رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فساد الرأي


يقولون: إن المُؤيد الدائم والمُعارض الدائم هما أصحاب الرأي الفاسد! تأملت هذه المقولة التي قادتني إلى أن أراقب ما يدور حولي من مواقف انقسم فيها الناس بين مؤيد ومعارض، وكل منهما في تشبثه برأيه يكاد ينفجر في وجه أخيه من فرط تعصبه، كما لو كان مغمض العينين لا يرى سوى طريق واحد للسير فيه، فلا تستوقفه الطرق المتفرعة منه والمنحنيات والطرق المختصرة للوقت والجهد التي ستحقق الغرض نفسه، وهو الوصول إلى المقصد والمكان.

بطبيعة الحال بحسب المواقف ينبغي أن نتحلى بـالمرونة في استيعاب الأمور؛ فهناك قضايا وملفات وطنية حساسة لامجال فيها للمعارضة، بل هو ضرب من الرعونة والحمق إن حدث، فمن منا يستطيع أن ينفي أهمية الالتفاف والاتفاق حول ما يخص الأمن القومي المصري وخطوطه الحمراء، وما أقدمت عليه مصر من تنمية ترسانة التسليح، وما خاضته وما زالت تخوضه القيادة السياسية ومؤسسات الدولة وقواتنا المسلحة والشرطة من حرب ضروس ضد الإرهاب والإرهابيين وأهل الشر، والوقوف في وجه آفات مجتمعية تبتغي النيل من أمن وسلامة المواطن المصري حين تعرضه للتنمر والازدراء، ومن منا يستطيع أن يقف حجر عثرة أمام مبادرة يطلقها الغيورون على مصلحة مصرنا المحروسة المنتمون إلى تيارات سياسية شتى، لكنهم حول حب مصر وإعلاء مصالحها مجتمعون، فنجدها تهدف إلى المحافظة على تاريخ مصر وجيشها العظيم من العابثين به، والمزورين لبطولات لا ينكرها إلا مغرض أو عميل أصابه من الجهل ما كف بصره وبصيرته في آن معًا، فراح يطمس في بطولات لا ينكرها إلا جاحد، وأبطال يفخر بهم التاريخ ويزهو، ليقلل من شأنهم ويشكك في نزاهتهم وزعامتهم، ويزلزل قلوب من استمدوا من هؤلاء القوة والعزيمة وآمنوا بهم وبقدراتهم، واتخذوا منهم القدوة في حب الوطن والدفاع عنه والتضحية بكل غالٍ ورخيص في سبيل الحفاظ على ذرة من رمل ترابه المقدس، فالحفاظ على الهوية المصرية يتأتى بحماية تاريخها من التشويه المتعمد والتزييف.

وهناك أمور كثيرة لا تحتمل المعارضة أيضًا، وفي مقدمتها: ثقة الشعب في قيادته السياسية الوطنية المخلصة ممثلة في الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي لم يألُ جهدًا في إعادة بناء مصر الحديثة وإصلاح سياستها الخارجية بعد أن تراجعت بسرعة البرق في عام أسود استلبت حلكة سواده من صفحتها البيضاء الناصعة، فبدت أمام العالم ضعيفة مهلهلة على نحو مغاير لحقيقتها الشامخة التي نفض الرئيس السيسي عنها ما علق بها وأعاد إليها بريقها الغائب فلبست ثوب الفخار الذي يليق بها ورفع رأسها عاليًا ورفرف علمها في أعالي السماء شموخًا وعزة، وكذلك نمنح الثقة كل الثقة في قواتنا المسلحة وجنودنا البواسل صقور الأمة ونسورها، وأجهزة الشرطة ورجالاتهم الأشداء اليقظين، فهم بحق جديرون بأدائهم المتفاني الملموس بكل التأييد والثقة من مواطني هذا البلد.

لكن كل ماسردته لا يعني مطلقًا المعارضة المطلقة أو التأييد المطلق لكل مناحي الحياة، فإن الموضوعية حينما تغيب تترك العقول تتخبط، فنفقد بوصلتنا في التمييز بين الصالح والطالح من الأمور، فهناك معارضة مخلة بالمصلحة العليا للبلاد، وهناك تأييد مخل بالمصلحة العليا أيضًا.

إذن، لابد من موازنة الأحكام عند التصدي لقضايا تمس نبض الشارع المصري والمواطن البسيط بخاصة، وهنا نلفت النظر إلى أن المعارضة الصحية تفيد ولاتضر، لكونها تضفي مصداقية لما تنبه إليه من وجود خلل ما في معالجة الدولة لملف جاء تداوله في وقت غير مناسب، وطرح في مسار يشكل عبئًا فجائيًا لا طاقة لنا به في الوقت الراهن حتى لو كان الغرض طيبًا يظن واضعوه أنه يصب في مصلحة المواطن، فكلنا يعرف ما أثار ضجة مؤخرًا من ملفات أثارت حفيظة معظمنا، هنا نترجم ونعبر عن تقديرنا للرئيس والحكومة بموضوعيتنا، فلا نكون من أصحاب الرأي الفاسد، بل نؤيد ما يستحق منا كل التأييد، ونضع ثقتنا فيما يستحق منا كل الثقة، ونعارض ما ينبغي علينا معارضته تحقيقًا للشكل المثالي للمحبة الحقيقية المتزنة، التي يقول عنها المثل العبقري المصري: (يا بخت من بكاني وبكى عليا، ولا ضحكني وضحك الناس علي).

نحن لاينقصنا شيء لدينا الحكومة الواعية ومجلس النواب المنتخب، والمحكمة الدستورية العليا، يستطيعون أن يقدحوا أذهانهم ليخرجوا علينا بحلول مقبولة وفي متناول الجميع تقضي على البلبلة المثارة حول موضوع الشهر العقاري والتوثيق الأخير على سبيل المثال، وإن كنت لم أرد أن أشير إلى أمر بعينه، فقد نال من إحساس المواطنين بالأمان، وكلي ثقة أن هناك حلًا لكل مشكلة مع عقول تمتلك القدرة على الإتيان به، وكفى بالمواطنين شر القتال والانقسام بين مؤيد ومعارض، لا نريد تبرير الخطأ ظنًا منا أن في تخطئته إغضابًا للرئيس وأعوانه أو أن نوصم بمعاداة الدولة على غير ما نضمر، بل ظني أنه يحتاج أن يحاط علمًا بالرأي السليم ليطمئن قلبه أنه في أيد شعب أمين عليه لا ينافق ولا يهذي ولا يعرف لفساد الرأي والنفاق مع نفسه ورئيسه الذي يحمل له في قلبه كل المحبة والتقدير.. سبيلا! وهو منصت جيد يلبي نداء شعبه ويحرص على تخفيف أعباء الحياة وإزاحتها عن كاهله قدر المستطاع!

فلنترك فساد الرأي جانبًا فهو حكر على أعداء الوطن.. تبًا لهم!