رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من وصايا الإمام الغزالى «1-2»


من وصايا حجة الإسلام الإمام الغزالى إلى تلميذه فى نصيحته المشهوره بعنوان: أيها الولد المحب. نصح الإمام تلميذه بأن يترك أربعة أشياء وأن يعمل أربعة أشياء. .
قال الغزالى: أيها الولد:
إنى أنصحك بثمانية أشياء، اقبلها منى لئلا يكون علمك خصمك يوم القيامة، تعمل منها أربعة، وتدع منها أربعة. أردت أن أشارك القارئ اليوم فى الأمور الأربعة التى نصح الإمام الغزالى تلميذه بعملها». الأول: أن تجعل معاملتك مع الله تعالى، بحيث لو عامل معك بها عبدك ترضى بها منه، ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب، والذى لا ترضى به لنفسك من عبدك المجازىّ، فلا ترضى أيضاً لله تعالى، وهو سيدك الحقيقى».

والثانى: كلما عملت مع الناس، اجعله كما ترضى لنفسك منهم؛ لأنه لا يكمل إيمان عبد حتى يحبّ لسائر الناس ما يحبّ لنفسه».

والثالث: إذا قرأت العلم أو طالعته، ينبغى أن يكون علمك علماً يصلح قلبك ويزكى نفسك، كما لو علمت أن عمرك ما يبقى غير أسبوع، فبالضرورة لا تشتغل فيها بعلم الفقه والخلاف والأصول والكلام وأمثالها؛ لأنك تعلم أن هذه العلوم لا تغنيك، بل تشتغل بمراقبة القلب، ومعرفة صفات النفس، والإعراض عن علائق الدنيا، وتزكى نفسك عن الأخلاق الذميمة، وتشتغل بمحبة الله تعالى وعبادته، والاتصاف بالأوصاف الحسنة، ولا يمر على عبد يوم وليلة، إلا ويمكن أن يكون موته فيه». واستمر الإمام الغزالى – أيها القارئ - فى نصيحته منادياً على التلميذ بكل مودة وحب قائلاً له قبل أن يذكر النصيحة الرابعة: أيها الولد..!!

اسمع منى كلاماً آخر، وتفكر فيه حتى تجد فيه خلاصاً: لو أنّك أخبرت أن السلطان بعد أسبوع يجيئك زائراً. اعلم أنك فى تلك المدة لا تشتغل إلا بإصلاح ما علمت أن نظر السلطان سيقع عليه من الثياب والبدن، والدّار والفرش وغيرها.

والآن تفكر إلى ما أشرت به فإنك فهم (أى قادر على الفهم)، والكلام الفرد (أى القليل) يكفى الكيّس، قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم» وهذا الحديث رواه مسلم فى صحيحه.

وإن أردت علم أحوال القلب فانظر إلى الإحياء (كتاب إحياء علوم الدين) وغيره من مصنفاتى. وهذا العلم فرض عين، وغيره فرض كفاية إلا بمقدار ما يؤدى به إلى فرائض الله تعالى، وهو يوفقك حتى تحصّله».لقد كانت النصيحة الرابعة من الغزالى لتلميذه أو ولده نصيحة اقتصادية بحتة تناولت التخفف من الدنيا فى وقت كثرت فيها الكماليات، فما بالك أيها القارئ لو شاهد الإمام الغزالى الكماليات فى عصرنا الحاضر التى أفسدت كثيراً من البشر والعلاقات حتى بين الزوجين.وكان الأمر الرابع: ألا تجمع من الدنيا أكثر من كفاية سنة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدّ ذلك لبعض حجراته (أى لبعض زوجاته)، وقال: «اللهم اجعل قوت آل محمد كفافاً» رواه مسلم، ولم يكن يعدّه بعد ذلك لكل حجراته، بل كان يعدّه لمن علم أن فى قلبها ضعفاً، وأما من كانت صاحبة يقين، فما كان يعدّ لها أكثر من قوت يوم ونصف». وطبعاً هذا من تربية المصطفى لأهل بيته ليكونوا قدوة فى المجتمع. ما أجمل نصائح العلماء والفقهاء للطلبة فى ود وحب ورعاية، نحن اليوم قد نفتقد إلى شىءمن ذلك، حتى تتحسن العلاقة بين التلميذ وأستاذه، وتنتعش التربية الربانية، وتتحسن الحياة الزوجية إلى جانب تحصيل العلوم. وقد نعود إلى الأمور الأربعة المنهى عنها فى مقال آخر.. والله الموفق.