رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمن القومى بين قلة الموارد وإهدارها


الحقيقة أن كثيرين تحدثوا عن وفرة الموارد فى مصر بما رفع توقعات البعض بدرجة كبيرة، وكان من بينهم الرئيس السابق مرسى، ولكن من الواضح أن الحديث عن وفرة الموارد، وأنها يمكن أن تنهض بالوضع الاقتصادى المصرى بسرعة، هذا الحديث لم يثبت صحته عندما تولى بعض من يقولون به السلطة.
استلفت نظرى من حديث الأستاذ محمد حسنين هيكل مع الأستاذة لميس الحديدى فى شبكة «سى بى سى» يوم الجمعة 19 سبتمبر 2014، أنه تحدث عن الأمن القومى المصرى وقال إن مصر مواردها لا تكفى لإطعام أهلها، وأن أحداً لا يستطيع أن يدافع عنها داخل أراضيها، وهى مقولات لها ما يبررها، إلا أن البند الأول الخاص بالموارد والقدرة على إطعام أهلها كان مثاراً لمناقشات بين الكثيرين، بمن فيهم أصدقائى، فقد ذكر البعض أن المشكلة ليست فى نقص الموارد، كما يبدو من حديث الأستاذ الكبير، وإنما فى الفشل فى إدارة الموارد وإهدارها، ويمكن الاستشهاد بما جاء فى سورة يوسف عن كيف كانت مصر توزع المواد الغذائية إلى الأقطار المجاورة، وكيف أن الساحل الشمالى كان يشكل سلة الخبز للدولة الرومانية فى عصر الاحتلال الرومانى، رغم أن الأستاذ الكبير أشار إلى ضآلة الكمية، إلا أنها كانت كافية فى ذلك الوقت لا لإطعام المصريين فقط، ولكن لإطعام الإمبراطورية الرومانية أيضاً.

والحقيقة أن كثيرين تحدثوا عن وفرة الموارد فى مصر بما رفع توقعات البعض بدرجة كبيرة، وكان من بينهم الرئيس السابق مرسى، ولكن من الواضح أن الحديث عن وفرة الموارد، وأنها يمكن أن تنهض بالوضع الاقتصادى المصرى بسرعة، هذا الحديث لم يثبت صحته عندما تولى بعض من يقولون به السلطة، ولم يعد هناك مبرر أو عذر للكشف عن هذه الموارد وكيفية استخدامها لكى تكتفى مصر ذاتياً بمواردها لإطعام البشر، ولا أقصد هنا الطعام فقط، ولكن كل ما هو ضرورى لحياة البشر، ولكننى فى الوقت نفسه متأكد من أن هناك إمكانيات وموارد مهدرة بواسطة الكثيرين، بما يجعلنى غير قادر على القطع بمدى كفاية موارد مصر.. يكفى أن نتذكر كمية المياه المهدرة من ماء النيل ولنتذكر حجم المياه التى يمتصها ورد النيل، وكذا كمية المياه التى تمتصها الحشائش الضارة على ضفاف النيل وفروعه وترعه أو لننظر إلى حجم ونوع المهملات والتى قد يكون أنسب أسلوب للإحساس بحجمها هو مشاهدتها من خلال نافذة القطار خاصة فى خطوط الصعيد والوجه البحرى.

أخيراً.. هناك الاستهلاك المبالغ فيه للكهرباء، وهذا قليل من كثير.. الخلاصة أن لدينا موارد مهدرة ليست بالقليلة، وأننا لو استطعنا تحسين استخدامها لأمكن تحقيق الكثير مما هو مطلوب للمواطن، بل إن الواقع يقول أيضاً إن كثيراً من أوجه استغلال الموارد المتيسرة حتى الآن تشير إلى إساءة استخدام الموارد، بل إهدارها أحياناً إهداراً تاماً.

لكن الحديث عن الموارد يدفعنا إلى تقدير الموارد نفسها، خاصة إذا قارننا مواردنا بموارد الغير، فما تحدثت عنه سابقاً هو الموارد الطبيعية مثل المياه والثروة المعدنية وطاقة الشمس والرياح، لكننا لم نذكر أهم موارد الدولة، أى دولة، فلا شك أن أهم ما تتمتع به الدولة من موارد هى الموارد البشرية، أى شعبها، حيث هى القادرة على اكتشاف باقى الموارد، والحفاظ عليها وحسن استخدامها وتطويرها، وهى التى تحول المادة الخام بأشكالها وأنواعها المختلفة إلى شىء مهم تستفيد به البلاد وتمكنها من التقدم، والموارد البشرية يمكن أن تكون عاملاً سلبياً، كما أنها يمكن أن تكون عاملاً إيجابياً، وأمامنا حالة اليابان وهى دولة تكاد تخلو من الموارد الطبيعية التى يمكن استخدامها لصالح تقدم البشر، إلا أن الشعب اليابانى بمثابرته وحبه للعمل يضرب مثلاً مهماً فى قدرة الشعب على أن يجعل خلو الموارد الطبيعية سبباً للتقدم بدلاً من التخلف، بينما نجد الصين والهند بلاداً تتميز بكثرة سكانها بحيث تخطت تعداد المليار نسمة، ورغم ذلك فقد أصبحت الصين أكثر بلاد العالم ارتفاعاً فى معدل النمو الاقتصادى، فى حين تقدمت الهند بدرجة كبيرة فى مجالات منها الطاقة الشمسية ومنها الطاقة النووية.

بالنسبة لمصر فقد أصبحت الموارد البشرية عبئاً على المجتمع نتيجة الزحام والتزاحم على الموارد الأخرى، لأنها لا تستغل وأصبح الأسلوب الرئيسى لاستغلال الموارد البشرية يعتمد على تصدير الموارد البشرية بدلاً من الاستفادة بها.

يبقى أن أتفق مع الأستاذ الكبير فى أنه على مدى التاريخ لم ينجح المصريون فى الدفاع عن بلدهم داخل أراضيهم، وأن الدفاع الحقيقى عن مصر يوجد هناك عند جبال زاجروس شرق العراق والمحيط الأطلسى غرب المغرب، وجبال طوروس على حدود سوريا الشمالية تقريباً وعلى الهضبة الإستوائية ومضيق باب المندب فى الجنوب.

خبير سياسى واستراتيجى