رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ننشر نص كلمة الرئيس "السيسي" بحفل التنصيب بقصر القبة

ننشر نص كلمة الرئيس
ننشر نص كلمة الرئيس "السيسي" بحفل التنصيب بقصر القبة

تعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنجاز كافة استحقاقات خارطة الطريق، وعاهد الشعب بأنه سيسهر على احترام السلطة التنفيذية بكافة نصوص الدستور، وأكد تعهده بإنجاز الاستحقاق الثالث وفقا للجدول الزمني لخارطة المستقبل.

وقال الرئيس السيسي -خلال كلمته إلى الشعب المصري في احتفال تنصيبه مساء اليوم رئيسا للجمهورية بقصر القبة بالقاهرةـ أن الوطن تعرض لتهديد حقيقي كان سيطال وحدة شعبه وسلامة أرضه ولكن ثورة الشعب في 30 يونيو استعادت ثورة 25 يناير وصوبت المسار صونا للوطن ووحدته.

وفيما يلي كلمة الرئيس السيسي :

السيد المستشار عدلي منصور رئيس جمهورية مصر العربية السابق ، الإخوة والأخوات أبناء الشعب المصري العظيم ، اسمحوا أن أتقدم بأسمى آيات التقدير والعرفان للسيد المستشار الجليل عدلي منصور على ما قدمه من عمل وطني عظيم ، ولقد أنجزتم يا سيادة المستشار الاستحقاقين الأول والثاني من خارطة المستقبل لشعب مصر على الوجه الأكمل ، وإنني بدوري أعاهدكم وأعاهد الشعب المصر بأنني سأسهر على إحترام السلطة التنفيذية بكافة نصوص دستورنا هذا ، كما أعاهدكم أيضا على إنجاز استحقاقنا الثالث وفقا للجدول الزمني لخارطة المستقبل.

الإخوة المواطنون ، أخاطبكم اليوم بعد أن أديت اليمين الدستورية رئيسا لجمهورية مصر العربية ، أقسمت أن أحافظ على النظام الجمهوري الذي أسست له ثورة يوليو المجيدة إحقاقا للحق وإرساء للعدالة والمساواة ، وصيانة لكرامة المواطن المصري ، وأن أحترم الدستور والقانون ، دستورنا الجديد ، دستور دولتنا المدنية وحكمنا المدني ، دستور العمل والإرادة الذي يضم كافة أطياف مجتمعنا المصري ينظم العلاقة بين السلطات ويصون الحقوق والحريات للجميع ، أقسمت أيضا أن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة ، كل الشعب ، فإنني رئيس لكل المصريين لا تفريق بين مواطن وآخر ولا إقصاء لأحد ، فلكل مصري دوره الوطني ، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه.

الوطن الذي تعرض لتهديد حقيقي كان سيطال وحدة شعبه وسلامة أرضه ، ولكن ثورتنا الشعبية في 30 يونيو إستعادت ثورة 25 يناير ، وصوبت المسار وتصون الوطن ووحدته محافظا عليه.

الإخوة والأخوات أبناء الشعب المصري العظيم ، لا أجد من الكلمات ما يعبر عن سعادتي بكم وصدق ظني فيكم أن فرحتي الحقيقية اليوم هي بمدى وحدة وتماسك الشعب المصري بقدر وعيكم السياسي ونضالكم الديمقراطي ، لقد ضربتم للعالم أجمع مثالا في التحضر وتحمل المسؤولية ، وبرهنتم علي أن قدرتكم لم تتوقف عند حدود اسقاط أنظمة مستبدة أو فاشلة وإنما ترجمتها عقولكم وأيديكم إلى إرادة ديمقراطية حقيقية تم التعبير عنها في صناديق الاقتراع للمرة الثانية في أقل من خمسة أشهر.

في هذه اللحظة التاريخية الفارقة من عمر أمتنا ومصيرها ، أجد مشاعري مختطلة ما بين السعادة بثقتكم والتطلع لمواجهة التحديات ، وإثبات أن تلك الثقة كانت في محلها ، الخوف من الله والرجاء في رحمته ومعونته أدعوه في كل صلاة متوكلا غير متواكل أن يوفقني ويعينني على أداء مهمتي على الوجه الذي يرضيه عني.

إن العقد الاجتماعي بين الدولة ممثلة في رئيسها ومؤسساتها وبين الشعب لا يمكن أن يستقيم من طرف واحد وإنما يتعين أن يكون التزاما على الطرفين ، سوف نعتمد الحقيقة والمصارحة منهجا لتطبيق عقدنا الاجتماعي ، وكما سنتقاسم الاطلاع على حقيقة الأمر ونتشارك في الجهد والعرق سوف نجني معا أيضا ثمار جهدنا وتعاوننا استقرارا سياسيا واستتبابا أمنيا ونموا اقتصاديا متنوعا وعدالة اجتماعية وحقوقا وحريات مكفولة للجميع.

