رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«داعش» هى كلمة السر الأمريكية


وهل مشاركة مصر فى مؤتمر جدة يعنى توريط مصر فى هذه المواجهة العسكرية؟ بالطبع لا وألف لا حيث إن تحرير الكويت غير مواجهة «داعش» على أراضى العراق وسوريا.

هل مازلنا نتذكر ما فعلته ومازالت تفعله أمريكا فى المنطقة منذ أن كانت تزعم تبنىٍّ ما يسمى بمبدأ السلام وحق تقرير المصير فى عشرينيات القرن العشرين؟ كانت هناك دول إمبراطورية تسيطر على العالم فى الشكل الاستعمارى الاستيطانى التقليدى، ولم تكن أمريكا تريد أن تظهر فى هذا الشكل التقليدى، فخرجت على العالم بشكل يغاير الشكل الاستعمارى السائد حتى تتمكن من وراثة الإمبراطوريات القديمة، فشاركت فى الحرب العالمية الأولى بشكل لم يكن مؤثراً كما حدث فى الحرب العالمية الثانية حيث ضربت اليابان السفن الأمريكية فى ميناء بيرل هاربور كان الرد الأمريكى بضرب المدينتين اليابانيتين «هيروشيما وناجازاكى» بالقنابل الذرية حيث كان هذا بمثابة الإعلان عن تغيير موازين القوى العالمية، حيث انتقل الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفييتى فى شكل حرب باردة.

فما كان من أمريكا غير وراثة الدور الاستعمارى القديم بأسلوب أكثر حداثة فهى من تبنى الكيان الصهيونى الاستيطانى -ومازالت- لكى يكون مخلب قط فى المنطقة لإضعافها وتقسيمها حفاظاً على المصالح الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة، هل نتذكر الدور الأمريكى فى مواجهة الاتحاد السوفييتى فى أفغانستان فى سبعينيات القرن الماضى عندما تبنت ظاهرة الأصولية الإسلامية وساعدت «بن لادن» على تشكيل تنظيم القاعدة بهدف هزيمة السوفييت وكان لها ما أرادت وانفردت بالعالم فى نهاية الثمانينيات؟ هل نتذكر اللعبة القذرة التى قامت بها السفيرة الأمريكية فى بغداد عندما أرادوا توريط صدام حسين فى غزو الكويت بحجة سرقة الكويت لبترول العراق؟

هل رأينا نهاية هذه اللعبة التى انتهت بغزو أمريكا للعراق تحت زعم وجود أسلحة دمار شامل وبحجة نشر الديمقراطية؟ ذلك الغزو الذى انتهى بسحق العراق كدولة عربية تملك إمكانات تهدد إسرائيل وتهدد المصالح الأمريكية، كما أنها تمتلك ثانى احتياطى نفطى فى العالم، فتم هدم العراق وتفكيك الجيش وتسريح الشرطة، بل هدم وسحق كل مظاهر الحضارة العراقية القديمة، وقد تم هذا للأسف بمباركة ومشاركة عربية؟ هل نتذكر سياسة الفوضى غير الخلاقة التى أعلنتها أمريكا كسياسة لها فى المنطقة بعد هدم العراق وتقسيمه فكان تقسيم السودان والفوضى الضاربة بأطنابها فى سوريا ولبنان واليمن وليبيا؟ هل نعى السياسة الأمريكية التى تبدو فى ظاهرها متناقضة ولكنها هى المصلحة وحدها، فتساعد «القاعدة» وتشجع «داعش» وأخواتها وتتبنى جماعة «الإخوان»، ولذا ففى هذا السياق واتساقاً مع الطبيعة الاستعمارية الأمريكية نجد أمريكا بعد سحق العراق وبعد بثّ الفتنة بين السنَّة والشيعة ومباركة الأكراد بالاستقلال بشمال العراق نجدها الآن متحمسة لمساعدة العراق فى القضاء على «داعش».

فهل أمريكا الآن في حالة تأنيب للضمير، وتريد مساعدة العراق؟ إذا، فلماذا صمتت حتى تم لداعش السيطرة على تلك المساحة من العراق؟ ولماذا لم تتحرك فى مواجهة تلك الممارسات التتارية المتخلفة التى مورست ضد الأقليات الدينية مثل المسيحيين والأيزيديين؟

أم أن أمريكا مازالت تلعب لعبتها الحقيرة وهى تسخير الجميع فى حماية مصالحها تحت مسميات براقة مثل محاربة الإرهاب؟ وبالطبع كان مؤتمر جدة لحشد العرب فى مواجهة داعش وأخواتها ليس حباً فى العرب ولا حماية للمنطقة من الإرهاب، ولكن حماية لأمريكا وأوروبا خاصة وهذا هو الأهم بعد انضمام الآلاف من شباب الغرب إلى «داعش» الشيء الذى يمثل أكبر الخطر عليهم عند عودة هؤلاء إلى بلدانهم.

هذا ولا مانع من استغلال مزيد من الفرص لضرب النظام السورى بحجة ضرب «داعش»، والغريب أننا نرى ذلك التناقض فى مؤتمر جدة، نرى قطر وتركيا وهما دول المساعدة العلنية لهذه التنظيمات الإرهابية والآن يجتمعون لمحاربة من يساعدونهم ومن ينفذون أجنداتهم، أليس غريباً أن يجمع مؤتمر قطر وتركيا ومصر معاً؟ أليس الأغرب أن تشارك قطر وتركيا فى مؤتمر لمحاربة »داعش» فى الوقت نفسه نرى جماعة الإخوان فى الأردن وسوريا وبالطبع مصر يرفضون علنياً تلك المواجهة مع «داعش»؟ فماذا تريد أمريكا وماذا يريد أردوغان؟ هل المطلوب توريط بعض الدول العربية تحديداً فى الدخول فى مواجهة عسكرية مع «داعش« على طريقة حرب العصابات مثل ما حدث فى أفغانستان حتى يتم إجهاض هذه الدول وجيوشها؟

وهل مشاركة مصر فى مؤتمر جدة يعنى توريط مصر فى هذه المواجهة العسكرية؟ بالطبع لا وألف لا حيث إن تحرير الكويت غير مواجهة «داعش» على أراضى العراق وسوريا.

كما أن مصر تدخل الآن وبلا هوادة فى مواجهة، بل فى حرب حقيقية مع تلك المنظمات الإرهابية أى أن مصر مطلوب أن يساعدها هذا التجمع فى مواجهة الإرهاب، فأمريكا لا تعرف غير مصلحتها ولا يحل مشاكل الدول دول أخرى، حيث تتناقض المصالح ولا تلتقى الأهداف، فمنذ متى تتطابق المصالح والأهداف العربية مع المصالح والأهداف الأمريكية؟ فهل سنظل دائماً ننساق وراء مصالح الغير؟ ومتى نفيق ونستفيق وننتبه إلى مصالحنا؟ متى يعى العرب.. كل العرب ما يحاك لهم؟ ومتى يتوحدون ويتوافقون من أجل الحفاظ على أوطانهم وعلى مصالحهم، أفيقى أيتها الشعوب وتنبهوا أيها الحكام فأمريكا وإسرائيل وأذنابهما فى المنطقة لن يسعوا لغير مصالحهم التى بالتأكيد تختلف عن مصالحنا والتاريخ يسجل ولن يرحم أبداً.

كاتب وبرلمانى سابق