رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ولاء الشيخ يكتب:

عاجل إلى الرئيس السيسى.. النيل يئن


سيادة الرئيس / عبدالفتاح السيسى

أكتب مقالى هذا – الذى أعتبره بمثابة بلاغ إلى سيادتكم – فى الوقت الذى نتطلع فيه جميعاً إلى مستقبل واعد لمصرنا الحبيبة، والتى تحاصرها تحديات كبيرة يقف على رأسها ملف «سد النهضة الإثيوبى» والذى يتعلق بمستقبل نهر النيل «شريان حياة مصر»، فمن المؤكد أن الوضع المائى فى دول حوض النيل يختلف من دولة إلى أخرى، فهناك دول تتميز بوفرة مواردها المائية وقلة إعتمادها على مياه نهر النيل لتعدد المصادر البديلة للمياه بها مثل الأمطار والمياه الجوفية، فى حين أن السودان مثلاً يتميز بحد مقبول من الموارد المائية ويبقى اعتمادها على نهر النيل اعتماداً وسطياً، بعكس مصر التى تعتمد على نهر النيل بنسبة 97 %، ولعل أبلغ ماقيل ويعبر بدقة عن الوضع المائى فى دول حوض النيل ما قاله «بارتون ورثنجتون» أحد أكبر خبراء المياه على المستوى العالمى الذى قال «إن هذه الرحلة الطويلة لنهر النيل – يقصد رحلته من منابعه إلى مصبه فى البحر الأبيض المتوسط – تتفاوت فيها المناطق المناخية من النقيض إلى النقيض.. فبينما يبلغ مستوى سقوط الأمطار فى مناطق المنابع إلى أكثر من «ألف» ملليمتر فى العام فلا يزيد هذا المستوى فى وادى النيل المصرى عن «عشرة» ملليمترات فى العام».

ومن الأهمية  أن نتناول الوضع المائى فى دول حوض النيل ليساعدنا فى رسم صورة أكثر وضوحاً لأزمة مياه النيل وفى القلب منها «سد النهضة».

 الوضع المائى فى مصر

تعانى مصر الفقر المائى حيث إن مواردها المائية المتاحة محدودة، تعتمد مصر على أربعة مصادر مائية هى:

1- نهر النيل:

 ويعد هذا المصدر المائى هو الأهم بالنسبة لمصر وتصل نسبة الاعتماد عليه كمصدر لمياه الرى والاستخدامات المنزلية والصناعية إلى مايقرب من 97 %، يمثل هذا المصدر حصة مصر من مياه النيل والتى تقدر بنحو 55,5 مليار متر مكعب سنوياً، هى حصة ثابتة غير قابلة للزيادة بل هى معرضة الآن للنقصان بسبب الخلافات بين مصر ودول منابع النيل.

2- الأمطار:

تصنف مصر ضمن الدول شحيحة الأمطار، حيث تسقط الأمطار عليها بمعدل سنوى يتراوح فيما بين 50 و250 ملليمتر، ففى الساحل الشمالى الغربى تسقط أمطار يتراوح معدلها السنوى فيما بين 50 و150 ملليمتر، على هذه الأمطار تنشأ زراعة الشعير، تصل المساحات المزروعة على هذه الأمطار إلى 100 ألف فدان فى أفضل الأحوال.

وفى سيناء وسلسلة جبال البحر الأحمر الشرقية فتصل إلى مايتراوح فيما بين 200 و300 مليون متر مكعب سنوياً، أما فى العريش فيصل معدل الأمطار السنوى إلى 150 ملليمتراً، يتزايد هذا المعدل فى رفح ليصل إلى 250 ملليمتر سنوياً.

ويبلغ متوسط ما يسقط على الأراضى المصرية من الأمطار نحو 8 مليارات متر مكعب سنوياً.

3- مياه الصرف المعالجة:

ويقصد بها مياه الصرف الزراعى والصحى التى تتم معالجتها قبل استخدامها مرة أخرى، تعد مياه الصرف الزراعى المعالجة من أهم مصادر تنمية الموارد المائية فى مصر ويمكن الاعتماد عليها مستقبلاً، مع الوضع فى الاعتبار تحسين نوعيتها من خلال معالجة مياه المصارف الفرعية.

أما مياه الصرف الصحى المعالجة فهى من المصادر المهمة التى يتم استخدامها فى رى المحاصيل غير الغذائية مثل الغابات الخشبية وكمياتها فى تزايد حيث بلغ حجم مياه الصرف الصحى المعالجة نحو 0,6 مليار متر مكعب فى عام 2000 ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 2 مليار متر مكعب بحلول عام 2017.