أبناء مصر الكرام ، إن ثورتين مجيدتين في الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو قد مهدتا الطريق الي بداية عزف جديد في تاريخ الدولة المصرية ، يكرس للقوة وليس للقمع ، وصيانة للسلام وليس للعدوان ، ودفاعا عن دولة القانون والحق والعدل ، يؤسس للقضاء على الإرهاب وبث الأمن في ربوع البلاد مع صيانة الحقوق والحريات.

عزف جديد في تاريخ الدولة المصرية يدعم اقتصادا عملاقا ومشروعات وطنية ضخمة للدولة والقطاع الخاص واستثمارات مباشرة ، مع الحفاظ على حقوق الفقراء ومحدودي الدخل وتنمية المناطق المهمشة ، يصون منظومتنا القيمية والأخلاقية ، يعززها ويحميها ، ويكفل للفنون والآداب حرية الفكر والإبداع ، ويؤمن ويرحب بالانفتاح ويحافظ على الهوية المصرية وطبائعنا الثقافية.

إن مصر الجديدة ستعمل من أجل المستقبل متفاعلة مع متطلبات الحاضر ومستفيدة من تجارب الماضي.

الإخوة المواطنون ، إنني لست دعاة اجترار الماضي بهدف التوقف عند لحظات صعبة مضت ولن تعود ، ولكنني من المؤمنين بضرورة الاعتبار من تجاربه للحيلولة دون تكرار السيئ منها ، وكما تعلمون فقد عاش وطننا فترة عصيبة قبل الثلاثين من يونيو ، استقطاب حاد كان ينذر بحرب أهلية ، سوء استغلال للدين للتستر خلفه لارتكاب أفعال تجافي صحيحة ، وتكون الشعوب والأوطان هي الخاسر الأكبر كما رأيتم ، ويضاف إلى ذلك ظروف اقتصادية متردية ، ديون داخلية وخارجية متراكمة ، عجز ضخم في موازنة الدولة ، وبطالة مستفشية بين أوساط الشباب ، سياحة متوقفة ونقص حاد في موارد الدولة من العملات الصعبة ونزيف في الاحتياط النقدي ، ونقص حاد في موارد الطاقة وتهديد لأمننا القومي يطال موردا أساسيا من موارد وجود الأمة المصرية ، وواقع اجتماعي لا يقل كارثية عن نظيريه السياسي والاقتصادي.

إن استقطابا دينيا حادا ليس فقط بين المسلمين والمسحيين ، ولكن بين أبناء الدين الواحد ، دعاوى تكفير تطلق هنا وهناك ، وبدلا من أن يلتفت نظام الحكم القائم آن ذاك إلى ما يحيط بالوطن من أخطار كان يساهم فيما يحاك من مخططات تنال من وحدة شعبه وسلامته الإقليمية لتحقيق رؤى مشوهة ومفاهيم مغلوطة تتنافى مع مفهوم الوطن ومصالحه ، فضلا عن تناقضها مع تعاليم ديننا الحنيف.

شعب مصر العظيم : لقد تعرفتم على رجل من رجال القوات المسلحة وما عبرتم عنه من تقدير وثقة فيه بتكليفكم لي في هذا المنصب إنما يعود بالأساس إلى موقف تلك المؤسسة العسكرية الوطنية العريقة من تطلعاتكم وآمالكم.

ففي اللحظة التي شرفت فيها بتولي رئاستها ، إنها القوات المسلحة مصنع الرجال ورمز الالتزام والانضباط قلعة الوطنية المصرية على مر العصور ، نؤمن جميعا بأن الفضل لله ، ولكنه سبحانه وتعالى خلق الأسباب ، ولقد شاء القدر أن يكون لهذه المؤسسة الوطنية دور أساسي في انتصار إرادة الشعب المصري في ثورتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو.

فلقد انحازت القوات المسلحة المصرية إلى إرادة الشعب ونجحت بإخلاص ووطنية رجالها في مواجهة ما دبر وخطط لضرب استقرار وأمن الوطن ، فإذا تأملنا واقعنا الإقليمي سندرك تماما معنى ان يكون جيش الدولة وطنيا موحدا لا يؤمن بعقيدة سوى الوطن بعيدا عن أي انحيازات او توجهات وسيظل الجيش المصري من الشعب وللشعب يؤمن بان عطاءه ممتد حربا وسلاما وسيسجل التاريخ لقواتنا المسلحة دورها الوطني العظيم في الحفاظ على الوطن مصانا وعلى الشعب موحدا.

إنني لم أسع يوما وراء منصب سياسي ، فلقد بدأت حياتي المهنية في مؤسسة القوات المسلحة تعلمت فيها معنى الوطن وقيمتها وتحمل المسؤولية ، وتعلمت أيضا أن حياتنا وأرواحنا هي فداء للوطن ، كما تعلمت في تلك المؤسسة أنه لا هروب من ميدان القتال ، فلقد استخرت الله متوكلا عليه وانحزت إلى إرادة الشعب ، وأقدمت على إعلان بيان الثالث من يوليو الذي صاغته القوى الوطنية بمشاركة الشعب لتبدأ مرحلة جديدة من عمر أمتنا.

معركة يتعين أن نخوضها بشرف وكرامة ، فنحن لسنا مدانين لأحد ولا ننتظر فضلا من أحد ، فالدين لله والفضل من الله ، وسنبني بإذن الله وطننا على أسس من العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية تكفل لنا الحرية والعيش الكريم ، واعلموا أنه إذا كانت مصر أثبتت مرة أخرى أنها عصية على الانكسار فإن ذلك بفضل الله يعود إلى وحدة الدولة شعبا ومؤسسات.

ولا أخفيكم سرا أنكم أنتم الذين منحتم الدولة المصرية وحكومتها ـ بوحدتكم خلف ثورتين وأهدافهما ـ ما يلزم من ثقة وتأييد وتمكين لتكون بلادنا مستقلة القرار رافضة لتدخل كائن من كان في شأننا الداخلي.

الإخوة والأخوات : إنني أعي وأقدر تماما الإرث الثقيل من التجريف السياسي والتردي الاقتصادي والظلم الاجتماعي وغياب العدالة التي عانى منها جميعا المواطن المصري لسنوات ممتدة ، ولكنه ليس من الأمانة أو الواقعية أن أعد المواطن المصري البسيط التخلص من هذه التركة المثقلة بمجرد تقلدي مهام منصبي الرئاسي ، لكني أشهد الله تعالى أنني لن أدخر جهدا لتخفيف معاناته ما استطعت ، فلن أعارض مقترحا في صالحه وسأتخذ ما يمكن من إجراءات للبدء في تحسن أوضاعه ، ولن أتوانى يوما أن أضمد جراح أي مصري أو أن أساهم في تخفيف آلامه أو تبديد خوفه على أحد من أبنائه.

وفي سبيل تحقيق ذلك سنعمل معا جميعا من أجل أن ينعم كل مواطن مصري بالسعادة والرفاهية في ظل مصر الجديدة تنعم بالاستقرار والرخاء.

أبناء مصر أتطلع إلى عصر جديد يقوم على التصالح والتسامح من أجل الوطن ، تصالح مع الماضي وتسامح مع من اختلفوا من أجل الوطن وليس عليه ، تصالح ما بين أبناء وطننا باستثناء من أجرموا في حقه أو اتخذوا من العنف منهجا.

أتطلع إلى انضمام كافة أبناء الوطن، كل من يرون مصر وطنا لنبني سويا مستقبل لا إقصاء فيه لمصري ، وتحقيق العيش والحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية ، وأما من أراقوا دماء الأبرياء وقتلوا المخلصين من أبناء مصر ، فلا مكان لهم في تلك المسيرة ، وأقولها واضحة جلية ، لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ إلى العنف ، ومن يريدون تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذي نريده لأبنائنا ، لا تهاون ولا مهادنة مع من يريدون دولة بلا هيبة.

أعدكم بأن المستقبل القريب سيشهد استعادة الدولة المصرية لهيبتها على التوازي مع جهدنا جميعا ـ أنتم وأنا ـ لتحقيق الآمال والتطلعات.

إن تحقيق التنمية الشاملة بمختلف صورها وشتى مناحيها يتطلب بيئة أمنية مواتية تطمئن رأس المال وتجذب السياحة والاستثمار وتؤمن للمشروعات الصناعية مناخها المناسب ، ومن ثم فإن دحر الارهاب وتحقيق الأمن يعد على رأس أولويات مرحلتنا المقبلة ، ولذا فإننا سنعمل على تطوير جهاز الشرطة ومضاعفة قدرته على تحقيق الأمن وإقرار النظام ، وإعادة الأمن والاطمئنان النفسي للمواطن المصري.

إننا بحاجة إلى تحديث المنظومة الأمنية وقدرة العاملين بها وإعادة نشر الأمن والاستقرار في الشارع المصري وإرساء علاقة صحية بين أجهزة الأمن والشعب ، تحكمنا مبادئ القانون وصون الكرامة واحترام الحرية ، ويتعين أن يتواكب مع ذلك اهتمام مكثف من النواحي الوظيفية والإنسانية لرجال الشرطة البواسل وأسرهم ، غاية تتناسب مع حجم التضحيات التي قدموها والتي سيقدمونها من أجل سلامة هذا الوطن وأمن مواطنيه.

كما أن المرحلة المقبلة تتطلب دورا وطنيا لرجال الأعمال الوطنيين الشرفاء الذين ستعمل الدولة على توفير المناخ اللازم لإزدهار أعمالهم وتنمية استثماراتهم ، ونحن مقبلون على مرحلة التنمية الصناعية والزراعية ، فهذان القطاعان هما جناحا التنمية الاقتصادية ولاسيما في بلادنا التي يتوفر في مقوماتها فرص جيدة لنجاحنا معا دون تعارض بل يكمل كل منهما الآخر.

وتنعكس تنمية كل قطاع منهما إيجابيا على الآخر ، ويتعين النهوض بقطاع الصناعة عصب الاقتصاد المصري والسبيل الي خلق فرص العمل وتشغيل الشباب ، لا سيما من خلال تشجيع إقامة الصناعات كثيفة العمالة .

