رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كل عام ومصر والمصريون بخير


وللصوم حكمة ومنه فوائد، فليس الصوم بهدف تعذيب الانسان، بل هو لسمو الانسان وانضباط الغرائز واللسان والفكر، بل وكل الكيان، فالصوم هو جزء من العبادة لله، فبه يقترب المرء للرب فيضبط رغبته فيما يحب ويرغب، ومن ذلك الطعام كنموذج، فيتوقف عن المأكل والمشرب حتى يسمو الانسان فوق رغبات الجسد، ويعطى المساحة الأكبر للصلاة وفعل الخير وأداء الواجبات نحو الفقير والمحتاج والمريض والغريب.

من قلبى أهنئ كل المصريين بشهر الصوم الرمضانى والذى فيه تكثر أساليب التواد والتزاور والإحساس باحتياج الجياع والعطاشى. نعم الجوع والعطش هما أخطر عدوين لدودين فى الحياة الانسانية، فالغذاء والماء هما ركيزتا الحياة، وقد يصبر الإنسان على الجوع لأكثر من يوم، ولكنه لو حرم من الماء لتوقفت الحياة. فهناك نساء ورجال انقطعوا عن الطعام أياماً طويلة ولكنهم لم ينقطعوا عن السوائل . ولكن لأننا ندرك أن الماء متوافر فى أى وقت فلا نشعر بقيمته، وكثيراً ما نهدره فى استهلاكنا غير المنضبط كمن يغسل سيارته كل يوم دون حساب للماء وقيمته وأهمية الحفاظ على كل جرعة منه.

أما عن اهدار الماء فى غسل السيارات بخراطيم المياه الكبيرة فهناك مغاسل – فى الغرب – تعمل بدون عمال فبمجرد أن تضع العملة المطلوبة وتغلق نوافذ سيارتك وتسير من باب الدخول، وفى زمن محدد تكون السيارة قد تم تنظيفها بالهواء والصابون والماء، وقد تابعت ذلك فى أكثر من مرة ولاحظت كمية المياه المستخدمة، وإذ هى محدودة للغاية، ولكن الوسائل والسائل والهواء معاً تساعد على النظافة والتجفيف فى زمن لا يزيد على الخمس دقائق. إننى أتمنى أن تعمم هذه الوسائل فى محطات التنظيف وتمنع تماماً المحطات التى ليس بها هذه الوسائل المتقدمة من عمليات التنظيف، بل وتغلق المحطات المخالفة فالماء حياة يا ذوى الألباب.

والأمر الثانى والهام الذى نختبره دائماً فى أصوامنا أننا نستهلك فى مواسم الأصوام الإسلامية والمسيحية أكثر من انفاقنا فى الأيام العادية مع أن حكمة الصوم ليست لتجويع الجسد فقط، ولكن للتفرغ للصلاة والعمل ومشاركة من ليس له مثل ما لنا، فيشترك الفقير مع الغنى فى فعل الخير المستتر، والحكمة تقول «لا تعرف شمالك ما تصنع بيمينك».

وللصوم حكمة ومنه فوائد، فليس الصوم بهدف تعذيب الانسان، بل هو لسمو الانسان وانضباط الغرائز واللسان والفكر، بل وكل الكيان، فالصوم هو جزء من العبادة لله، فبه يقترب المرء للرب فيضبط رغبته فيما يحب ويرغب، ومن ذلك الطعام كنموذج، فيتوقف عن المأكل والمشرب حتى يسمو الانسان فوق رغبات الجسد، ويعطى المساحة الأكبر للصلاة وفعل الخير وأداء الواجبات نحو الفقير والمحتاج والمريض والغريب.

وفى هذا يقول السيد المسيح «كنت جائعاً فأطعمتمونى، عطشاناً فسقيتمونى، كنت مريضاً فزرتمونى وكنت غريباً فآويتمونى،» وعندما سأله سامعوه «متى رأيناك هكذا يا سيد»، فيجيبهم «حقاً بما فعلتموه مع أحد من إخوتى الأصاغر فبى فعلتم.

لقد لقب إبراهيم أب الأسباط أنه مضيف الغرباء حتى أنه أضاف ملائكة وهو لا يعرف أنهم ملائكة، بل من قصص التراث التى تحكى عن أب الأسباط إبراهيم أنه كان لا يأكل إلا إذا كان فى بيته ضيف، وفى ليلة شديدة البرودة مر به غريب فاستقبله فرحاً لأنه كان هو أيضاً جائعاً وقدم له الطعام إلا أن الغريب استأذن فى بعض الحطب للإشعال، وظن ابراهيم أن الضيف فى حاجة الى الدفء، إلا أن الغريب بدأ يسجد متعبداً للنار فما كان من ابراهيم إلا أنه غضب وطرده من البيت قائلاً كيف تجرؤ أيها الضيف أن تعبد النار وأنت فى مجلس أب المؤمنين. ولكن صوتاً علياً ناداه: يا إبراهيم هل تعلم كم من السنين مضت وهذا الرجل يعبد النار ورب الجلال يحتمل أرذل الرجال. أسرع خلفه واعتذر له، وأضِفْهُ فى بيتك حتى الصباح. فأسرع ابراهيم خلف الغريب حتى لحقه واعتذر منه قائلاً : سامحنى فقد أخطأت فى حقك والخالق يحتمل أخطاءنا وعيوبنا ونحن لا نحتمل بعضنا بعضاً ولو لبضع ساعات.

ومن بركات إطعام الجائع أننا لا نعرف من هو المحتاج، فقد نستضيف ملكاً أو ملائكة كما حدث مع أب الأسباط إبراهيم، ففى وقت حر النهار رفع إبراهيم عينيه وإذ ثلاثة رجال واقفون لديه، فركض لاستقبالهم من باب الخيمة، فدعاهم ليأخذوا قليل ماء ويستريحوا ويسندون قلوبهم بكسرة خبز، فقامت زوجته مسرعة فعجنت الدقيق وخبزت فطيراً، واخذ إبراهيم عجلاً رخصاً وحيداً ومع اللحم أخذ زبداً ولبناً ووضع الكل قدام ضيوفه، وكان أن جاء الوعد ان يكون لإبراهيم نسل قبل أن يمضى العام، وقد كان وصار.

ليتنا نصوم فنصون العين من النظر الباطل، واللسان من التكلم بالغش، واليد من أن تفعل الشر، والقدم من أن تسعى فى طريق منحرف، وعندئذ يتقبل الله أصوامنا وصلواتنا، وينقى قلوبنا وأفكارنا، ونلهج فى كلامه نهاراً وليلاً حتى يكون المؤمن «كشجرة مغروسة عند مجارى المياه، حتى إنها تصنع ثمرها فى أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح. ليس كذلك الأشرار لكنهم كالعُصافة التى تذريها الريح. لذلك لا تقوم الأشرار فى الدين ولا الخطاة فى جماعة الأبرار. لأن الرب يعلم طريق الأبرار أما طريق الأشرار فتهلك».

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر