رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر باقية لا باكية


لا يزال البعض يجهل أن الشعب المصرى يملك طاقة جبارة، يظن الجاهلون أن بعض رصاصات تخترق صدور الجنود المصريين البواسل من الممكن أن تفت فى عضد الشعب أو فى عزيمة الجيش، فليكن ، أطلقوا أيها الجبناء ما شاء لكم سيدكم من الرصاص

... دمروا المبانى، فخخوا السيارات، أريقوا الدماء، ولكنكم سترون العجب، لن تلبثوا ساعات هناء أو فرحة، إذ أن هذا الشعب سيلتهمكم، ثم سيبصقكم كما يبصق من فمه نفايات الطعام الفاسد، هل تظنون أننا سنجزع من الدماء، إذن أنتم لا تعرفون التاريخ، كما أنكم لا تعرفون مصر، مصر أيها الجهلاء لا يستطيع أحد أن يصل إليها إلا إذا دخلها مسالماً، لا مغالباً أو محارباً، مصر أيها الجهلاء لا تقبل أبداً أن يبقى فيها الخونة والعملاء وأدعياء الدين، نعم قد تصبر على بعض من ادعوا السلام، وتحسن الظن بهم، ولكنها حين تسبر غورهم وتعرف حقيقتهم لا تبقى منهم أحداً، ولكم فى الفرنسيين والإنجليز أسوة، وهم الأعداء الذين وفدوا إلى بلادنا تباعاً، فهل بقى منهم أحد، ولا تظن أيها الغازى أن لسانك العربى وكلامك عن الدين سيعصمك من أهل مصر، فقد اكتشفوا خداعك.اسمع منى هذه الحكاية التى استخرجتها لك من بطن التاريخ، وقت الغزو الفرنسى لنا، وقصتنا مع نابليون بونابرت، سأحكى لك هذه الحكاية لتعرف مخزون الصمود والقوة الذى استقر فى الضمير المصرى، وهل يمكنك أن تقاوم هذا الصمود؟! كان سليمان الجوسقى شيخ طائفة العميان وكان شيخاً فقيهاً مجاهداً حافظاً للقرآن، وكان  محبوباً من العامة والعميان وموضع تبركهم، وقد نجح الرجل بمحبة العميان فى أن يجمع ثروة كبيرة عن طريق إدارة اوقاف العميان والتجارة، وعندما اشتعلت ثورة القاهرة الأولى ضد الفرنسيين لجأ إليه العامة خوفاً من بطش العساكر الفرنسيين، فخطب فيهم مشجعاً ومحفزاً على الصمود ودعا الناس إلى قتال المحتلين حتى النهاية، وقال فى خطبة بليغة سجلتها كتب التاريخ: «إنكم بشر مثلكم مثلهم، فاخرجوا إليهم فإما أن تبيدوهم أو يبيدوكم» وبدأ الشيخ سليمان الجوسقى بنفسه فأخرج ما لديه من مال - وكان ثرياً - واشترى به سلاحاً ووزعه على الناس، وبث العميان فى أنحاء القاهرة ليأتوا إليه بالأخبار، وانتقل إلى الأزهر لينظم المقاومة من داخل الجامع الشهير.

ويحكى المؤرخون أن الشيخ الكفيف كان يشق بحماره القاهرة متفقداً الاستحكامات والمتاريس ويستطلع احتياجات المجاهدين ويأمر بإرسال السلاح والمؤن إلى الأماكن التى تحتاج اليها، وينفق فى ذلك عن سعة، كما يقال إنه استخدم بعض جواريه - وكن فائقات الجمال - فى اصطياد عساكر الفرنسيين إلى الحارات المظلمة والطرق الضيقة وقتلهم هناك.المهم أن نابليون أراد يوماً أن يضحك على دقن الشيخ الجوسقى ويستعمله لصالحه، فقال له وهو يحاوره أمام أهل جمع من أهل مصر: أنا مسلم شيخ «كوسكى» أحب الإسلام وأحب تطبيق الشريعة، ضع يدك فى يدى وأنا أجعلك حاكماً على القاهرة، فوافقه الشيخ الجوسقى ظاهريا ومد يده له، و«هوبا»، إذا بيد الشيخ الجوسقى ترتفع وتهوى على صدغ نابليون ليأخذ بونابرت قلماً كبيراً لم يأخذ مثله فى حياته، ارتعد نابليون مما حدث وهاجت الحارة فتدخل الجند وفرقوا أهل الحارة وتم اقتياد الشيخ الجوسقى بواسطة عساكر الفرنسيين إلى سجن القلعة لاستجوابه ومحاكمته، ولم ينكر الرجل مشاركته فى الثورة ضد الفرنسيين ولا لطمه نابليون، ولم يتم إعدامه مع قادة الثورة الذين اعدمهم الفرنسيون رغم إدانته لكونه كفيفاً، وظل فى السجن عدة شهور حتى لقى ربه، مات الجوسقى ولكن لم يستطع أحد أن يضحك على مصر باسم الإسلام والشريعة.أما أنت أيها الجندى المصرى العظيم الذى يسقط كل يوم شهيداً، أظننا نقول: إنك الذى تسقط مضرجاً فى دمائك الزكية واهباً حياتك ثمناً لعز مصر، ويا أيها الشهيد الذى قتلوه بالأمس وهو صائم، ولا يزال دمه يختلط بأرض مصر، سأقول لبنى وطنى إنك لم تسقط مضرجا فى دمائك، فالشهداء لا يسقطون ولكن يصعدون، أنت صعدت ملفوفاً فى دمائك المقدسة، فمنها ستكون عزتى، أنت الآن فى سماء الحقيقة المطلقة حيث لا مكان للمزيفين وأدعياء القداسة.