سنعمل على إصلاح المنظومة التشريعية لتحفيز قطاع الصناعة وتيسير حصول المستثمرين على الأراضي والتراخيص لإقامة المشروعات الصناعية ولم نغفل الاستثمار في الثروة المعدنية والمحجرية لمصر ، وسنعمل تدريجيا على وقف تصدير المواد الخام التي تتعين معالجتها وتصنيعها لزيادة القيمة المضافة وتحقيق العائد المناسب ، إضافة إلى تدوير المخلفات واستخدامها لتوليد الطاقة الحيوية.

وسنعمل من خلال محورين أساسيين إحدهما يدشن للمشروعات الوطنية العملاقة مثل مشروع تنمية محور قناة السويس وإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية وتعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية لإنتاج هائل من الكهرباء.

أما المحور الآخر ، فيختص بإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحقق انتشارا أفقيا في المناطق المحورية ، ويوفر مدخلات بسيطة في مختلف مراحل العملية التصنيعية بما يوفر العملات الصعبة وينهض بالمناطق المهمشة والأكثر فقرا.

أما التنمية الزراعية ، فسيكون له نصيب كبير من جهود التنمية في المرحلة المقبلة وذلك من خلال العمل على عدة محاور أهمها مشروع ممر التنمية وما سيوفره من أرض صالحة للزراعة ، فضلا عن إعادة تقسيم المحافظات المصرية وخلق ظهير زراعي لكل محافظة واستحداث نظام (الوب الرئيسية) في الزراعة مما سيضاعف من انتاجية الفدان ، ويوفر فرص عمل جديدة فضلا عن الاعتماد على الأساليب العلمية للري ومعاجلة المياه.

وأعتزم أن يتواكب مع النهوض بهذا القطاع نهوض بأوضاع الفلاح المصري والتصدي لمشكلاته وأهمها توفير الأسمدة والنظر في بعض مديونيات صغار المزارعين لدى بنك التنمية والإئتمان الزراعي الذي يتعين تطويره بشكل شامل ليساهم في مرحلة التنمية المقبلة ، وليكون أكثر عونا للفلاح المصري.

كما أعتزم أن يكون النهوض بقطاعي الصناعة والزراعة أحد المحاور الأساسية لرؤيتي لتحقيق التطوير الشاملة في مصر والتي ستتضمن كافة القطاعات في القلب منها قطاع الصحة.

سيتم تخصيص نسبة من الانفاق العام تتصاعد تدريجيا لصالح قطاع الصحة ووضع هيكل عادل لأجور العاملين فيه وإضافة مرافق طبية جديدة ، والتركيز على توفير الرعاية الطبية المتميزة لكبار السن ولذوي الاحتياجات الخاصة ، وذلك جنبا إلى جنب مع تطوير قطاع التعليم الذي يتعين أن يشمل كافة عناصر العملية التعليمية (الطالب والمعلم والمناهج والأبنية التعليمية) ، بما تحتاجه من معامل ومكتبات ومسارح وملاعب رياضية.

ويتعين أن تشهد منظومة تطوير التعليم الارتقاء بالتعليم الفني ودعمه وربط التعليم باحتياجات سوق العمل ، كما سيكون لقطاع المحليات نصيب موفور من الاهتمام حيث سيتم العمل على إنشاء محافظات جديدة وتوسيع البعض الآخر وربط المحافظات بحدودها الجديدة بشبكة طرق داخلية فضلا عن إنشاء شبكة طرق دولية ، كما سيتم إنشاء عدة مطارات وموانئ ومناطق حرة وإقامة عدة مدن ومراكز سياحية جديدة.

الإخوة والأخوات : إنني أود في هذا الصدد أن أشير إلى أن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تؤتي ثمارها المرجوة أو تحقق نهوضا شاملا بالوطن دون أن تتواكب معها تنمية اجتماعية ، فعلينا أن نعمل كي تصل ثمار تنميتنا الاقتصادية إلى جميع أبناء الشعب وفي مقدمتهم البسطاء ومن هم أكثر احتياجا.

يجب أن نعمل على تحقيق طفرة حقيقية فيما تقدمه الدولة من خدمات للمواطنين ، إلا أن الدولة لن تنجح في ذلك بطبيعة الحال إلا إذا زاد عملنا وإنتاجنا ، ويتعين أن تتواكب مع التنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي تنمية ثقافية يساهم في إحداثها مبدعو ومثقفو وإعلاميو وفنانو مصر ، فإن عليهم دورا أساسيا ، دورا يخاطب عقول الناس وأرواحهم ، يصحح الفكر الخاطئ ويرتقي بإحساسهم ، يحفزهم على المزيد من العمل والإنتاج ، ويصوب الذوق العام للشعب المصري ، يعيد للآداب والفنون المصرية رونقها وينمي إسهامها في التوثيق لهذه الحقبة من تاريخ أمتنا.

وعلى قدر ما استحسنتم الإسهام الفني لتحفيز مشاعر المصريين الوطنية وتشجيعهم على المشاركة السياسية بقدر ما استشعرت غيابا لعمل وطني ملحمي يؤرخ لثورتين مجيدتين ، ويعد بمثابة أيقونة فنية تطوف العالم وتخلد ذكرى شهدائنا وذلك على غرار الأعمال الفنية الكبرى ذات الطابع العالمي.