وتقدر كميات مياه الصرف الصحى المعالجة – سواء الزراعى أو الصحى – بنحو 9 مليارات متر مكعب سنوياً.

4- المياه الجوفية:

تمتد خزانات المياه الجوفية فى مصر على شكل قطاعات يمكن تقييمها إلى خمسة قطاعات رئيسية هى:

- وادى النيل والدلتا:

ويصل حجم المياه الجوفية فى هذا القطاع إلى نحو 600 مليون متر مكعب، نهر النيل هو المصدر الرئيسى لتغذية هذا الخزان الجوفى، حيث تتسرب مياهه إلى طبقات الأرض المسامية مكونة هذا الخزان الجوفى الذى يمكن الوصول إلى مياهه من خلال حفر الآبار التى لا يتجاوز عمقها 15 متراً.

- السهل الساحلى المطل على البحر المتوسط:

وتعد المياه الجوفية المتاحة فى هذا القطاع من الموارد المائية المهمة فى شبه جزيرة سيناء وشمال غربى مصر، خاصة المنطقة الواقعة بين مرسى مطروح وسيدى برانى، يعد نهر النيل وفروعه المصدر الرئيسى لتكون الخزان الجوفى فى هذا القطاع.

- الصحراء الغربية:

وتقدر كميات المياه الجوفية المتاحة فى هذا القطاع بنحو 2,5 مليار متر مكعب سنوياً، فى بداية تكونه كان هذا الخزان ملحياً وخلال مايقرب من 130 ألف عام نجحت المياه العذبة فى إزاحة المياه المالحة، وعلى مياه هذا الخزان يمكن زراعة نحو نصف مليون فدان فى الصحراء الغربية ولمدة 700 عام.

- الصحراء الشرقية:

وفى هذا القطاع تتسم المياه الجوفية بمحدوديتها، تتركز المياه فى نطاقين ضيقين تفصل بينهما مرتفعات البحر الأحمر.

- سيناء:

وفى هذا القطاع يأخذ وجود المياه الجوفية شكلين أساسيين أولهما الخزانات الجوفية العميقة وثانيهما المياه الجوفية السطحية، تقوم على المياه الجوفية فى هذا القطاع زراعة النخيل، كما توجد العيون الطبيعية ذات المياه العذبة مثل عيون موسى وحمام فرعون.

وتكلفة استخراج المياه الجوفية هى الأعلى بين مصادر المياه فى مصر، بصفة عامة يبلغ حجم المياه الجوفية المستخدمة فى مصر نحو 3 مليارات متر مكعب سنوياً.

مما سبق يتضح لنا أن مصر تعانى الفقر المائى وليس أدل على ذلك ما توصلت إليه الدراسات من أن موارد مصر المائية من المتوقع أن تصل بحلول عام 2017 إلى 71,4 مليار متر مكعب فى حين أن الاحتياجات المائية فى نفس العام ستصل إلى 86,2 مليار متر مكعب، بالتالى فإن هناك فجوة واضحة بين الموارد المائية المتاحة واحتياجات السكان.

كما أن نصيب الفرد من المياه فى مصر أقل من خط الفقر المائى – خط الفقر المائى هو 1000 متر مكعب من المياه سنوياً – حيث وصل عام 2010 إلى 700 متر مكعب سنوياً، من المتوقع أن ينخفض إلى 350 متر مكعب سنوياً بحلول عام 2050، فى حين أن دولة من دول منابع النيل مثل إريتريا يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه بها نحو 1136 متر مكعب سنوياً.

إذن لدينا فقر مائى مدقع يتزامن مع أزمة مع دول منابع النيل حول «اتفاقية عنتيبى» والتى ترفض هذه الدول بمقتضاها حصولنا على حصتنا التاريخية من مياه النيل والتى تقدر بنحو 55,5 مليار متر مكعب سنوياً، ومع إثيوبيا التى قامت بالبدء فى بناء «سد النهضة» التطبيق العملى الأول لاتفاقية عنتيبى، ومع ذلك هناك دعوات جديدة لإحياء مشروع توشكى، ومن وجهة نظرى المتواضعة فإن إحياء مشروع توشكى يضعف موقفنا التفاوضى فيما يخص سد النهضة، وذلك لأن جزءاً من موقفنا التفاوضى يقوم على أننا نعتمد على مياه النيل بصورة كلية فى ظل ضعف مواردنا المائية.. فكيف لنا أن نحيى مشروعاً يحتاج إلى مياه إضافية.

