رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاقات الدولية المصرية بين التقارب والتباعد «1»


هكذا وعد أوباما الجميع بكل شىء لكنه لم يعـط أحدا أى شىء، أما وقد أوشكت فترة رئاسته الثانية على نهايتها ولم يسع إلى الوفاء بوعد واحد أو بقيمة واحدة من التى أطلقها، ففقد مكانته وتدنت شعـبيته إلى أدنى مستوياتها فاستحق أن يُوصف بأنه القائد السياسى الأكثر فشلا فى قيادة أقوى دولة فى العالم.

تناول المحللون زيارتى المشير عبدالفتاح السيسى إلى روسيا الأولى كوزير للدفاع والثانية كرئيس للدولة المصرية باعـتبارهما من أهم القضايا التى طُرحت على الساحتين الدولية والإقليمية، إذ ستؤثر تفاعلاتهما تأثيرا كبيرا على نمط العلاقات الدولية المصرية بُعـدا أو قُربا من بعض القوى، كما أن نتائجهما سوف تؤثر مباشرة على التوازن الاستراتيجى فى النسق الإقليمى لمنطقة الشرق الأوسط وربما على التوازن الدولى، إذ يرى معـظم المحللين الذين ينتمون إلى المدرسة الواقعـية أن هاتين الزيارتين فرضتهما الضرورة الاستراتيجية الملحة لمصر كى تستعيد مكانتها الإقليمية التى فقدتها إبان حكم الرئيس السابق الذى ينتمى للجماعة الإرهابية بينما يرى قليل من المحللين أن هاتين الزيارتين تأتيان فى إطار خطة إحداث التوازن فى العلاقات الدولية المصرية مع القوى العظمى والكبرى، والفريق الثالث هو الذى يرى أن التوجه إلى موسكو هو تكرار للتجربة الناصرية لجأ إليها الرئيس بعـد أن تعاملت واشنطن مع القاهرة باستعلاء واستعـداء شديدين بعد ثورة 30 يونيو، وحجـبت عنها الأسلحة التى تمكنها من التعامل مع الإرهاب.

ولا شك فى أن القائد السياسى يلعـب دوراً مهماً فى توجيه العلاقات الدولية، فقد جاء بوش الابن ليلعب دورا يتسق مع مرحلة ما بعـد أحداث 11 سبتمبر «اقتحام الجيش العـراقى للكويت وتحريرها، ثم غزو واحتلال العراق» إذ يفتقر إلى الشخصية الكاريزماتيـة والذكاء السياسى ويفتقر إلى رصيـد شعـبى واسع يمكنه من قيادة أقوى دولة فى العـالم، ولذلك استحق أن يُوصف بالقائد السياسى الأكثر غـباءً، وإستحق أيضا أن يُرشق بالحذاء ويذهب إلى غـير رجعـة، ثم جاء أوباما فاستشعـر المراقبون أن هناك تطورا نوعـيا يدعـو إلى التفاؤل والأمل فى أن تقيم الولايات المتحـدة علاقات دولية ذات صيغ تعاونية مع الآخـرين، وتشكل أساسا لصياغة سياسة خارجية تُؤدى إلى تحسين الصورة التى ترك عليها بوش الصغـيـر الولايات المتحدة، ففى خطاب النصر بعـد فوزه فى انتخابات الفترة الرئاسية الأولى، وعد أوباما العالم بولايات متحدة جديـدة، ووعد العالم الإسلامى بفجر وشيك ووعـد العالم العـربى بعلاقات يسودها الاحترام المتبادل، ووعد الفلسطينيين بحل الدولتين، ووعد الجميع بأنه لن يتراجـع عـن محاربـة الإرهاب الدولى أينـما وجـد،وفى خطاب النصر للفترة الثانية وعد الجماهـير الحاشدة بأنه سيعـود إلى البيت الأبيض وهو مفعـم بالآمال حتى يُحقق مستقبل أفضل للولايات المتحدة، ويتغـلب عـلى التحديات التى تواجه بلاده ليستكمل ما وعـدهم به.

هكذا وعد أوباما الجميع بكل شىء لكنه لم يعـط أحدا أى شىء، أما وقد أوشكت فترة رئاسته الثانية على نهايتها ولم يسع إلى الوفاء بوعد واحد أو بقيمة واحدة من التى أطلقها، ففقد مكانته وتدنت شعـبيته إلى أدنى مستوياتها فاستحق أن يُوصف بأنه القائد السياسى الأكثر فشلا فى قيادة أقوى دولة فى العالم، وفى هذا السياق تناولت موضوعا بعـنوان «ماذا نتوقع من أوباما» نشر فى جريدة «الأهرام» يوم 30 ديسمبر 2008، أى قبل أن يتولى قيادة الولايات المتحدة، خلصت فيه إلى أن أوباما لن يأتى بجديـد، إذ سـتظـل سيـاسـة واستراتيجية الولايات المـتحـدة الأمريكية ثابـتة لا تتغير بتغيير الإدارات، فقد خدع أوباما الجميع باسمه الذى أصر أن يحلف به اليمين الدستورية ثلاثيا، فباراك هو اسم يهودى يعـنى البرق بالعـبرية، وحسين اسم إسلامى له قداسة فى نفوس السنة والشيعة على حد سواء، وأوباما هو اسم أفريقى محايد، فهل يمكن أن تأتى مكونات هذا الاسم تلقائيا ؟!

أما القائـدان السياسيان المصرى والروسى فقد حصر معـظم المحللين أوجه التشابه بينهما فى تشابه البدل ورابطة العـنق والنظارة الشمسية، وبرأيى فإن أوجه التشابه الجوهرية تكمن فى أن كليهما ذو خلفية عسكرية شغـل منصب مدير المخابرات وارتقى أعلى المناصب فى جيش بلاده، فاكتسبا خبرة قراءة ما بين السطور وتحليل ما وراء الأحداث، ولذلك استطاع كل منهما دراسة وتحـلـيـل تفاعلات المتغيرات العالمية والإقليمية والمحلـيـة وأدركا حدة التغيير المفاجئ فى مواقـف الـقـوى العالمية والإقليمية الاستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط، وهى المنطقة ذات الأهمية المطلقة فى بناء استراتيجيات هذه القوى بحكم موقعها الجيوستراتيجى وأهميتها السياسية والأمنية والعـسكريـة والاقتصادية، الأمـر الـذى أدى بهما إلى إعـادة دراسة تـقـديـر الـموقـف الاستراتيجى بـجـمـيـع أبـعـاده لتـحـديــد التهـديـدات الناشئة أو التى قـد تـنـشـأ عـن هـذه الـمتغـيـرات، وتحديـد الأهداف الاستراتيجية ووسـائـل وأدوات تحقيقها، وهو ما سأتناوله فى الأسبوع القادم بإذن الله.

■ خبير سياسى واستراتيجى