أما تجديد الخطاب الديني فإن أهميته التي تنطوي على تعزيز الجانب القيمي والأخلاقي تشمل أيضا الحفاظ على الصورة الحقيقية المعتدلة لديننا الإسلامي الحنيف وتشكيل عقول ووجدان المسلمين سفراء هذا الدين الذين يقدمونه الي العالم ، واذا كان الإمام المستنير محمد عبده قد قال بعد رحلة أوروبية " رأيت في أوروبا إسلاما بدون مسلمين ، ورأيت في بلادنا مسلمين بلا إسلام " ، على الرغم من أن الحالة الأخلاقية آنذاك كانت أفضل كثيرا مما نحن عليه الآن ، فما عسانا أن نقول لما يحدث في مجتمعنا هذه الأيام ، مخطئ من حصر دور الدين في الحياة على الطقوس والعبادات دون المعاملات ، فالدين المعاملة ، وكما قال الرسول الكريم (ص ) من لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له.

اين انعكاس العبادات في معاملاتنا في حياتنا اليومية ، العمل عبادة ، احترام الكبير والرحمة بالصغير ، التزام السلوك المتحضر في الشارع المصري ، أداء الأمانات والحقوق ، هل هذه هي مصر التي نرغبها ، التي قمنا بثورتين من أجل مستقبل شعبها ؟.

أوجه دعوة خالصة من القلب إلى كل أسرة مصرية ولكل مدرسة ولكل مسجد ولكل كنيسة ، بثوا الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والمثل العليا في القلوب ، اغرسوها في العقول ، اتخذوا منها أساسا لتربية النشء وتهذيب النفوس ، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

ولا يمكننا الحديث عن تجديد الخطاب الديني دون التطرق إلى دور الأزهر الشريف ، منارة علوم الدين والتنوير ذات الألف عام ، التي نشرت الإسلام وبثت تعاليمه الصحيحة في كافة الدول الإسلامية بما فيها الدول غير العربية في آسيا وأفريقيا.

إننا بحاجة إلى استقاء العلم من أهله وليس من كل مدع أراد اكتساب سلطة من خلال التستر وراء الدين ، أقول لكم إن مصر غنية بعلمائها وفقهائها..

إنني أتطلع إلى أن يواصل الأزهر الشريف دوره لتجديد وتصحيح الخطاب الديني وأن يستمر في جهوده لنشر صورة الإسلام الحقيقية المعتدلة السمحة ، بعدما طال ديننا الحنيف من تشويه.

ولا يمكن أن نغفل أيضا دور الكنيسة المصرية العريقة التي قامت بدور فعال في نقل صورة حقيقية للنسيج الوطني الواحد في مواجهة الذين يروجون بنوايا خبيثة للفتن والانقسام بين أبناء هذه الأمة ، لذلك فإن الدور الوطني الذي أداه الأزهر الشريف والكنيسة المصرية من انحياز لإرادة الشعب لابد أن يكون موصولا بمشاركة ايجابية وتفعيل كامل لدور هاتين المؤسستين في بناء الوطن وتقدمه.

إن تنفيذ هذه الرؤية التنموية الشاملة بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يتطلب دورا أساسيا لمؤسسات الدولة المصرية ، فهي عصب إدارتها وعقلها المفكر وساعدها المنفذ ، ويتعين أن تعمل معا بتنسيق تام وفكر منظم وتخطيط مستقبلي ، لا ترتبط بأفراد وإنما تعمل وفقا لإدراك واضح لمعنى ومفهوم.

دولة المؤسسات التي تنتقل من عهد إلى آخر ، تطور ذاتها دوريا وتلم بمقتضيات الحاضر ومتطلبات المستقبل ، إن تلك المؤسسات يتعين عليها أن تدرك ما هي أدوارها التي أنشئت من أجلها فتلتزم كل مؤسسة بدورها الوطني ولا تسيء استخدامه.

لن أسمح بخلق قيادة موازية تنازع الدولة هيبتها وصلاحيتها بكل ما أعنيه ذلك من أثر وانعكاسات هدامة على الاثنين معا ، قيادة مصر واحدة فقط.

إنني أدعو القائمين على مؤسسات الدولة المصرية إلى تطويرها وإصلاحها ، ولتكن محاربة الفساد شعارها وشعارنا في المرحلة المقبلة ، وأؤكد أن مواجهة الفساد ستكون مواجهة شاملة ضد الفساد بكافة أشكاله ، لن أقول أنه لن يكون هناك تهاون مع الفاسدين وإنما لن تكون هناك رحمة مع أي ممن يثبت تورطهم في أي قضايا فساد أيا كان حجمها.

إن مرحلتنا المقبلة تتطلب كل جهد مخلص صادق يضع الحفاظ على المال العام نصب عينيه ، فالنتقي الله جميعا في هذا الوطن وشعبه.

