رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رعب ليلة التنصيب


الصور المتداولة لشوارع العاصمة واشنطن، توحى بأن الولايات المتحدة تستعد للحرب أو على الأقل تعيش حالة من الرعب. ومع الحوائط الأسمنتية والحديدية والأسلاك الشائكة، انتشرت عشرات الآلاف من عناصر الشرطة والمخابرات والمباحث الفيدرالية، مدعومة بـ٢٥ ألف جندى من الحرس الوطنى، قيل إنهم مدربون على التحكم فى الحشود وتخفيض أى تصعيد مرتبط بأحداث عنف. وقيل أيضًا، إنهم تلقوا تدريبات على مواجهة أى تمرد داخل صفوفهم!.

فى مثل هذا اليوم، سنة ٢٠١٧، تعهد الرئيس الخامس والأربعون دونالد ترامب، فى حفل تنصيبه، بأن يعيد إلى «الشعب» السلطة التى سرقتها منه المؤسسات. وبانقضاء هذا اليوم، ٢٠ يناير، لو انقضى على خير، يعتزم الرئيس السادس والأربعون، جو بايدن، توقيع عشرات الأوامر التنفيذية وإحالة مشروعات قوانين إلى الكونجرس، تستهدف العدول عن كثير من سياسات سلفه.

السلطات الأمريكية ضاعفت تحذيراتها، وأكدت جدية التهديدات بهجمات مسلحة، ونصحت سكان واشنطن بالبقاء فى منازلهم ومتابعة احتفال تنصيب الرئيس السادس والأربعين، عبر التليفزيون، تجنبًا لخطر العدوى بوباء «كورونا المستجد»، الذى أصاب ٢٠ مليون أمريكى وقتل حوالى ٤٠٠ ألف، وحذرت روشيل والينسكى، المديرة الجديدة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، من خسائر أخرى مرّوعة، متوقعة أن يصل عدد المتوفين، بسبب الوباء، إلى نصف مليون بحلول منتصف فبراير المقبل.

مع تلك التحذيرات أو هذه النصائح، أغلقت السلطات كل الشوارع المؤدية إلى مبنى الكابيتول، ومنعت منذ أيام دخول المتنزهات العامة ومركز التسوق الوطنى فى واشنطن، كما أغلقت أكثر من ١٢ محطة لقطارات الأنفاق. وتم تقسيم واشنطن إلى منطقتين أمنيتين: منطقة خضراء متاح السير فيها على الأقدام، للعاملين والقاطنين فيها فقط. ومنطقة حمراء، تمتد من شرق الكونجرس إلى غرب البيت الأبيض، محظور دخولها بالكامل إلا للآليات العسكرية وسيارات الشرطة. وعلى امتداد مساحة العاصمة من ناحية الغرب، بدءًا من نصب لينكولن التذكارى، وصولًا إلى شرق منطقة الـ نايڤى يارد، أقيم سياج حديدى، لا يمكن تسلقه. ومع الإغلاق التام للمراكز التجارية والحديقة الوطنية، أقامت الشرطة السرية والحرس الوطنى ٨ نقاط تفتيش.

عن تقرير مخابراتى، نقلت جريدة «واشنطن بوست»، أمس الأول، الإثنين، أن هناك من يخططون لتخريب الحدث، بشكل أحادى، أو بصيغة «الذئاب المنفردة». وأشار التقرير إلى توافر معلومات عن اعتزام هؤلاء الدخول إلى المناطق المغلقة أمنيًا، بارتداء ملابس مشابهة لأفراد الحرس الوطنى المنتشرين حاليًا، واستغلال الثغرات الأمنية ونقاط الضعف فى تأمين العاصمة. كما ذكرت الجريدة أن مكتب التحقيقات الفيدرالى يتابع «نشر وتحميل بعض المتطرفين لخرائط مواقع حساسة فى واشنطن عبر الإنترنت»!.

الأكثر خطورة من ذلك، هو أن مسئولين فى البنتاجون قالوا لوكالة «أسوشيتد برس» إن «هناك مخاوف أمنية من أن يشكل بعض الأشخاص الذين تم تكليفهم بحماية مراسم التنصيب، تهديدًا مباشرا للرئيس المنتخب وكبار الشخصيات التى ستحضر الحفل». ومع أن كريس ميلر، القائم بأعمال وزير الدفاع، نفى تلقيه معلومات مخابراتية تشير إلى وجود تهديدات داخلية، إلا أنه أكد استعداد البنتاجون ومكتب التحقيقات الفيدرالى لمواجهة أى مشكلات داخلية. كما اجتمع الجنرال دانيال هوكانسون، رئيس مكتب الحرس الوطنى، بقادة قواته، وطالبهم بتسليم أى جندى مشتبه فيه إلى سلطات تنفيذ القانون أو التعامل مع التسلسل القيادى على الفور.

عيون العالم، التى تركزت على مبنى الكابيتول خلال اقتحامه، يوم الأربعاء قبل الماضى، ستتركز عليه أيضًا، هذا الأربعاء، بعد رعب ليلة التنصيب، الذى قد يمتد لليال أو أسابيع أخرى، بعد أن ارتبكت علاقة الولايات المتحدة بالحريات، وانتقال نشاطات الغاضبين من الفضاء الرقمى إلى الأرض، مع تزايد احتمالات انفجار الكتلة الصامتة وتكرار ما حدث بعد تنصيب أبراهام لينكولن، سنة ١٨٦١، حين أعلنت الولايات الجنوبية انفصالها، واندلعت حرب أهلية راح ضحيتها نحو ٦٢٠ ألفًا، ما يساوى إجمالى ما فقدتهم الولايات المتحدة فى كل حروبها.

غالبًا، أطل شبح هذه الحرب يوم اقتحام الكونجرس، فى ٦ يناير الجارى، حين رفع البعض علم الكونفيدرالية الذى يرمز إلى الولايات الجنوبية. ولاحظ أن ٨٠٪ من الجمهوريين الذين استطلع مؤشر «بيو» آراءهم، وافقوا على الطريقة التى أدار بها دونالد ترامب مرحلة ما بعد الانتخابات، كما أكد أكثر من الثلثين أنه فاز فى الانتخابات الرئاسية. كما أظهر استطلاع أجراه معهد «جالوب» أن ٨٢٪ من الجمهوريين أبدوا رضاهم عن أداء رئيسهم.

بين رئيس غاضب انتهت ولايته، ورئيس خائف ينتظر تنصيبه. ومع تزايد حدة الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين، صار استقرار الولايات المتحدة الأمريكية حلمًا، بعد أن تم استهداف استقرار دول عديدة، طوال عشر سنوات، ببرامج وحملات شرسة، بدأت بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى، ولم تنته بدعم تنظيمات إرهابية قائمة أو استحداث أخرى.