فضلاً عن أن مشروع توشكى تعثر بصورة مخيفة وكلنا نذكر «قصة شركة الأمير السعودى الوليد بن طلال فى توشكى» والتى بدأت فى يوم 12مايو عام 1997، عندما وافق مجلس الوزراء على تخصيص نحو 100ألف فدان للأمير السعودى الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود بمشروع توشكى بهدف زراعتها واستصلاحها، وهى الخطوة التى سبقها قيام الوليد بإنشاء شركة زراعية، ليتمكن من الحصول على الأرض باسمها، وبالفعل وافقت الهيئة العامة للاستثمار على إنشاء شركة زراعية للوليد للعمل بتوشكى فى 12أغسطس 1997، وسميت هذه الشركة باسم «المملكة للتنمية الزراعية»، قبل أن يوقع الأمير السعودى عقد أرض مملكته فى 16 سبتمبر من عام 1998، ليتملك 100 ألف فدان من أراضى مصر.                           

وتم توقيع العقد بين الحكومة ممثلة فى رئيس الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة وقتها الدكتور محمود أبوسديرة، ومالك شركة المملكة للتنمية الزراعية، الأمير السعودى الوليد بن طلال. وضم العقد نحو 13مادة وملحقاً اشتمل على أربع صفحات.          

ومن أهم مواد العقد المادة الأولى التى نصت أن طرفى العقد وهما الحكومة المصرية كطرف أول والوليد بن طلال كطرف ثان قد قاما بمراجعة جميع محتويات العقد، أما المادة الثانية من العقد فنصت على أن الحكومة قد قامت ببيع قطعة أرض صحراوية لشركة الوليد بن طلال، وتقع هذه الأرض بين 31 درجة و30 دقيقة و31 درجة و45 دقيقة شرق خط الطول، و22 درجة و55 دقيقة و23 درجة و25 دقيقة شمال خط العرض، وذلك وفقاً للإحداثيات المبينة على الخرائط المسلمة بواسطة وزارة الزراعة المصرية والمركز الزراعى للأبحاث ومعهد أبحاث البيئة والمياه والأراضى.

وأشارت نفس المادة إلى أن الوليد بن طلال قد قام بنفسه باختيار قطعة الأرض على أساس الخريطة المتعلقة بالتربة وتصنيف التربة المعد من قبل الحكومة المصرية، وعلى أن أرض الوليد بتوشكى تحتوى على نوعية من التربة ذات الجودة العالية والملائمة لمساحات واسعة من الزراعة المروية.

أما المادة الثالثة من العقد فقد نصت على بيع مساحة 100 ألف فدان لـلوليد فى توشكى بمبلغ 50جنيهاً مصرياً لكل فدان، وفى حالة قيام شركة الوليد بتطوير وزراعة أكثر من 100ألف فدان من الأرض مستقبلاً فإنه سيدفع إلى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة 50 جنيهاً مصرياً لكل فدان من الأراضى الإضافية التى يتم زراعتها.                                          

وأشار العقد إلى أن الوليد قد قام بسداد قيمة 20% من إجمالى قيمة الشراء عند التوقيع على العقد والباقى سيتم دفعه حسب اتفاق الطرفين، على أن تقوم الحكومة المصرية ممثلة فى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بمنح شركة الوليد فور سدادها كامل ثمن الشراء حق الامتلاك المطلق لكامل المنطقة المذكورة فى المادة الثانية من العقد، والتى تقدر مساحتها بـ100ألف فدان، مع تسجيلها باسمه وقيام الحكومة بتقديم ضمانات خطية ضد نزع الملكية أو مصادرة هذه الأرض؛ فضلاً عن عدم خضوع هذه الأرض لأى أعباء حكومية أو أتعاب أو رسوم أو ضرائب من أى نوع كانت، سواء كانت - على سبيل المثال لا الحصر- رسوم التسجيل، أو التوثيق، أو ضريبة الدمغة، أو الضرائب العقارية، أو ضرائب رأس المال المتعلقة بالأرض أو بملكيتها.         

كما أن الأرض - وفقاً للمادة نفسها من العقد - لن تكون خاضعة لأى أنظمة تخطيط أو إنشاء فى المنطقة، فضلاً عن أنها لن تخضع لأنظمة التقسيم إلى مناطق سواء فى الحاضر أو المستقبل.                 

أما المادة الرابعة من العقد فأكدت أن الحكومة مسئولة عن توفير المياه لمنطقة المشروع، بالتالى فإنها تكون ملتزمة بتشييد الفرع رقم (1) المتفرع من قناة الشيخ زايد والممتد عبر أرض الوليد على نفقتها، على أن تقوم الحكومة بتوفير المياه للشركة، وبمعدلات قصوى للتدفق يحددها الوليد بنفسه.                