الإخوة المواطنون : يقودني الحديث عن الإصلاح والتطوير إلى الحديث أيضا عن تصويب وتصحيح المفاهيم ، وفي مقدمتها مفهوم المواطنة ، وهو المبدأ الحاكم لحياتنا على أرض هذا الوطن ، فلا فرق بين مواطن وآخر في الحقوق والواجبات ، لا سبب ولا حتى قناعاته السياسية مادام في طريقها السلمي.

إن تطبيق مفهوم المواطنة في معناه السليم سيحقق العدل والمساواة بين أبناء هذا الوطن ، وسيكون التميز والكفاءة والإيجادة هي المعايير الحاكمة للحصول على الفرص المناسبة لنعطي كل ذي حق حقه وفرصته المناسبة لخدمة الوطن إذا أردنا أن نبني وطنا مستقرا ، وطنا عادلا يربي في نفوس أبنائه قيمة العلم والعمل والولاء والانتماء ، ويؤسس لديمقراطيتنا التي لا تقتصر على حرية ممارسة الحقوق السياسية أو الحريات المدنية وإنما تمتد لتشمل تكافؤ الفرص ورفع الظلم والعدالة في توزيع الدخول ، ولا تتوقف عند حدود نتائج صناديق الاقتراع.

وفي سياق تصويب المفاهيم ، أود أن أتطرق إلى مفهوم الحرية ، ما هي الحرية ؟ إن الحرية قرينة الالتزام وتظل مكفولة للجميع ولكنها تتوقف عند حدود حريات الآخرين ، لها إطارها المنظم وما يحويها من قوانين وقواعد دينية وأخلاقية تتسم بالنقد ، ولكن بموضوعية دون تجريح ودون ابتذال ، أما ما دون ذلك فهي أي شيء آخر إلا أن تكون حرية إنما هي فوضي وحق يراد به الباطل.

لإخوة والأخوات ، إن دوركم في مرحلة البناء المقبلة لا يقل أهمية عن دور مؤسسات الدولة ، فنحن جميعا مطالبون بأن نعلي قيمة الإيثار وإنكار الذات ، فلا صوت سيعلو فوق صوت مصلحة الوطن ، ويتعين أن تتضافر جهودنا جميعا ، فالمرأة المصرية مدعوة أكثر من أي وقت مضى لتساهم كما عهدناها مساهمة جادة وبناءة في مرحلتنا المقبلة حتى وإن لم تكن امرأة عاملة ، ولمن يقللون من دور المرأة العاملة ، أقول أنتم لن تدركوا شيئا لا من حكمة الخالق ولا من دور المرأة في حياتنا ، فهي سر وجود المجتمع واستمراره ، ميلاد ونشأة وحياة ، ولقد برهنت المرأة المصرية على وعيها السياسي ودورها الأساسي في المجتمع واستلهمت روح مشاركتها الفاعلة في ثورة 1919 ، فشاركت في ثورتين عظيمتين ، ثم نزلت بكثافة سواء في الاستفتاء على الدستور أو في الانتخابات الرئاسية.

تحية وتقديرا وإعجابا بدور المرأة ، وثقتي كاملة في أنها ستواصل عطاءها وتصون دورها ، أما وأختا وزوجة وإبنة ، وستبذل جهودها كموطنة فاعلة في مرحلة البناء المقبلة ، وإنني أعدها بأنني ـ عرفانا بدورها الفاعل في المجتمع وانشغالها الفاعل وتقديرا لدورها النشط في استحقاقاتنا الوطنية الأخيرة ـ سأبذل كل ما في وسعي لتحصل على تمثيل عادل في المجلس النيابي المقبل ، وفي المناصب التنفيذية المختلفة.

ولشباب مصر وشباتها أمل المستقبل ، حاملي مشاعل العلم والتنوير ، فأقول لهم : هذا الوطن لكم وبكم ، أنتم من سيعمرونه وسيبنوه ، وسينهض بشتى مناحيه ، اعملوا وساهموا بفاعلية ، دوركم مقدر وجهدكم محمود ، ولكنه لم يكتمل بعد فأنتم أشعلتم غزوة الثورة وأكملتم مسيرتها بالتعاون مع كافة فئات الشعب ، ولكن الوطن لا يزال في حاجة ماسة إلى عملكم واخلاصكم لروحكم الممتلئة بالأمل والحياة ، روح الاستمرار والتجديد ، وأنتم مقبلون على مرحلة البناء والتمكين ، ساهموا عبر القنوات الشرعية في إثراء الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لوطنكم.

وإنني من موقعي هذا ، أقول يا شباب مصر ، أنتم الأمل وأنتم المستقبل وأنتم من سيبني مصر الجديدة بسواعدكم وعقولكم ، مصر الجديدة بدستورها الجديد وما به من حقوق وواجبات وحريات ومسؤوليات ، وأما أنا فسأسعى بعونكم ومساندتكم لتحقيق غد أفضل لكم ولأبنائكم ، رئيسا لمصر ولكل المصريين ، شبابا وشيوخا ، نساء ورجالا.

وإلى بسطاء هذا الوطن ، أقول : تحملتم الكثير لعقود مضت وبدلا من تحقيق أحلامكم في العيش الكريم تضاعفت معاناتكم خلال السنوات الأخيرة التي مرت ثقيلة صعبة واصطدمت أحلامكم بمعوقات كثيرة حالت دون تحقيقها.

