رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آباء الثورة المصرية«4»


سألت المستشار طارق البشرى ذات مرة عن التحولات فى حياته من الماركسية إلى الفكر الإسلامى فقال لى:

لا يمكن فهم حركة التاريخ بمعزل عن الجدلية التاريخية، ولا يمكن فهم التحولات الاجتماعية بمعزل عن نظرية الصراع الطبقى لكارل ماركس!

هذا ما قلته للأستاذ «محمد سيد أحمد» فقال: من الصعب التخلص من قبضة «كارل ماركس» على العقل، إن مشكلة الماركسية ليست فى «ماركس» ولكن فى غلاة بعض الماركسيين.

قلت: كارل ماركس كان مدركاً لهذه المشكلة حين قال: أنا لست ماركسياً.

وخلال حوارى مع أستاذ الجدل والتحليل للظواهر السياسية واستخلاص نتائجها المنطقية سألته عن «المراجعات» الفكرية فى حياته : لماذا انضممت للحركة الشيوعية؟

قال: كنت أنشد تحقيق المساواة والعدل الاجتماعى.

قلت: الشيوعية منحت الناس العدل الاجتماعى وسلبتهم ما هو أهم.. الحرية.

قال: حاجة الناس للخبز تسبق حاجتهم للحرية.

قلت: الحرية تجلب الخبز.. لكن الخبز لا يجلب الحرية.

قال: الحرية لم تجلب الخبز للفقراء فى قاع المجتمع الأمريكى قبلة الرأسمالية الديمقراطية.

قلت: عدالة توزيع الخبز داخل السجون تحقق المساواة بين الجميع، فهل استغنى السجناء عن حاجتهم للحرية؟

بعد ثلاث ساعات من الحوار نظرت إلى ساعتى وهممت بالاستئذان فاستوقفنى متسائلاً: أنت مرتبط بموعد.. استنى سأقول لك سراً لم أكشفه لأحد غيرك.. وعاجلنى قائلاً: حين كنت فى التنظيم الطليعى كنت مكلفاً بمراقبة «هيكل» حين كان رئيساً لتحرير «الأهرام».

قلت: مش ممكن.

قال: حصل.. ثم سألنى: لمَ تضحك؟

قلت: لأنى أعلم أنك من أقرب أصدقاء الأستاذ هيكل!

والواقع أن ما أضحكنى هو إحساسى بأن هذا المفكر الكبير الذى يحمل عقل فيلسوف وقلب طفل برىء لديه رغبة شريرة فى مشاغبة صديقه!

ولم أكن أود أن أكون طرفاً فى هذه المشاغبة، رغم إغراءات النشر.

فأبديت له عدم حماستى غير أنه أصر على النشر!

ولم أكن أدرى أن نشر هذا السر سوف يحدث صدى إلا حين أبلغنى صديقى الأستاذ عبدالله السناوى «رئيس تحرير العربى» آنذاك بأن الأستاذ هيكل اتصل به من لندن، يسأل عن حوار «محمد سيد أحمد» ويطلب إرسال نسخة من الجورنال إلى لندن عبر مكتبه.

بعدها بأيام كان الأستاذ «محمد سيد أحمد» ضمن صفوة المدعوين فى عيد ميلاد هيكل الثمانين، فلم يدع هيكل الفرصة تمر دون أن يسأله ضاحكاً: أخبار «المراجعات فى حياتك إيه يا محمد»؟

لكن «محمد سيد أحمد» لم يكن ابن الباشوات الوحيد، ولا ذلك النموذج العجيب، الذى تمرد على أسرته، وترك حياة القصور وعاش مع الحفاة وأنفق ثروته على الحركة الوطنية.

فثمة نموذج آخر أكثر عجباً، وهو المحامى أحمد نبيل الهلالى - نجل نجيب الهلالى باشا آخر وزراء مصر فى العهد الملكى - الذى تبرع بأطيانه كلها للفقراء، ومات فى شقة للإيجار، وعاش حياته كواحد من أبطال الأساطير الأغريقية.. وتلك قصة أخرى.