وتعهدت الحكومة بأنه عند إجراء تعديلات فى طول قناة الشيخ زايد أو فى نقطة الرفع النهائية سوف تتحمل تكلفتها، كما التزمت الحكومة - وفق نفس المادة - بأنها ستوفر المضخات الضرورية وهيكل البنية الأساسية فى حالة الحاجة إلى ضخ المياه، فضلاً عن مسئوليتها عن الناحية المالية والنواحى الأخرى فى قناة الشيخ زايد والفرع رقم (1) والمضخات الأساسية، بينما يلتزم الوليد بدفع المبالغ التالية للحكومة مقابل إدارة وصيانة وتشغيل محطة الضخ والقناة والفروع، وهى 4 قروش مصرية لأول 5000 متر مكعب لكل فدان، فيما يدفع للألف متر التالية 5 قروش عن كل متر مكعب فيها، ترتفع إلى 6 قروش لكل متر مكعب بعد ذلك.

كما وافقت الحكومة - بموجب العقد- على تصميم الأنظمة الفرعية للقناة الممتدة من الفرع رقم (1) إلى كل 5000 فدان من المساحة الزائدة عن المنطقة المزمع تطويرها وتعميرها بواسطة شركة الوليد، وستكون الشركة مسئولة عن تشييد الأنظمة الفرعية، على أن تقوم الحكومة بتعيين ممثل للعمل بتنسيق تام مع خبير وممثل يعينه الوليد خلال مراحل التصميم والبناء لضمان علم الطرفين بما يجرى من أعمال طوال الوقت. أما المادة الخامسة فنصت على أن تضمن الحكومة للوليد إمداده بالمياه الكافية لرى صافى المنطقة المزروعة، بالإضافة إلى احتياجات المياه الزراعية، فضلا عن التزام الحكومة بتزويد الوليد بمياه إضافية تكفى للاحتياجات المحلية والصناعية دون أى تكلفة عليه.

وكذلك تقوم الحكومة بمنح شركة الوليد بن طلال حقاً مطلقاً وغير مقيد فى الوصول إلى المياه من الفرع رقم (1) والتى تغذيها قناة الشيخ زايد، وذلك على مدار 24ساعة فى اليوم ولمدة 365يوماً فى السنة، مع عدم إيقاف هذا الإمداد فى أى وقت ولأى سبب مهما يكن؛ إلا فى وجود موافقة خطية مسبقة من شركة الوليد، على أن يتم الحصول عليها قبل شهرين - على الأقل - من حدوث واقعة الانقطاع، وعلى أن تكون الحكومة مسئولة عن إدارة وقياس مستويات وكميات المياه التى يتم ضخها من القناة الرئيسية وفروعها.

أما المادة السادسة من العقد فأكدت قيام الحكومة وشركة الوليد بتعيين شخص يمثل حلقة اتصال لتمكين الطرفين من متابعة العمل ومراجعة المستندات الضرورية للتأكد من تحقيق الطرفين التزاماتهما.     

وأكدت المادة السابعة من العقد أن جدول تنفيذ تطوير المشروع سيكون بناءً على مطلق إرادة شركة الوليد بن طلال، مع إعلان الحكومة بهذا الجدول فى الوقت المناسب.

وعلى الرغم من كل هذه المزايا التى حصلت عليها شركة الأمير الوليد بن طلال فإنها لم تقم بزراعة سوى ألف فدان فقط من جملة المساحة التى حصلت عليها الشركة وتقدر بـ 100 ألف فدان منذ استلامها الأراضى وحتى عام 2011... وفى أبريل 2011 وبموجب اتفاق مع الحكومة حينها تنازل الأمير الوليد بن طلال عن 75 ألف فدان تمتلكها شركته فى توشكى واكتفى بمساحة 25 ألف فدان. 