أعدكم جميعا بأنني سأبذل كل ما في وسعي ولن أدخر جهدا ، سأعمل لساعات طويلة من أجلكم دون كلل أو ملل ، وكلي ثقة في أنكم ستعملون مثلي وأكثر ، كما أعدكم وأعد كل المصريين بأننا سنجني الثمار خلال هذه الفترة الرئاسية وبأن الدولة ومؤسساتها ستحرص على تحقيق معدلات انجاز غير مسبوقة ما دمتم وراءها بعقولكم وسواعدكم ، نعم بمشيئة الله تعالى أعد البسطاء ومحدودي الدخل من المصريين بحياة أفضل خلال السنوات الأربع القادمة إن شاء الله.

أبناء الشعب المصري الكريم لقد تمكنا بفضل الله الكريم واستطعنا بتعاون جاد ونية خالصة أن ننجز الاستحقاقين الأول والثاني من خارطة المستقبل على الوجه الأكمل ، وسنعمل بذات الروح الوطنية لاستكمالها وإتمام الاستحقاق الرئيسي الثالث وهو الانتخابات البرلمانية ، فاعلموا أن أصواتكم أمانة وأن اختياركم لنواب الشعب سيترتب عليه الكثير ، إننا بحاجة ماسة لمجلس نواب جديد يساهم إسهاما جوهريا في إحالة نصوص دستورنا الجديد إلى قوانين ملزمة تترجم ما فيه من حقوق وحريات إلى معان وواقع يمارسه عملا لا قولا ، وإن هذا المجلس تختلف صلاحياته بموجب الدستور الجديد عما سبقه من مجالس ، لذا فان أصواتكم شهادة ، فلا تكتموها أعطوها لمن يستحق ، دققوا وأحسنوا الاختيار في من يمثلكم ومن يرعى مصالحكم وينقل أصواتكم بأمانة ويتخذ من النزاهة والحيدة دستور عمل وحياة ، من يكون لكم عونا ولآمالكم محققا ولوطنكم حافظا أمينا.

أبناء مصر ، إن مزايا الأوطان كما تكون نعيما لأهلها فإنها تفرض عليهم أيضا أن يبذلوا جهودا مضاعفة لصيانتها وتنميتها والذود عنها ، مصر الكنانة مهد الحضارة حباها الله بنعم عظيمة وآلاء جسيمة فأضحى لجغرافيتها تاريخا يتحرك وتاريخها جغرافيا ساكنا ، مصر الفرعونية ميلادا وحضارة العربية لغة وثقافة والإفريقية جذورا ووجودا ، المتوسطية طابعا وروحا ، مزيج فريد قلما يتكرر بين بلاد الدنيا ويفرض علينا جميعا أن نرتقي لحجم المهمة وقدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا للحفاظ على دور هذا الوطن الرائد في مختلف دوائر السياسة الخارجية المصرية والذي لن يتأتى دون العمل والبناء في الداخل.

فمصر الداخل هي التي تمتلك محددات وقدرات هي التي ستوجه دفة سياستنا الخارجية وهي التي ستحدد موقعنا على الصعيد الدولي ، فكلما كانت جبهتنا الداخلية قوية وموحدة واقتصادنا قوي كما كان قرارنا مستقلا وصوتنا مسموعا وإرادتنا حرة ، فإن مصر العربية يتعين أن تستعيد مكانتها التقليدية ، شقيقة كبرى تدرك تماما أن الأمن القومي العربي خط أحمر ، أما أمن منطقة الخليج العربي فهو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

إننا بحاجة إلى مراجعات شاملة لكافة أوجه آليات العمل العربي المشترك ، لا نجتمع ونتحدث بل نتخذ القرارات الكفيلة بتحقيق أمننا العربي المهدد في العديد من دوائره.

وستظل القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى وملفا من ملفات السياسة الخارجية المصرية ، فمصر تعلي مصالح الشعوب العربية على صغائر جماعات ضيقة ، مصر التي أخذت على عاتقها الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق وستواصل مسيرتها لدعمه حتى يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على حقوقه المشروعة ويحقق حلمه وحلمنا جميعا ، دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 ، دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

أما مصر الأفريقية رائدة تحرر واستقلال القارة السمراء ، فإنني أقول لمن يحاول فصلها عن واقعها الافريقي ، لن تستطيع فصل الروح عن الجسد ، فمصر أفريقية الوجود والحياة ، وأقول لأبناء الشعب المصري العظيم ـ الذي قامت حضارته العريقة على ضفاف نهر النيل الخالد ـ لن أسمح لموضوع سد النهضة أن يكون سببا لخلق أزمة أو مشكلة أو أن يكون عائقا أمام تطوير العلاقات المصرية سواء مع أفريقيا أو مع إثيوبيا الشقيقة ، فان كان السد يمثل حقها في التنمية ، فالنيل يمثل لنا حقنا في الحياة.

النيل الذي ظل رمزا لحياة المصريين منذ آلاف السنين والي جانب استمراره كشريان حياة المصريين علينا أن نعمل ليصبح واحة للتنمية والتعاون فيما بين دول حوضه ، وكما شهدت علاقات مصر الأفريقية تطورا تاريخيا بدءا من مساندة حركات التحرر والاستقلال ومرورا بدعم أشقائنا الأفارقة من خلال التعاون الفني لأبناء القارة الأفريفية في شتى المجالات ، فإن تلك العلاقات يتعين أن تتطور لتحقيق الشراكة في التنمية في شتى المجالات الصناعية والزراعية والتجارية ، فمصر بوابة العالم إلى أفريقيا ونافذة أفريقيا على العالم.

أما علاقاتنا الدولية المقبلة فستكون علاقات ديمقراطية متوازنة ومتنوعة لا بديل فيها لطرف عن آخر ، فمصر تستطيع الآن أن ترى كافة جهات العالم ، مصر الجديدة ستكون منفتحة على الجميع لا تنحصر في اتجاه ولن تكتفي بتوجه.

نحن نتطلع إلى تفعيل وتنمية علاقاتنا لكل من أيد أو سيؤيد ارادة الشعب المصري ، ونتعهد معهم على التعاون معهم في شتى المجالات ، ذلك التعاون الذي يقتصر الاعتزاز به على الدوائر الرسمية ، وإنما إمتد ليستقر في وجدان شعوبنا ويرتبط في أذهاننا بمشروعات وطنية عملاقة وقاعدة لاستقبال الصناعات الثقيلة.

فمصر بما لديها من مقومات يجب أن تكون منفتحة في علاقاتها الدولية ، لقد مضى عهد التبعية في تلك العلاقات التي ستحدد من الآن فصاعدا طبقا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح الشعب المصري ، إن مصر نقطة توازن واستقرار في الشرق الأوسط ، ممر عبور تجارة العالم الدولية ، مركز الاشعاع الديني في العالم الاسلامي بأزهرها الشريف وعلمائه الأجلاء ، ستعتمد الندية والالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية كمبادىء أساسية لسياساتها الخارجية في المرحلة المقبلة.

وأخيرا ، فكما تعلمون ، إختارت مصر بإرادتها ومن موقع القوة والانتصار أن تكون دولة سلام ، فإنني أجدد بهذه المناسبة التزامنا بتعهداتنا الدولية واتفاقياتنا التعاقدية التاريخية منها أو الحديثة والمعاصرة ، وما سيكون من تعديل فيها إن استدعى الأمر فسيتم بالتشاور والتوافق بين الأطراف المتعاقدة وبما يحقق المصالح المشتركة .

الإخوة المواطنون : أوجه تحية إجلال لأرواح كل شهدائنا ، شهداء ثورتينا وشهداء قواتنا المسلحة وجهاز الشرطة ، إنني أقدر تضحيتهم من أجل الوطن ، وأعي تماما حجم المعاناة والألم النفسي الذي عاناه ذووهم ، إن أرواحهم التي تنعم في الفردوس الأعلى ستظل تطالبنا بحب هذا الوطن والتضحية من أجله والعمل سويا لصياغة مستقبله.

وأقول لأرواحهم الطاهرة لقد دافعتم معنا ليس فقط عن مصر ، ولكن عن المنطقة بأسرها ، وليس فقط عن هويتنا ، ولكن أيضا عن ديننا الاسلامي الحنيف بحقيقته واعتداله ، فقدروا تضحيات شهدائنا وترفقوا بالوطن ، وحدوا الكلمة والصف ، ولا تفرقوا ، وكفى وطننا ينوء بحمل مشكلات إن لم ننتبه إليها ونعالجها سريعا قد يحدث ما لا يحمد عقباه.

أقول لكم ، أعينوني بقوة نبني وطننا الذي نحلم به ونستظل فيه بظلال الحق والعدل والعيش الكريم ، ونتنسم فيه رياح الحرية والالتزام ، ونلمس فيه المساواة وتكافؤ الفرص وجودا حقيقيا ودستور حياة ، واعلموا دوما أن سفينة الوطن واحدة فان نجت نجونا جميعا.

أبناء مصر ، إني كلي تفاؤل بهذا الوطن ، ولكن الله ـ الذي أمر أن نتفاءل بالخير نجده ـ دعانا إلى العلم والعمل ، إلى الوحدة والتوكل وليس التواكل ، فالملك لا يبنى على جهل ومناهج التخوين لا تفضي إلا إلى الفشل ، اني أدعوكم جميعا أن نثبت لكل من أراد أن يفرقنا أو يكسر وحدتنا أنه قد أساء الفهم وأخطأ قراءة التاريخ ، فنحن نبض قلب واحد ، وحدتنا لا تقبل التبديل.

وندعو الله العلي القدير معا أن يوفقنا لما فيه خير بلادنا ونبتهل اليه أن يديم علينا رحمته ومحبته وأن يحفظ مصر وشعبها لتظل دائما بلد الأمن والأمان والإستقرار ، مصداقا لقوله الكريم : ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين .. صدق الله العظيم .. تحيا مصر آمنة مستقرة .. تحيا مصر أبية كريمة .. تحيا مصر بحفظ الله وعنايته.