رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو حل للصراع فى غزة


انتهز البعض الفرصة لانتقاد الموقف المصرى، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مصر سبق أن رعت مفاوضات بين «حماس» و«فتح» للمصالحة وتشكيل حكومة موحدة جرى تشكيلها فعلاً،

تمهلت كثيراً قبل أن أكتب هذا المقال، حيث أعلن الكيان الصهيونى بدء العملية البرية فى قطاع غزة، ورغم أنى اعتبرت التفكير فى عملية برية فى غزة خطأ استراتيجياً إلا أننى أردت أن أستشف من الأخبار ما تسعى الصهيونية إلى تحقيقه من خلال هذه العملية رغم انى لم أتوقع أن يتحقق شىء ما خلال هذه الفترة، لكن ربما تصدر تصريحات توضح الأهداف التى تسعى إلى تحقيقها.

لا شك أن الوضع فى قطاع غزة غامض ولا يحقق شيئاً مفيداً، وكنت أتمنى لو أن المبادرة المصرية قد صار التحضير لها بشكل مناسب، فصدور المبادرة دون قدرة الأطراف على تنفيذها يشير إلى أنها لم يُحَضَّر لها بشكل كاف، صحيح أنه يبدو أن اجتماع وزراء الخارجية العرب الذى اجتمع فى الرياض وافق على المبادرة، وكان حاضراً فى الاجتماع السيد أبو مازن محمود عباس، ووافق عليها ولكنى أعتقد أنه كان معروفاً أن سيادته غير قادر على تنفيذ التزامات الفلسطينيين فى المبادرة، كما أننى سبق أن أشرت إلى أنه ليس كافياً أن تشتمل المبادرات والقرارات الخاصة بالقضية على إيقاف لإطلاق النيران دون معالجة أصل القضية، وهى استمرار الاحتلال الصهيونى لفلسطين، وحرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه والحصار الجائر والظالم للشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.

إذن فالمبادرة المصرية لم تكن كافية، وإن كان هذا لم يكن مبرراً لرفض المبادرة سواء من حيث المبدأ، أو من حيث الطريقة والأسلوب، فقد كان من الممكن قبول المبادرة من حيث المبدأ مع المطالبة بأن يضاف إليها عناصر معالجة أصل القضية فيما يتعلق باستمرار الاحتلال، وكذا إنهاء الحصار فوراً، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى بما فيها حق العودة، خاصة أن الشعب الفلسطينى يدفع ثمناً باهظاً لاستمرار إطلاق النيران، وبالرغم من أننا يمكن أن نقدر قيمة إطلاق الصواريخ الفلسطينية إلا أننا نرى أن هناك فارقاً كبيراً بين نتائج إطلاق الصواريخ الفلسطينية ونتائج القصف الجوى الإسرائيلى، سواء من حيث حجم الخسائر البشرية أو الخسائر الاقتصادية، وهذا الفارق ضخم خاصة فيما يتعلق بالدماء. وكان يمكن قبول المبادرة فيما يتعلق بإيقاف إطلاق النيران لفترة محددة يبدأ خلالها ترتيب إعادة الحقوق الفلسطينية على جدول المفاوضات والإسراع بإنهاء الحصار.

انتهز البعض الفرصة لانتقاد الموقف المصرى، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مصر سبق أن رعت مفاوضات بين «حماس» و«فتح» للمصالحة وتشكيل حكومة موحدة جرى تشكيلها فعلاً، وكان لا بد من أن تكون هناك جهة واحدة فلسطينية يجرى الحديث معها، وليس معقولاً أن تجرى مفاوضات مع عدة جهات فلسطينية منفصلة، فنحن نرى موقفاً لعدة جهات فلسطينية فهناك «حماس» ، و«كتائب القسام» والسلطة الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامى، وباقى الفصائل الفلسطينية، وقد آن الأوان لتوحيد العمل الفلسطيني.

من جهة أخرى طالب كثيرون مصر بمساعدة الشعب الفلسطينى دون اعتبار للأوضاع القائمة فى مصر والتهديدات الداخلية والخارجية التى تواجهها، ويتناسى الكثيرون أن استقلالية القرار تعفى الأطراف الأخرى من مسئءولية دعم القرار ما لم يجر التنسيق قبل اتخاذ القرار، وإلا أصبح من حق الجيران أن يجروا جيرانهم إلى صراعات تحت اسم التضامن العربى أو الإسلامى أو ما يشابه ذلك، وأن تورطها فى صراعات فى أوقات وأماكن غير مناسبة لها، وأظن أن القضية الفلسطينية هى قضية عربية تحتاج إلى أعلى تعاون بين الأطراف العربية وفى ظل استراتيجية عربية موحدة سبق أن تحدثت عنها.

الأكثر من ذلك أن الذين انتقدوا موقف مصر لم يسألوا أنفسهم عن موقف الضفة الغربية الفلسطينية، ولا موقف باقى الدول العربية خاصة قطر التى تنتهز الفرصة لإطلاق النيران على الموقف المصرى، ماذا فعلت قطر لغزة؟ ولماذا لم ترسل إليهم قوات كما سبق أن أرسلت إلى ليبيا ومازالت ترسل إلى سوريا، كما لو كان الهدف هو توريط القوات المسلحة المصرية وبالتالى إضعافها وإضعاف مصر من ورائها؟!

الآن وقد بدأت العملية البرية فربما تكون الفرصة للمقاومة الفلسطينية لتحقق شيئا من أهدافها وقد اقترب منها قوات العدو، والتى قلنا إن قرار الحكومة الصهيونية خطأ استراتيجى، وهنا ستظهر حقيقة قدرات المقاومة حيث جاء إليها العدو «برجليه»، وعليها أن تثبت خطأها حيث يفترض استحالة تدمير الأنفاق ومنع إطلاق الصواريخ.

يبقى أن الحل سيعود إلى مجلس الأمن وإذا كان لا بد من إيقاف النار، فإن فتح المعابر يجب ألا ينحصر فى المعابر الإسرائيلية ويجب أن يشتمل على ضمان فتح المعابر الجوية والبحرية الفلسطينية خاصة مطار وميناء غزة .

خبير سياسى واستراتيجى