وجاء «اجتماع الخرطوم» الذى عقد الأسبوع الماضى بمشاركة وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا لبحث أزمة «سد النهضة» ليثقل «ملف مياه النيل» بأعباء جديدة... فالمؤتمر لم يخرج بجديد، فإثيوبيا مازالت متمسكة بحقها فى بناء السد ولا تعترف بحقوقنا فى مياه النيل، وحتى اللجنة التى شكلت للدراسة ومهلة 6 أشهر كلها أمور غير ملزمة لأديس أبابا، وتصب فى صالح إثيوبيا التى انتهت من بناء نحو 40% من سد النهضة، والغريب أن يخرج وزير الرى «حسام المغازى» ليؤكد أن «مفاوضات الخرطوم» نجحت فى إنهاء نحو 85% من الخلافات بين مصر وإثيوبيا، وهو ترديد لما كان يقوله وزير الرى الأسبق «محمود أبوزيد» وقت اشتعال الخلافات بين مصر ودول منابع النيل حيث كان يقول إن مصر انتهت من 99.5% من اتفاقية عنتيبى.. ولا خلافات مع دول الحوض، فى حين أن النصف فى المائة التى كان يتحدث عنها الوزير الأسبق هى جوهر الخلافات والتى تتعلق بعدم قبول دول حوض النيل بإدراج حصتنا التاريخية من مياه النيل فى الاتفاقية وبندى الإخطار والإجماع، ووقعت الكارثة فيما بعد وأعلنت دول المنابع توقيعها المنفرد على اتفاقية عنتيبى وبدأت إثيوبيا فى بناء سد النهضة الكارثى على مصر، حيث تؤكد الدراسات أن مصر والسودان ستتأثران سلباً من إنشاء سد النهضة، ويمكن إجمال هذه الآثار السلبية فى النقاط التالية:

1 – السعة التخزينية لسد النهضة تبلغ نحو 74 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل، بالتالى فإن تخزين هذه الكمية من المياه فى بحيرة السد الإثيويى ستؤثر وبعنف فى حصة مصر المائية حيث ستقل هذه الحصة وكذلك حصة السودان، بالتالى ستنخفض كميات الكهرباء المنتجة فى السد العالى والتى يتوقع البعض انخفاضها إلى النصف، وسوف تزداد حدة هذه الآثار السلبية خلال فترات الجفاف... وعموماً فإن توسع إثيوبيا فى توليد الطاقة الكهربائية من سد النهضة يتعارض مع عملية إمداد مصر والسودان بمياه النيل.

2 – خفض الحصة المائية المصرية سيؤدى إلى بوار مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية فى مصر ويقدرها البعض بنحو 5 ملايين فدان من جملة الأراضى الزراعية فى مصر والتى تبلغ نحو 9,2 مليون فدان، بالتالى حدوث أزمات غذائية وتشريد ملايين الأسر، وزيادة التلوث فى المسطحات المائية وكذلك ستحدث مشكلات فى مياه الشرب والصناعة، وسيتأثر النقل النهرى سلباً وكذلك المزارع السمكية... وهذا السيناريو مرشح للتطبيق فى السودان أيضاً.

3 – انهيار سد النهضة – وهو أمر متوقع – سيؤدى إلى حدوث كوارث فى مصر والسودان ومنها غرق العديد من المدن والقرى وبالتالى تصبح حياة الملايين فى خطر، لدرجة أن هناك سيناريوهات تتوقع أن انهيار سد النهضة كفيل بمحو العاصمة السودانية «الخرطوم» من الوجود بل وكل مدن صعيد مصر، لدرجة وصول آثار انهياره إلى الإسكندرية.

ولكن هل من مخرج ؟!.. لن تحل أزمة مياه النيل إلا بدخول دول حوض النيل وباقتناع تام فى منظومة تعاون، وآفاق التعاون بين دول حوض النيل رحبة وتسع الجميع ومنها وقف إهدار المياه فى دول حوض النيل والتى تقدر بنحو 70 مليار متر مكعب سنوياً تذهب دون استفادة بسبب التبخر وفى المستنقعات، ذلك من خلال مشروعات تشترك فيها كل دول الحوض وفى القلب منها مشروع «قناة جونجلى» المعطل الذى لو تم تنفيذه سينتج عنه فى مرحلته الأولى فقط نحو 25 مليون متر مكعب يومياً، لترتفع هذه الكميات فى مرحلته الثانية لتصل إلى نحو 55 مليون متر مكعب، يمكن تقسيمها بالتساوى بين مصر والسودان وجنوب السودان، هذه الكميات للأسف تضيع هباء فى جنوب السودان يومياً بسبب التبخر والمستنقعات.

وفيما يتعلق بأزمة «سد النهضة» فعلى دول حوض النيل الشرقى – مصر والسودان وإثيوبيا – الدخول فى مفاوضات جادة وفق إطار زمنى محدد لا يتجاوز ستة أشهر مع إيقاف إثيوبيا العمل فى بناء السد الذى بلغت نسبة الإنجاز به نحو 30%، وذلك من أجل التوصل إلى صيغة توافقية حول سد النهضة، فإذا فشلت المفاوضات فيمكن لمصر – المتضرر الأكبر من السد – اللجوء لمحكمة العدل الدولية.. فإذا أصدرت المحكمة حكماً فيجب على كل الأطراف احترامه.

النيل يئن يا سيادة الرئيس.. وينتظر تدخلاً شخصياً من سيادتكم لحل مشكلاته.