رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حظر الأحاديث السياسية فى المدارس


فى 20 سبتمبر الحالى تفتح الجامعات والمدارس المصرية أبوابها لأكثر من عشرين مليون تلميذ ونحو مليونى طالب. شعب بأكمله يتجه لتلقى العلم. عن أى علوم لاعلاقة لها بالعصر الحديث وعن أى طريقة فى التعليم يدور الحديث؟ فى الوقت الذى لا نرى فيه أى رؤية وطنية أو فكرية تحكم المواد والمناهج والأساليب وتجمع التعليم فى ضوء واضح...

... وبينما يبلغ الإنفاق على فوائد وأقساط الديون 173 مليار جنيه، أى 35% من الموازنة، فإن الإنفاق على التعليم لا يتجاوز 64 ملياراً من موازنة عامة تصل لحوالى خمسمائة مليار. نحن إذن فى مواجهة غياب منهج وغياب تعليم وضعف إنفاق. أضف إلى هذا التعليمات المشددة التى صدرت مؤخرا بحظر أى أحاديث سياسية داخل المدارس ومساءلة كل من يخالف ذلك سواء من المعلمين أو الإدارات أو التلاميذ. ومجددا أكد وزير التربية محمود أبو النصر فى حديث لـ«الأهرام» أن «السياسة محظورة وممنوعة فى المدارس، ومن يريد أن يمارس السياسة فليكن ذلك خارج أسوارها». ويعود بنا ذلك الحظر إلى عهد الملك فاروق حين أصدرت وزارة محمد محمود باشا بإيعاز من الإنجليز القانون رقم 22 لسنة 1929 لحفظ النظام فى معاهد التعليم، ومن ضمن ماجاء فيه أنه: «يعاقب بالحبس .. كل من دعا تلاميذ وطلبة المدارس إلى تأليف لجان أو حضور اجتماعات سياسية أو احتجاجات بشأن مسائل أو أمور ذات صبغة سياسية». مع ذلك تحدى الطلاب ذلك الحظر وصولا إلى اللجنة الوطنية للطلبة والعمال عام 1946 التى مهدت الأرض لثورة يوليو. وإذا كان الوزير يسعى لمنع الأحاديث السياسية فلماذا يدعو إلى: «التشديد على الانتماء والولاء فى الحصة الأولى التى تشهد نبذة عن مشروع قناة السويس الجديدة والاهتمام بتحية العلم والنشيد الوطنى». أليس ذلك من الشئون السياسية؟. لقد برر البعض صدور قرار الوزير بأنه جاء «لمنع طلاب جماعة الإخوان من الترويج لأفكارهم المتشددة». لكن هل يصلح المنع وسيلة للتصدى لنشر الأفكار الإرهابية؟. لقد أثبتت التجربة التاريخية أن الحظر والمنع لا ينفع بشىء، كما أن مواجهة الجذور الفكرية للإرهاب لا تتم بإبعاد الطلاب والتلاميذ عن السياسة بل بإقحامهم فى السياسة وغرس رؤى وقيم أخرى بديلة فى نفوسهم وعقولهم. مشكلة الوزارة أنه ليس لديها ما تغرسه فى العقول ليزهر بدلا من أشواك الكراهية والتطرف. وحينئذ يصبح «الحظر» أسهل الطرق لتغطية العجز. والمعنى الوحيد لحظر الأحاديث السياسية أنه ليس لدى الدولة أى نظرية تعليمية متماسكة تواجه بها الفكر الإخوانى الإرهابى. ومن المؤسف أن نقرأ تصريحات للبعض يقول فيها إن «الطاقة التى قد يصرفها الطلاب فى الجدل السياسى يمكن تفريغها فى الرياضة»! لأن تلك دعوة لبناء حمير ذوى العضلات وليس طلبة يرسمون مستقبل مصر ويحلمون بازدهارها ورقيها. لم نكن نتوقع – بعد انتفاضتين شعبيتين بمساهمة طلابية – حظر النشاط السياسى على أكثر من عشرين مليون طالب، لولا انخراطهم فى السياسة ما وصل وزير التربية إلى منصبه الحالي! تحتاج السياسة التعليمية إلى رؤية أخرى بعيدة عن «الحل الأمنى» بصفته علاجا لكل مشكلة. تحتاج إلى المزيد من الإنفاق على التعليم وتطويره وإفساح المجال الديمقراطى للتفكير والتفاعل، وليس لعزل نحو خمس الشعب المصرى عن المشاركة فى تقرير مستقبله!