رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د.عاطف عبيد


لم يحظ رئيس وزراء سابق بهذا الحديث العنيف كما حدث مع الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق الذى رحل عن عالمنا يوم الجمعة 12 سبتمبر 2014، والعجيب أن من تحدثوا عن الرجل فاتهم أنهم يتناولون أمر شخص لا تجوز عليه إلا الرحمة، وأنه يقف الآن بين يدى الحق الذى لا تضيع عنده الحقوق.

مات عاطف عبيد ولم تمت الخصومة التى حملها البعض له لدرجة أن صديقاً كتب على الـ«فيس بوك» ما معناه: إنه تصادف أن صلى فى أحد المساجد، فلما علم أن صلاة الجنازة التى شارك فيها كانت على الدكتور عاطف عبيد شعر بالندم وتمنى لو لم يكن قد شارك فى هذه الصلاة!!

كلام مزعج ويكشف بوضوح عمَّا طرأ على الشخصية المصرية من تشوهات توارت معها كثير من القيم التى عرفت بها وأبرزها «التسامح»، فضلاً عن انهيار حقيقى فى منظومة الأخلاق التى ترفض الشماتة لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بحدث جلل كالموت. غير أن الأكثر إزعاجاً أن التشفى فى شخص رجل توفى امتد أيضاً إلى عدد من النخبة، فلم يقرأ عليه الفاتحة سوى حفنة من الأهل والمعارف وندرة من المستفيدين مازالوا يذكرون فضل قراراته عليهم.. أما الناس فيعرفون بإحساسهم أنه لم يكن يوماً معهم».ألهذا الحد ننصب من أنفسنا وكلاء عن الله نمنح الرحمة لمن نحب، ونحجبها عمن نكره أو نختلف معه. أغلب الهجوم على د.عاطف عبيد يدور حول برنامج الخصخصة باعتباره كان المسئول الأول عن هذا الملف الذى تولاه كوزير لقطاع الأعمال العام قبل أن يصبح رئيساً للوزراء فى الفترة من 5 أكتوبر 1999 إلى 14 يوليو 2004. ونسى هؤلاء أن قرار الخصخصة لم يكن قراراً فردياً من عاطف عبيد حيث يرجع الأمر إلى حسابات معقدة تضافرت فيها الإرادة السياسية للنظام وقتها مع برامج وسياسات المؤسسات الدولية، فضلاً عن الوضع المالى والاقتصادى لشركات القطاع العام التى كانت على حافة الإفلاس ووصل فيها رأس المال إلى أرقام «سالبة».نعم لقد خرج قطار الخصخصة عن برنامجه المرسوم له، وكانت له آثار اجتماعية مدمرة، وقد لا يخلو الأمر من فساد، ولكن المؤكد أنه من الظلم تحميل الرجل وحده مسئولية كل ذلك فى الوقت الذى لم يطرح فيه من لا يتورعون عن نقده بعد رحيله أى تساؤلات حول الدور المنوط بالأجهزة الرقابية والقضائية القيام به لمواجهة حالات الفساد طالما كانت موثقة.لقد كان عاطف عبيد وزيراً للتنمية الإدارية ويحسب له أنه وضع برامج إصلاح مهمة فى هذا القطاع، وبفضله صدر قانون حماية النيل من التلوث حيث كان الوزير المسئول أيضاً عن حقيبة البيئة.لقد تولى عاطف عبيد الحكومة بعد سلفه كمال الجنزورى ولا ننسى ما قيل وقتها عن أسطورة طلعت حماد وزير شئون مجلس الوزراء آنذاك وما كان يحظى به من نفوذ طاغٍ جعله يدير شئون مجلس الوزراء وكأنه هو رئيس الوزراء. لم يتجاهل الرجل ذلك، وكان أول ما فعله عند تشكيل حكومته أن ألغى منصب وزير شئون مجلس الوزراء، لدرجة دفعتنى للتساؤل فى موضوع صحفى نشرته فى ذلك الوقت عن مغزى ذلك وهو الذى كان يشغل هذا المنصب فى وقت من الأوقات.لقد عرفت الدكتور عبيد عن قرب وأشهد أنه كان إنساناً شديد التواضع ويحمل قلباً طيباً، من الوارد أن يكون قد أخطأ ولكن المؤكد أنه لم يكن فاسداً أو حرامياً ولم تتلوث يده بالكسب الحرام.

أعلم أننى قد أفتح على نفسى باب جهنم بهذه السطور، ولكن يكفينى أننى أكتبها عن رجل ليس موجوداً بيننا ولم يعد قادراً على الرد على من يقدحه أو يمدحه فلن يضيره هذا أو يفيده ذاك!!

نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية