رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحقوق والحريات بين القانون والدين


منذ أن خلق الله الإنسان على وجه الأرض ميزه عن سائر خليقته بأن وهبه عقلاً يفكر وإرادة بها يختار ويقرر، يقبل ويرفض، يحب ويكره، وبهذه القدرات التمييزية أصبح الانسان مسئولاً، وبقدر ما حصل عليه من علم ومعرفة وقدرات ومكاسب يحاسب من داخله، ثم من مجتمعه الصغير، وصولا إلى الدائرة الأكبر وفقاً لنواميس وقوانين وقواعد محاسبية.

وقد كان من ثمرات مواهب ومدارك الإنسان أن يرفض أى اعتداء على ما أصبح حقاً، حتى انه يقاوم السلطة – أياً كانت – سياسية أو حتى دينية – إذا ما وجد منها اعتداء أو قيدًا على هذه الحريات، خروجاً على المتوافق عليه والمقبول بالمعنى المتوافق عليه.وهنا تظهر مشكلة حقيقية عندما يجد الفرد أو الجماعة أن تنافساً بين السلطتين، السياسية والدينية، حول إخضاع الفرد للأولى أو الثانية فى حياته اليومية وعلاقاته المجتمعية والإنسانية.ومن الجدير بالذكر أن محاولات كثيرة ودراسات عديدة تحاول أن تفصل بين السلطتين المدنية والدينية، حتى تستقيم الحياة، وتستقر المجتمعات، ويتآلف المواطنون فى حياتهم اليومية، مع احترام كل إنسان للآخر من منطلق المساواة فى الحقوق والواجبات، وعلى أساس الشراكة المجتمعية، ومسئولية كل فرد فى المجتمع لتحقيق الأهداف العامة وحماية المجتمع – كل المجتمع- دون تفرقة، إلا بقدر عطاء وعمل كل مواطن لاستقرار وتقدم المجتمع الذى هو بمثابة السفينة الكبرى التى يرتادها كل المواطنين ومعهم الزائر واللاجئ دون تفرقة أو تمييز. وحتى يتحقق الاستقرار والنهوض بالأوطان، كاد أن يجمع السياسيون والمفكرون والمنظرون على ضرورة السمو بالدين وتحييده خارج حلبة الصراعات والمنافسات ذات الطابع السياسى، لاسيما فى المجالات الحقوقية والمدنية والسياسية، وليس فى هذا إقلال من شأن الدين أو المؤسسات الدينية، بل نجد أن الدين هو الباعث القوى نحو العدالة الاجتماعية والحقوق بجميع أنواعها، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية أو قانونية.فالدين لا يمانع فى العدالة ورد الحقوق المسلوبة، بل ان من صميم ثمار الإيمان، بل وعلى رأس القائمة يأتى العدل والحرية والمساواة، بل الحق فى الحياة ذاتها.  والحياة الحرة الكريمة كلها حقوق مجتمعية – إنسانية - قانونية، وعلى المشرع والقاضى أن يصونها ويحميها، ويردها اذا ما اعتدى عليها من أى جانب من جوانبها.إن الحقوق والحريات الإنسانية لا يختلف أحد حول رفض الاعتداء عليها من أى كائن اجتماعى، وتحت أى مبرر أو مسوغ، إذ لا مرجعية تقاوم الحق، والحب، والسلام، والاستقرار، والتكافل، والتضامن، ومقاومة أسباب الفقر والجهل والمرض، وأيضا على مبادئ تكافؤ الفرص، والقضاء على كل أسباب الاعتداء أو الإهمال فى السعى نحو تحقيق هذه الحقوق، وذلك واجب الدولة والمجتمع والأفراد.إن العلاقة الاجتماعية تقوم على أسس أعلى من كل اعتبار آخر، وهو مستوى الأخوة البشرية مع كل تنوعاتها، سواء كانت اللون أو الجنس أو الدين أو المعتقد.وإن كنا نتكلم عن المرجعية الوطنية ودستور الحياة المجتمعية، فإننا لا ننكر أبداً دور الثقافة الدينية والممارسات الروحانية فى تدعيم وترسيخ العدالة والحقوق والحريات.وحتى لا يفهم القارئ أننا نحيد الدين، أو بلغة أخرى «نركن» المبادئ الدينية، فهذا خطأ، فالدين هو المنبع الروحى الذى نستقى من هديه وفكره كل العلاقات القانونية والإنسانية، وكذلك الحقوق والواجبات. ولا يستقيم التفكير فى أن المبادئ الدينية تتعارض مع الحقوق والواجبات الإنسانية، بل على الناس جميعاً بمختلف عقائدهم وانتماءاتهم السياسية أن يعلوا  من المبادئ القيمية التى تقوم عليها الديانات، مهما كانت مرجعياتها ودورها فى ترسيخ وإعلاء مكانة الإنسان، وكيف يعيش حراً، يحترم آدميته التى هى جزء من آدمية غيره.والمشجع الهام الذى يدعم فكرة التلاقى دون التداخل، والتوازى دون التقاطع بين الحرية الدينية والحرية القانونية، فكلاهما شرعا من أجل الإنسان - كل الإنسان - حتى أان المجتمع الإنسانى يلخص القضايا المجتمعية والقانونية والدينية، أو إن شئنا أن نضع هذه الحريات تحت مسمى القيم الإنسانية.

 ونلخصها فى القضايا التالية:-

 أولا: الحرية الدينية والعقائدية

ثانيا: الحرية فى العلاقة الأسرية

ثالثا: الحرية السياسية والمشاركة المجتمعية

رابعا: الحرية والثقافة المجتمعية

ويفرق علماء الاجتماع بين المصدر القيمى والمصدر التنفيذى.

فالمصدر القيمى تحمله لنا الأديان، وهى أيضاً من أجل اإنسان، وسواء كانت قيم البشر خليطًا من الدين والقانون، إلا أنها تظل لكل قيمة مرجعيتها، وإن كانتا لا تتصارعان، ولكنهما لا تتقاطعان، فمن يقصر فى واجباته الدينية أو الروحية، فعقابه آجل، أما من يكسر قواعد القانون فعقابه بالقانون، وبواسطة رجل القانون، فمن يخالف إشارة المرور ينال عقاباً آنيا، أما من لا يصلى أو لا يصوم، فعقابه فى الآخرة، وإن كانت توبته مقبولة، ونعتقد أنها عاجلة أيضا.

وسوف نتناول فى المقالات القادمة بتوسع أكبر الحقوق والحريات فى المجالات الأسرية والدينية والسياسية، ومدى أحقية الفرد فى استخدام الحريات، أو التوقف عندها، أو رفضها.

 فإلى اللقاء فى العدد القادم.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر