رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل الأحزاب الدينية فى ضوء الدستور الجديد «5»


استكمالا لمقالاتنا الأربعة الماضية .. نلقى الضوء اليوم على أن سعى النور لتسويق نفسه على المستوى الدولى، خاصة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد أقلق تنظيم الإخوان بشدة، حيث توفرت المعلومات للتنظيم بأن النور يروَّج نفسه كبديل إسلامى لهم، مستنداً إلى تراجع القاعدة المؤيدة للتنظيم،

وكذلك الحالة الإعلامية والصحفية التى سلطت الضوء على فشل الإخوان، ودخلت فى صراع بقاء معها، وقد طلب النور من شخصيات مقربة من النظام الأمريكي، أن تفتح لها قنوات اتصال مع القيادات السياسية، من أجل طرح رؤية الحزب التى تختلف عمَّا يروج ضدها، من التطرف والتشدد والرجعية ورفض التنوع واستهداف غير المسلمين، وكان الراعى الأول لتلك الاتصالات حسب تصريحاته الشخصية للإعلام، هو الدكتور «سعد الدين إبراهيم»- رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية- وأحد من وطدوا علاقة الجماعة مع النظام الأمريكى، وتولى «نادر بكار»- أحد قيادات النور الشابة- مهمة التواصل مع البرلمان الأوروبى والولايات المتحدة، لتلميع الحزب سياسياً وتبييض صورته والتأكيد على مبادئ الديمقراطية، التى تتبناها تلك الدول وتوليها اهتماماً بالغاً فى التعاون السياسى.ويعتبر عدد من المحللين أن النور بدأ فى استشعار الخطر من الوقوف فى صف الإخوان أمام رغبة الشارع، والتى كانت تزيد كل يوم على سابقه، كما أن تواجده بالقرب من مطبخ صنع القرار للتيار الموالى للإخوان، جعله يطلع على أسلوب اتخاذ القرار، وكيف تدار الأمور داخل مؤسسة الرئاسة، وكذلك سيطرة التنظيم على الدولة بما يعرف بخطة «التمكين»؛ لذا فقد كان موقفه متخذاً من قبل ذلك، ليس بحثاً عن مصلحة عامة، بل لطرح نفسه كبديل لأنصار الحاكمية وتطبيق الشرع المسيَّس. كما أجمع الباحثون والمهتمون بشأن الحركات الإسلامية على أن النور هو الوجه المتطور من الفكر الوهابى، إلا أن أعضاءه تخلوا عن الجلباب القصير واستبدلوها بالبدل الأرستقراطية، مع بعض التعديلات على لغة الخطاب والحوار، إلا أن العقيدة الوهابية ما زالت متجذرة فى عقول أعضاء الحزب، لكنهم أدركوا الرفض الشعبى لمنهجهم العقائدى، لذا حاولوا التأقلم مع الواقع الجديد، وتغيير جلودهم بما يناسب تطورات المجتمع المصري، وبحثاً عن اكتساب ثقة الشارع، وتغيير الصورة الذهنية عن التيار السلفى- المحسوب على المشروع الإسلامى- خاصة بعد فشل المشروع على يد جماعة الإخوان.إلا أن الواقع يؤكد على استحالة نجاح النور فى استقطاب أى كتلة جماهيرية، خارج التابعين له أيديولوجياً، فبرغم الرفض التام لجماعة الإخوان الإرهابية، إلا أنها أبدت ليونة فيما يتعلق بالمدنية وإن كانت ظاهرية. إلا أن النور يخفى تحت عباءته تشدداً فكرياً ودينياً، لا يضاهيه إلا الفكر التكفيرى والسلفى الجهادى، والذى يعتبر منظرى السلفية الأصولية هم أساتذة رموز السلفية الجهادية.لقد أثبتت التجارب المتلاحقة أن الأيديولوجية الوهابية التى يتبناها «حزب النور»، لن تجد فى الواقع المصرى تربة خصبة يترعرع فيها وينمو.إن محاولة تكهن مستقبل حزب النور، يُلزم الباحث أن يجمع بين الحسابات السياسية والأيديولوجية، لأنهما يصنعان الرؤية الواقعية لمحاولة الاستقراء لمستقبله، وفى تلك الحالة سنجد أن تراجع شعبية الحزب أمر لا مناص منه، حتى بين صفوف أتباع التيار السلفى والمؤيدين له، لأن البراجماتية التى أدار بها العملية السياسية، على حساب الأيديولوجية أفقدته توازنه الذاتى، وهدمت كل المبررات التى استند إليها خلال مشواره السياسى، حيث سعى جاهداً إلى أن يمارس العمل السياسى بالتوازى مع الحفاظ على هويته، وهما طريقان متناقضان لن يتقابلا أبداً؛ لذا فإن «النور» عاجز عن أن يكسب أياً من الأطراف السياسية، حيث إنه محسوب على التيار المتأسلم، وعلاقته بجماعة الإخوان فى فترات اتسمت بالاتفاق بينهما، وبين فقدانه قاعدته الأيديولوجية التى تراه خارجاً عن المنهج الذى تأسَّس من أجله

.أستاذ القانون العام - جامعة طنطا