رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدحت الجيار: "نجيب محفوظ" فنان "الشعب وابن الحارة المصرية"

جريدة الدستور

أقام، أمس، مركز طاز للإبداع، التابع لصندوق التنمية الثقافية، ندوة حول المشوار الإبداعي للأديب العالمي "نجيب محفوظ"، وذلك في ذكرى وفاة "محفوظ"، في تمام الساعة السابعة مساء.

شارك في الندوة كوكبة من النقاد والفنانين، وهم: الفنان "حمدي أحمد"، الناقد الأدبي الدكتور "مدحت الجيار"، الروائي "إبراهيم عبد المجيد"، وأدار الندوة الدكتورة "ناهد عبد الحميد".

بدأت الندوة بكلمة للدكتورة "ناهد"، والتي قامت بعرض نبذة عن حياة "محفوظ"، وأهم أعماله والمحطات الفنية في حياته، ثم جاءت كلمة الروائي الكبير "إبراهيم عبد المجيد"، والتي يقول فيها:
استدعاني "محفوظ" لمنزله، وهو لقاء لن أنساه، فعندما تقرأ أعمال "محفوظ" وتستمع لأحاديثه، تجده نوعًا من الكُتاب الذي يأسرك من أول لحظة؛ فهو من جيل الليبرالية المتعدد الاتجاهات "جيل الثورة"؛ فهو يستمع لكل الناس، وهو من النوعية التي تستمع وتنصت جيدًا، أكثر منه متحدث، وكان عندما يتكلم، لا أستطيع أن أتوقف عن الانصات وأنا في حالة رائعة من الاستمتاع.

وأضاف "عبد المجيد": "محفوظ" كاتب مهتم بالفلسفة اهتمامًا كبيرًا، والتي ظهرت في العديد من أعماله؛ منها رواية "الطريق"، والتي قدم فيها لنموذجين من الارتباط العاطفي بقيمتين مختلفتين، وهما: "المادة والروح"، وهذه الأفكار الفلسفية لا تأتي بذهن القارئ، ولكنها مستحوذة على كيان "محفوظ" الإبداعي، فهو يعرف ماذا يفعل، وماذا يكتب، فكان يناقش القضية أو المشكلة داخل الرواية ويقدم الحلول مبكرًا، فكان لديه صدق فني كبير في تقديم الشخصية بطريقة صحيحة.

وأكمل لنا إضاءة لنا الرؤية الفنية في إبداع "محفوظ" كلمة الفنان الكبير"حمدي أحمد"، والتي قال فيها:

عندما نتحدث عن "محفوظ" فنحن نتحدث عن السهل الممتنع؛ والقبضة الحديدية والمخملية، فـ"محفوظ" أسميه "المؤرخ الأدبي" وليس الأديب المؤرخ؛ فكان يأخذ جزءًا من الواقع ويحكي تاريخه؛ فنيًا وثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا، فمن أراد الاستمتاع بإبداعه عليه ألا يشاهد أفلامه، ولكن فليقرأ رواياته لتستشعر متعة غير عادية تظل مسيطرة عليك.

وواصل "حمدي": و"الثلاثية" من أهم أعمال "محفوظ"، التي جسدت فترة الاحتلال البريطاني، والتي عبّر عنها "محفوظ" بقلمه الرشيق بأن مصر كانت مستباحة في ظل الاستعمار الانجليزي، وما قيل عن أن أعمال "محفوظ" هي تجسيد لواقع الشعب المصري المتدني، فهذا غير صحيح، بل كان إبداعه يعكس واقع الانهيار والسقوط بمدلوله السياسي تحت وطأة الاستعمار، ثم وازى "حمدي" بين حال الفن والإبداع في هذا الوقت، وما يحدث الآن من هبوط في مستوى الدراما التلفزيونية والسينمائية، وخصوصا ما قدم في رمضان هذا العام؛ وأن ما تم تقديمه بهذا المستوى المتدني، هي أعمال ممولة تمويلا أجنبيًا خارجيًا، تهدف لهدم عقل ووجدان الشعب المصري، وطمس الهوية المصرية، وأن كل ما يحدث في واقعنا الآن دخيل علينا، ويرمي لهدم القومية العربية وتحويل الريادة لإسرائيل.

وأعقب الكلمة الرؤية التحليلية والنقدية لإبداع "محفوظ" للناقد الأدبي د."مدحت الجيار":
هناك قصور شديد في مفهوم "الواقعية"؛ فمسألة أن الفن الواقعي يعكس الواقع، مثله كالكاميرا التي تقوم من خلالها بالتقاط مشهد كما هو، فذلك خطأ كبير، فالواقعية هي أن تأخذ مشهد من الواقع يحمل قضية تتم معالجتها بإيجاد حلول لهذه المشكلات، بهذا المعنى قدم عبقري الرواية "محفوظ" نموذج الثلاثية "بين القصرين، السكرية، فصر الشوق"، فاختار شخصية "أحمد عبد الجواد" نموذجًا ليعالج من خلاله العديد من المشكلات الاجتماعية، القائمة آنذاك، وهذا ما أقوله لبعض المخرجين بأن نقلهم للمشاهد، كما هي، غير صحيح، فإذا قبلنا بالأشياء نفسها دون تغيير، فما الفائدة؟! ولكن علينا المعالجة بالرفض أو التغيير والتجديد.

وأضاف "الجيار": "محفوظ" بين قوسين هو "حضرة المحترم"، الذي كان يذهب لعمله مبكرًا وقبل موعده، وينصرف متأخرًا، وهنا كان التساؤل المثير للدهشة؛ فمتى كان يقرأ ويكتب؟!

و"محفوظ" كاتب يتميز بأنه كان متأملا غير عادي للظواهر الإنسانية من حوله، وإن كان داخل العمل من خلال "الساعي، الموظفين، زملائه،.."، فلقد استطاع نقل الرواية العربية من مصاف العادية والرومانسية للعالمية، ولكنه داخل كل موكب كان يختار أجمل ما فيه، فتتعلم فن "الحياة" بخطواتها الأولى من رواياته، وكيف تعيش، وليس الموت، وكان متابع جيد بقراءاته لجميع الأجيال، ولقد منحه الله تعالى ميزة مذهلة؛ وهي أنه استطاع الاستمرار في الكتابة لمدة 70 سنة، وليس لديه عمل رديء أو سيئ، فما سر هذه الطاقة الإبداعية الرهيبة؟!

"الجيار": استطاع "محفوظ" بذكائه أن يصبح معشوقًا لكل من يقرأه، فهو يستحق عن جدارة جائزة الموظف المثالي والروائي الإنساني، المبدع والمتميز، الذي يحيا بين الناس ويعايش مشاكلهم ومعاناتهم، فهو "ابن الشعب" والحارة المصرية"، لا يكتب عنهم بالسمع، وإنما من خلال المعايشة، ونحن مقصرون جدًا في حق "محفوظ" فهو يستحق أكثر من ذلك بكثير، ويجب تدريس أدب "محفوظ" في المناهج التعليمية الدراسية والجامعية، فليس من المعقول أن كاتبًا بحجم "نجيب محفوظ" يُمنع أدبه من التدريس داخل المدارس والجامعات.