رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالفيديو .. أطفال المقابر يتأهبون للعيد بكنس الأحواش .. والعيدية " قرص " والمراجيح في الإمام

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

المقابر لا تعني للكثير سوى حفنة من التراب ، و زرعة صبار تواري تحتها أشخاص كانوا يوما ما بيننا و صعدت روحهم إلى السماء .. وكلاب ضالة تحرس المقابر من الغرباء .. قد تزورها من العام للعام في المناسبات الدينية و الشخصية ، وتظل مشاعر الخوف و الرهبة تعتصر قلبك طوال رحلة البحث في طريق طويل محفوف بالمقابر من الجانبين بحثنا عن مقابر العائلة لتقرأ الفاتحة، و تضع اكاليل الزهور إحياءً لذكرى المتوفي حسب درجة قربه منك ، ثم تنقضي الدقائق سريعا لتدير ظهرك منصرفا إلى عالم الأحياء هربا من عالم آخر ظننته موطن لا يسكنه سوي أوراح الموتي و الأشباح.

لكن اذا قررت ان تذهب الي المقابر وحدك و دفعك حظك العثر الي التجول منفردا داخل دهاليزها بحثا عن المقبرة المقصودة ،ربما لا تجد من تسأله عما تبحث .. قد يتنامي الي مسامعك اصوات خافته تخرج اصدائها من داخل احدي المقابر ..سريعا من تتسارع دقات قلبك مسترجعا ذكريات طفولتك و التي كثيرا ما حدثوك فيها عن الجن و العفاريت التي تسكن القبور محذرين اياك من السير منفردا داخلها ، لكنك سريعا ما تجد طفل يخرج مسرعا من احد الاحواش صوب سيارة قادمة نحو المقبرة قائلا " تعيش و تفتكر يا باشا ..كل سنة و انت طيب " ، لتعود و تتذكر مقولة اصحابك الذين كثيرا ما شككوا في مقولات الاجداد عن الجن قائلين " ما عفريت الا بني ادم ".


الكثير من العائلات تعيش حياة كامله داخل الاحواش يأكلون و يشربون و يلهو اطفالهم بل و يذهبون للمدارس و يشاهدون التلفاز كل ذلك داخل المقابر!

الحاجة فاطمة الشيمي ، ذات السبعين ربيعا ، تعيش في حوش بمقابر السيدة عائشة منذ 50 عام ، بعدما تزوجت من ابن قريتها باحد محافظات الصعيد قدما الي القاهرة بحثا عن لقمة العيش ، لم تتوقع يوما ان يغدر بها الزمان و يتخلي عنها زوجها ليفاجئها ذات ليلة برغبته في الزواج من أخري ، تصاعدت وتيرة الخلافات بينهما انهال عليها بالضرب انتهي الامر بالطلاق وجدت نفسها مشردة في الشارع بعيدة عن اهلها بلا مأوي او مسكن .
وتضيف الحاجة فاطمة " لم اجد مكان يأويني سوي الحوش الذي تسكن به شقيقتي وزوجها و ابنائها الاربعه ، ساعدتها في تربية اطفالها حتي بعد وفاة شقيقتي و زوجها ".
وتابعت " الحياة في المقابر صعبة عايشين مع الاموات واحنا احياء علي وش الارض بنام علي الارض و بنطبخ علي ، وابور جاز، في نفس الاوضة اللي بنام فيها ، بعيش علي صدقات اهل الخير اللي بنستناها من السنة للسنة لان المعاش اللي بقبضه من البوسطة لا يتعدي 100 جنيه بعد ان ظل طوال السنوات الماضية لا يتجاوز ال7 جنيه ".

لم يختلف الحال كثيرا بالنسبة ل"أم منه" ، كما يناديها جيرانها ، ولدت في احضان المقابر و عاشت شبابها بجوار الميتين ووسط الترب و تزوجت ايضا في ذات الحوش الذي ورثته عن امها و ابيها بعد وفاتهما ، انجبت 4 اطفال اكبرهم هشام عنده 17 سنة واصغرهم منة ذات الثلاث أعوام .

قالت "ام منة" ، : " عايشة حياة اشبه بالاموات ، محرومين من ادني حقوقهم كبني ادمين ، جوزي بيشتغل ارزقي يوم فيه شغل و عشرة لا ، فاضطريت اخرج عيالي من التعليم لاني مش قادرة اصرف عليهم ، و ابني الكبير بيشتغل ميكانيكي بيقبض 80 جنيه في الاسبوع بيساعد ابوه في مصاريف البيت واوقات كتير بيبقي هو مصدر رزقنا الوحيد .
وتابعت "احنا عايشين تحت الصفر ، الاسم احياء لكن احنا في عداد الموتي ، معندناش صرف و لا كهرباء ،
نزح مياة الصرف بالطرنشات بيكلفنا 150 جنيه في الشهر و وصلات الكهرباء مسروقه من الحي".

