رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يبقى عندما يسقط الهرم ؟


وطن بلا تاريخ لا شىء، مجرد قطعة أرض. وقديماً قال صلاح جاهين عن مصر: «كان عمرها ستلاف سنة كلها سنين خضر.. بس الزمان يختلف زى اختلاف الناس.. ناس تبنى مجد وحضارة وناس بلا إحساس.. وناس تنام لما يزحف موكب الأحداث». وإذا لم يكن بوسعنا أن نبنى مجداً وحضارة فليكن لدينا على الأقل إحساس!

من يفتح النار على تاريخه وآثاره وماضيه يعاقبه المستقبل بنار أشد قوة.ونحن نهدم آثارنا يومياً إلى أن أصبح هرم سقارة عرضة للانهيار، وهو أقدم أهرامات مصر وأقدم بناء حجرى بذلك الحجم فى العالم، تم بناؤه منذ نحو خمسة آلاف سنة ليكون مقبرة «زوسر»، ودخل قائمة التراث العالمى كجزء من جبانة منف بالجيزة. وتعود القصة إلى زلزال عام 1992 الذى أدى لظهور شروخ وشقوق فى بناء الهرم، ولكن وزارة الآثار المجيدة لم تتحرك لترميم الهرم إلا بعد عشر سنوات أى عام 2002! ثم تريثت وتمهلت وتأنت أربعة أعوام أخرى فنظمت عام 2006 مناقصة ترميم محدودة بين شركتين فقط ، بعيدتين كل البعد عن أعمال الترميم الأثرية هما: «المقاولين»، وشركة «الشوربجى»، وفازت شركة الشوربجى بالمناقصة لحكمة لا يعلمها إلا من هاص وزاط وقبض الرشوة فى حينه. واستمرت الشركة لتسع سنوات كاملة تتحرك فى اتجاهين : تمطيط الوقت وعدم الالتزام بالمواعيد، وأيضاً رفع سعر تكلفة العمل باستمرار حتى بلغت تكلفة رفع المتر الواحد من الرمال والأتربة خمسة عشر ألف جنيه! وفى عام 2011 أرسلت اليونسكو إلى القاهرة خبير الآثار الايطالى «جورج كورتشى» فتولى تشخيص الحالة ووضع تقريراً بالتوصيات اللازمة، لكن وزير الآثار أخفى التقرير ولم يظهر منه حرفاً لأى جهة، لأن التقرير حذر من أن أعمال الترميم الجارية القائمة على الجهل والفساد تهدد بانهيار الهرم. و فى منتصف سبتمبر الحالى حذرت صحيفة «الجارديان» من أن الهرم الأقدم فى التاريخ عرضة للانهيار. وحذر خبراء مصريون من الخطر ذاته منهم عبد الرحمن العايدى رئيس الإدارة المركزية للمتاحف سابقاً، وصرح بقوله «إن مايحدث فى هرم سقارة إجرام فى حق مصر وتاريخها». ماذا يبقى لنا حين نواجه المستقبل عندما يسقط الهرم؟!

بداية انتظرت وزارة الآثار المباركية عشر سنوات لتتحرك، وعندما تحركت عهدت بالترميم إلى شركة غير مختصة، والنتيجة أن الشركة رفعت كمية أتربة من داخل الهرم هى أصلاً مصاطب ترابية تم بناء الهرم على أساس وجودها، فأدى رفعها إلى زيادة الشقوق، كما أزالت الرمال التى كانت تحمى الهرم من خارجه! أضف إلى كل ذلك أن الشركة استخدمت أحجاراً تخالف بتكوينها أحجار الهرم، ومؤونة خالية من بودرة الحجر التى تؤدى لتماسك الأحجار، بل وحتى لون الحجر كان مختلفاً مما جعل الهرم يبدو كأنه «مول تجارى» وليس مقبرة رقد فيها زوسر مطمئناً خمسة آلاف سنة حتى ابتلته الأقدار بوزارة الآثار المصرية. يطالب الخبراء المصريون ونحن معهم بتشكيل لجنة علمية بشكل عاجل للوقوف على وضع هرم سقارة بل وكل آثار مصر، وتشكيل لجنة وطنية من الشخصيات العامة للقيام بزيارة إلى الهرم والتعرف إلى الخطورة الحقيقية التى تهدد بانهياره، وأخيراً نشر تقرير الخبير الإيطالى الذى حذر من مدة طويلة من الفساد والإجرام فى عملية الترميم.