاية عمرها رغم صراعها مع المرض حيث وقعت أثناء البروفات للأغنية " أوقاتي بتحلو" صريعة لمرض التهاب الكلى، حيث سافرت إلى لندن للعلاج وكانت قبل سفرها قد طلبت من الشاعر صالح جودت أن يكتب أغنية بمناسبة نصر أكتوبر وبعد عودتها طلبت من الملحن رياض السنباطي تلحينها حتى تغنيها في عيد النصر لكنها توفيت قبل أن تؤديها.