وعن استعدادات العيد ، تضيف ام منة " العيد عندنا عادي زيه زي اي ايام في السنة ، مش بنشتري لبس عيد و لا كحك عشان مش لاقيين فلوس نأكل بيها ، ننتظر صدقات الزبائن و زوار المقابر عشان نشتري هدوم جديده للعيال عشان يحسوا بفرحة العيد".

" بالشحاتة و التسول " هكذا يحتفل اطفال المقابر بالعيد ، يقول احمد - 10 سنوات - انه و اقرانه يستقيظون مبكرا في العيد من الساعه 9 الصبح يكنسوا الاحواش و يمسحوها انتظارا لاستقبال زوارالمقابر و يشحتوا منهم فلوس علشان يلعبو بيها عند المراجيح بالقرب من مسجد الامام الشافعي و الكحك بالنسبهم حاجات بتفرجوا عليها في التليفزيون بس .

احمد " حلمه لما يكبر يبقي لاعب كرة مشهور ويشتري شقه لامه واخواته و يتبرع بفلوسه لجيرانه اللي ساكنين مثله في الترب".
اما حسين - 15 عام - رأي في الهجرة الحل المناسب ، حيث قال ، " نفسي اسيب البلد دي كلها و اعيش في مكان احس فيه اني انسان ليا حق اني اعيش و اكل و افرح زي كل الناس مش اعيش و اموت و انا قاعد في المقابر".

لم تخبز سماح الكحك لاطفالها استعداد للعيد وانما تكتفي ب"القرص" التي يوزعها الزوار ، و اهل الخير ممن يجيئون بين الحين و الاخر ليوزعو الملابس المستعمله و كرتونات الزيت و السكرفي المواسم و خاصة في شهر رمضان و الاعياد.

"عايزين شقه نلم فيها عيالنا . . مش عايزين حد يضحك علينا بكرتونة . . بقالنا عمر بحاله عايشين ف المقابر
مش عايزين حاجة من المسؤلين غير اننا نرتاح ، احنا اموات بس مدفونين علي وش الارض . . محدش باصصلنا و لا حد اصلا فاكرنا ،الثورة راحت و جت و احنا زي ما احنا محدش شايفنا "، هكذا عبرت الحاجة سيدة عن احلامها بصوت مخنوق من البكاء و عيون تنهمر منها الدموع ، مؤكده انها تقدمت بالعديد من الطلبات منذ اكثر من 30 عام الي المسؤلين في الحي و الشئون الاجتماعية و حصلت في المقابل علي ايصال يثبت حقها في استلام شقه لكن الايصال ظل مجرد حبر علي وربق بعدما امتنع موظفو الحي عن التنفيذ ووزعوا الشقق علي حبابيهم بالواسطة و المحسوبية.

" معايا خمس عيال و حامل قاعدين في حوش بنام ع الارض ، بنفرش حصيرة و ننام ، جوزي تربي دخلنا يوم بيوم حسب الزبائن و ايام مش بنلاقي شغل خالص "كلمات تلخص حياة مرفت .

وتضيف ـمرفت التي مازالت في اواخر العشرينات من عمرها ولديها من الاطفال ستة اطفال ـ ، عيالنا بيشحتوا في القرافة و يلموا فلوس و يروحوا يلعبوا في ايام العيد ، وطبعا مش بنعمل كحك بنشحت قرص هنجيب منين فلوس ده الزيت غلي و السكر و ملناش بطاقات تموين الدولة مش معترفة بينا من الاساس ، عايشين ع اكل البطاطس و الباذنجان ، محدش بيعمل كحك و لا بسكويت و بننتظر اي الناس بتوع الجمعيات الخيرية يوزعوا عليها الكحك غير كده مفيش".

نجاة تروي ماساتها "معايا خمس عيال . . بنبات في حوش مش بتاعنا بتاع ناس وارثينه يعني يقولولنا في اي وقت بره و يطردونا ، مقابل اننا بنحرس المقبرة من الحرامية ".

وتابعت : " جوزي يوم شغال و يوم لا ، مشترتش لبس العيد اقل طقم 150 جنيه من قله الفلوس، بنعيد ف قلب الحوش مش بنخرج و لا بنروح ، بنعيش ع شحاته الاطفال " ، مطالبة المسؤلين بتوفير شقه ولو اوضة و حمام تعيش فيه مع اطفالها بين اربع جدران بعيدا عن البلطجية و متعاطي المخدرات اللي بينتشروا في المقابر و بعتدوا علي الشباب و بيسرقوهم و بيغتصبوا البنات الصغيرة ".

جاري اعداد الفيديو