رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالباسط عبدالصمد.. الحنجرة الذهبية «1-2»



الشيخ عبدالباسط عبدالصمد قارئ قرآن مصرى، ويُعد أحد أعلام هذا المجال البارزين. يتمتع الشيخ عبدالباسط بشعبية هى الأكبر فى أنحاء العالم، لجمال صوته ولأسلوبه الفريد، وقد لُقب بـ«الحنجرة الذهبية» و«صوت مكة».. حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كُتّاب قريته، أخذ القراءات على يد الشيخ المتقن محمد سليم حمادة، دخل الإذاعة المصرية سنة ١٩٥١، وكانت أولى تلاواته من سورة فاطر.. عُين قارئًا لمسجد الإمام الشافعى سنة ١٩٥٢، ثم لمسجد الإمام الحسين سنة ١٩٥٨ خلفًا للشيخ محمود على البنا.. ترك للإذاعة ثروة من التسجيلات إلى جانب المصحفين المرتل والمجّود، ومصاحف مرتلة لبلدان عربية وإسلامية، وجاب بلاد العالم سفيرًا لكتاب الله، وكان أول نقيب لقراء مصر سنة ١٩٨٤.
ولد القارئ الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد عام ١٩٢٧م بقرية المراعزة التابعة لمركز أرمنت بمحافظة قنا- قبل أن يُضم مركز أرمنت إلى محافظة الأقصر سنة ٢٠٠٩ مع تأسيسها- بجنوب الصعيد، حيث نشأ فى بيئة تهتم بالقرآن الكريم حفظًا وتجويدًا، فالجد الشيخ عبدالصمد كان من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد هو الشيخ محمد عبدالصمد، كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا، أما الشقيقان محمود وعبدالحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب، فلحق بهما أخوهما الأصغر سنًا عبدالباسط وهو فى السادسة من عمره.
التحق الطفل الموهوب عبدالباسط بكُتّاب الشيخ الأمير بأرمنت، فاستقبله شيخه أحسن استقبال؛ لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية التى أُصقلت من خلال سماعه القرآن يُتلَى بالبيت ليل نهار بكرةً وأصيلًا.
لاحظ الشيخ على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملةٍ من المواهب والنبوغ تتمثل فى سرعة استيعابه لما أخذه من القرآن، وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب، ودقة التحكم فى مخارج الألفاظ والوقف والابتداء وعذوبة فى الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع، وأثناء عودته إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الشيخ محمد رفعت بصوته القوى الجميل متمتعًا بأداءٍ طيبٍ يستوقف كل ذى سمع.
يقول الشيخ عبدالباسط، فى مذكراته: «كانت سنّى عشر سنوات، أتممت خلالها حفظ القرآن الذى كان يتدفق على لسانى كالنهر الجارى، وكان والدى موظفًا بوزارة المواصلات، وكان جدى من العلماء، فطلبت منهما أن أتعلم القراءات فأشارا علىَّ أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحرى، لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ محمد سليم، ولكن المسافة بين أرمنت، إحدى مدن جنوب مصر، وبين طنطا، إحدى مدن الوجه البحرى، كانت بعيدة جدًا، ولكن الأمر كان متعلقًا بصياغة مستقبلى ورسم معالمه، مما جعلنى أستعد للسفر، وقبل التوجه إلى طنطا بيومٍ واحدٍ علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى أرمنت ليستقر بها مدرسًا للقراءات بالمعهد الدينى بأرمنت، واستقبله أهل أرمنت أحسن استقبال واحتفلوا به؛ لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل العلم والقرآن، وكأن القدر قد ساق إلينا هذا الرجل فى الوقت المناسب.. وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم بـ(أصفون المطاعنة)، فكان يحفظ القرآن ويعلم علومه والقراءات، فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله، ثم حفظت الشاطبية، التى هى المتن الخاص بعلم القراءات السبع».
بعد أن وصل الشيخ عبدالباسط الثانية عشرة من العمر انهالت عليه الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا، وخاصة أصفون المطاعنة، بمساعدة الشيخ محمد سليم الذى زكّى الشيخ عبدالباسط فى كل مكان يذهب إليه، وشهادة الشيخ سليم كانت محل ثقة الناس جميعًا.
مع نهاية عام ١٩٥١ طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبدالباسط أن يتقدم إلى الإذاعة كقارئ بها، ولكن الشيخ عبدالباسط أراد أن يؤجل هذا الموضوع، نظرًا لارتباطه بمسقط رأسه وأهله، ولأن الإذاعة تحتاج إلى ترتيب خاص، ولكنه تقدم بالنهاية.
كان الشيخ الضباع قد حصل على تسجيل لتلاوة الشيخ عبدالباسط بالمولد الزينبى، وقدم هذا التسجيل للجنة الإذاعة، فانبهر الجميع بالأداء القوى العالى الرفيع المحكم المتمكن، واعتُمد الشيخ عبدالباسط بالإذاعة عام ١٩٥١ ليكون أحد قرائها، وبعد الشهرة التى حققها الشيخ عبدالباسط فى بضعة أشهر كان لا بد من إقامة دائمة فى القاهرة مع أسرته التى نقلها معهُ إلى حى السيدة زينب.
بسبب التحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديو وتضاعف إنتاجها فى ذلك الوقت، وانتشرت بمعظم البيوت للاستماع إلى صوت الشيخ عبدالباسط، وكان الذى يمتلك «راديو» فى منطقة أو قرية من القرى كان يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى يتمكن الجيران من سماع الشيخ عبدالباسط وهم بمنازلهم، خاصة كل يوم سبت على موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى الثامنة والنصف مساءً.
روى الشيخ عبدالصبور البطيخى عن بداية شهرة عبدالباسط فقال: «فى شهر رمضان كان الشيخ عبدالباسط يحيى لياليه فى دواوين القرية، ولا يرد أحدًا يطلب منه أن يقرأ له بضع آيات من القرآن، ثم بدأ بعدها فى التنقل بين المحافظات، وفى إحدى المرات قرأ فى مجلس المقرئين بمسجد الحسين بالقاهرة، وعندما جاء دوره فى القراءة كان من نصيبه ربع من سورة النحل، وأعجب به الناس، حتى إن المشايخ كانوا يلوحون بعمائمهم، وكان يستوقفه المستمعون من حين لآخر ليعيد لهم ما قرأه من شدة الإعجاب، ثم تهافت الناس على طلبه، حتى طلبته سوريا ليحيى فيها شهر رمضان فرفض إلا بعد أن يأذن له شيخه».
يضيف الشيخ عبدالصبور: كنا ذات مرة فى زيارة إلى الحرم المكى، وكان شيخ الحرم المكى فى ذلك الوقت يقرأ من سورة البقرة إلى سورة الأنعام بقراءة ورش عن نافع، فرتل قائلًا: «وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا»، وقرأ فى الركعة الثانية: «إن ناشئة الليل هى أشد وطئًا وأقوم قيلًا»، فحرص الشيخ عبدالباسط على أن يقابله ليصحح له سهوه فى القراءة، فقال له: كان ينبغى أن تقرأ وتقول: «نبيئهم، بدلًا من نبيهم، وأشد وطائًا بدلًا من أشد وطئًا، فقد قرأت فى الآية الأولى بقراءة حفص ولم تقرأ بقراءة ورش، فأقره الشيخ على هذا السهو فى القراءة، وطلب منه أن يبقى فى الحرم المكى معهم.
نستكمل فى الحلقة المقبلة.