رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غزة بين الأرباح والخسائر


وقبل الانتقال إلى حساب الأرباح والخسائر فى الاتفاق الأخير قد يكون من المناسب أن نتذكر أن الحرب أداة من أدوات السياسة، وأنها امتداد للسياسة بوسائل أخرى أى باستخدام السلاح، وأن الحرب فى لبها هى صراع إرادات، وأن الربح الأكبر فى الحرب هو فرض إرادة أحد الأطراف على الطرف الآخر المقابل،
الآن وبعد أن اتفق على التهدئة فى غزة وفى فلسطين يكون من الضرورى حصر حساب الأرباح والخسائر للطرفين، خاصة أن هناك فى الطرفين الفلسطينى والصهيونى من يحتفل بما يسميه النصر، بينما هناك داخل نفس الفصيل من يرى غير ذلك، ويصبح من واجبنا محاولة تصحيح الصورة، ليس بتغليب رأى على رأى، وإنما بمحاولة وضع مقاييس يمكن الاسترشاد بها، فإذا اتفقنا على المبادئ يصبح من السهل تطبيقها، أما إذا اختلفنا على المبادئ فيصبح الحل فى إعادة تصحيح المعايير والمقاييس، لكى نعود مرة أخرى بعدها للتقييم وفقاً للمبادئ التى اتفق على سريانها.

وقبل الانتقال إلى حساب الأرباح والخسائر فى الاتفاق الأخير قد يكون من المناسب أن نتذكر أن الحرب أداة من أدوات السياسة، وأنها امتداد للسياسة بوسائل أخرى أى باستخدام السلاح، وأن الحرب فى لبها هى صراع إرادات، وأن الربح الأكبر فى الحرب هو فرض إرادة أحد الأطراف على الطرف الآخر المقابل، وبغض النظر عن أى عوامل أخرى. وعلينا بناء عليه أن نبحث دائماً عن من فرض إرادته على الآخر، حيث هو الفائز، وهو المنتصر.

نلاحظ فى تقييم الصراع الذى دار مؤخراً فى غزة أن كلا الطرفين يحتفل بالنصر وهو ما يعنى أن كلا الطرفين قد حققا بعض أهدافهما، بما يجعل كل طرف يرى أنه قد حقق النصر، وأنه فى الوقت نفسه لم يحقق بعض أهدافه بما أعطى الفرصة للجانب الآخر ليدعى أنه قد فرض إرادته. وبناء عليه علينا أن نبحث عن العناصر التى حققها كل طرف من أهدافه لجمع حساب النصر، وأن نبحث أيضاً عما لم يمكنه تحقيقه.

بحساب ما اشتمل عليه الاتفاق فإنه اشتمل على ما يلى لصالح الفلسطينيين فورا:

توقف إسرائيل كل العمليات العسكرية بما فى ذلك الضربات الجوية والعمليات البرية.

وتوافق إسرائيل على فتح المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق أيسر للبضائع بما فى ذلك المعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع.

- ينتظر من إسرائيل أن تضيق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 متر إلى 100 متر إذا صمدت الهدنة. وتسمح هذه الخطوة للفلسطينيين بالوصول إلى مزيد من الأراضى الزراعية قرب الحدود. توسع إسرائيل نطاق الصيد البحرى قبالة ساحل غزة إلى ستة أميال بدلاً من ثلاثة أميال مع احتمال توسيعه تدريحياً إذا صمدت الهدنة. ويريد الفلسطينيون العودة فى نهاية الأمر إلى النطاق الدولى الكامل وهو 12 ميلاً. لكنه يضع ترتيبات لما بعد ذلك كالآتى: وافق الطرفان على التعامل مع القضايا الأكثر تعقيداً والتى هى محور خلاف بينهما بما فى ذلك الإفراج عن سجناء فلسطينيين ومطالب غزة بميناء عبر محادثات أخرى غير مباشرة تبدأ فى غضون شهر.

أما بالنسبة لإسرائيل فقد اشتمل الاتفاق على: توافق حماس وجماعات النشطاء الأخرى فى غزة على وقف إطلاق كل الصواريخ والمورتر على إسرائيل. يتوقع من السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس تسلم المسئولية عن إدارة حدود غزة من حماس. تتولى السلطة الفلسطينية قيادة تنسيق جهود إعادة الإعمار فى غزة مع المانحين الدوليين بما فى ذلك الاتحاد الأوروبى. مما سبق نجد أن الجانب الفلسطينى قد حقق من الاتفاق مباشرة ما يمكن اعتباره فتح الحدود مع إسرائيل للبضائع ووسائل الإعمار، وتضييق المنطقة الأمنية العازلة داخل القطاع إلى 300 متر بشرط صمود الهدنة، وتوسيع نطاق الصيد البحرى إلى ستة أميال بدلاً من ثلاثة. ولكنه إلى جانب ذلك وضع قضايا مهمة على جدول الأعمال كالسجناء والميناء وإن كانت ليست منها قضايا الوضع النهائی.

أما إسرائيل فقد سجلت حقها فى إيقاف إطلاق الصواريخ والمورتر، وأن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة شئون غزة من حماس وإدارة أعمال إعادة التعمير. يبقى أن نتساءل: من ياترى فرض إرادته على الآخر، وهنا نرى أن أحداً لم يفرض إرادته، لكن الاتفاق يشير إلى تحسين أوضاع الطرفين، فالفلسطينيون توجهوا إلى فك الحصار، وتحسين أحوال المزارعين والصيادين، وفتحوا المجال للتفاوض حول قضايا أخرى مهمة وليست حيوية، ولكنهم التزموا بعدم إطلاق الصواريخ بما يبرر رداً إسرائيلياً عنيفاً فى حال الإطلاق. أما إسرائيل فهى قد فرضت إيقافاً لإطلاق الصواريخ، وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وإدارة شئون الإعمار، وهى عوامل مهمة تغير من الإدارة فى غزة. يبقى التساؤل عن الثمن المدفوع وهو شديد الارتفاع حيث البشر هم الثروة الحقيقية، وزمن إعادة الإعمار مهم هو الآخر.

■ خبير سياسى واستراتيجى