رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام جديد..هل من جديد؟!


 ومضى عام آخر من عمر الإنسانية، وتحركت عقارب الساعة في دقائقه الأولى حين انتصف ليل مفتتح العام الجديد لتعلن عن مراسم رحيله، وأغلقت الأبواب وراء ضيف كان بحق ثقيلًا ومطبقًا على أنفاس العالم أجمع، ليس فقط لأنه ألقى على ظهورنا عددًا جديدًا ينضاف لأرقام عدَّاد العمر الذي يتسرب من بين أيدينا عامًا تلو العام؛ بل لأنه قد سلب حيوات، وحصد أنفسًا، فمن منا لم يفقد عزيزًا أو حبيبًا في هذا العام الذي كساه الهلع والخوف من فيروس فتك وأودى بحياة أقرب الأقربين، وكنا نظنه حين استهللناه أنه سيكون مليئًا بطيب الأماني محملًا بما يسر البال ويجبر الخواطر محققًا للآمال، حاملًا بين جنباته الخير الكثير للبشرية جمعاء بعين التفاؤل التي تصبو بكل أمل نحو غدٍ أفضل وحياة أرغد لكل المحتفين بقدوم هذا الوافد وقتذاك.
         لست متشائمة بطبعي؛ بل أزعم أني من أشد المروجين لـ ثقافة الأمل وزرع التفاؤل في القلوب والعقول.. لكنني بحق تعلو وجهي دهشة كبيرة وفي قلبي غصة وأنا أحاول استرجاع أحداث هذا العام المنصرم من هول أحداثه المتلاحقة المباغتة التي يغلب عليها مشاعر الألم والأسى منذ الإعلان عن انتشار جائحة كوفيد ١٩ (كورونا) لقد طغت على مفرداتنا فيها البقاء لله أكثر مما نطقنا بالتبريكات والتهاني، تمنياتنا بالشفاء لكل مريض، ونحن في قرارة أنفسنا وإن لم نكن مرضى حينها نستشعر المرض ونترقب مهاجمته لأجسادنا في أي لحظة في غمار إحساسنا بالعجر أمام آلام يشيب لها شعر المرء من وصف أوجاع وآلام تتباين في قسوتها بحسب كل راوٍ وشاكٍ يريد بها تحذيرنا من مغبة الإصابة بهذا الفيروس اللعين القابض على تلابيب الجهاز التنفسي يمنع الأوكسجين أكسير الحياة، ويفتك بالرئة ويدمر خطوط الدفاع المناعية الربانية؛ ليحكم سيطرته ويتمكن من احتلال الجسد حتى تخور قواه وينهار ويفارق صاحبه الحياة محدثًا صدمة لكل من حوله، فهذا الفيروس لا يفرق بين صغير وكبير شاب أو فتاة طفل أو شيخ غني أم فقير، الكل تحت دائرة الخطر.

     يا إلهي.. إنها حرب خاضتها البشرية وحار فيها العلماء، وستظل نيرانها مشتعلة مع سلوكيات ما أنزل الله بها من سلطان يمارسها الإنسان، غير عابئ بعاقبة إهماله، ضاربًا بـ الإجراءات الوقائية عرض الحائط، ولا يدري أنه يُعرِّض نفسه ومن حوله لخطر الإصابة، ولا يفسح لعقله المجال للتأمل في هذا الاختبار الإلهي، الذي لو أحسنا التفكير لعرفنا أنه سبيل للعودة إلى إدراك قيمة الحياة، ودعوة إلى نبذ الأنانية الفردية التي استشرت، فأنت أصبحت مسئولًا ليس عن نفسك وسلامتك فحسب؛ بل مسئولية كل منا امتدت لتشمل كل من حولنا، فلا حياة ولا سلامة لشخص بمعزل عمن حوله، وبمرور الوقت قد تعود الروابط الإنسانية المتفردة إلى طبيعتها، وتقل نزعات الشر وحب الذات، فالمجتمعات القوية تبنى على أكتاف أشخاص متحابين متعاونين أصحاء.

        وبرغم سيطرة كابوس كورونا على الأجواء إلا أننا لا نستطيع أن نغفل خيرات كثيرة وهبنا الله إياها وإلا كنا من الجاحدين، فكل محيط أسري مر بأفراح وأتراح ومسرات ونجاحات وآمال طالما طرقها باب الأحلام، ومازالت الأحلام تداعب الجفون وتزحم العقول فلا سقف لها، ولا حدود، وتختلط الأحلام الخاصة دومًا بالأحلام والأمنيات العامة، مثلما تتوارى الأنانية الفردية خلف الانشغال بهموم الوطن ومشاكله، فتحقيق الأمنيات الفردية لا يبزغ شمسها؛ إلا في ظل وطن هانئ مستقر ينعم مواطنوه بالأمن والأمان.

     أطيب المنى وأجلها أن يمنح الله مصرنا المحروسة ثوبًا قشيبًا من عباءات الاستقرار والأمان المرجوين، آملين في أن يفتح العام الجديد طاقة نور تسهم في انقشاع كل ما يؤرقنا من مشكلات على كافة الأصعدة؛ ليعود مجتمعنا أكثر قوة وصلابة وتماسك في مواجهة كل المحن والخطوب التي تطيح بسكينة أقلامنا ككتاب مهمومين بأوطاننا.

      وإذا ما فتحنا الباب على مصراعيه للأمنيات، فحدِّث ولا حرج، فالأمنيات تتلاحق وتتقدمها أمنية اقتلاع ما تبقى من العشوائيات، والقضاء على الفقر والبطالة في الأوساط التي تعيش تحت خط الفقر؛ ونتمنى أن تشملهم الدولة بعين الرحمة مع استهلال العام الجديد، لتسير بمحاذاة محاربة الجهل والأمية، وبخاصة الأميَّة السياسية التي تعشش في عقول شرذمة من المغيبين الذين لا يفطنون لمعنى الوطن ومشكلاته، لانتشالهم من هذه الظلامية والتغييب، وهذا دور الدولة ومؤسساتها مجتمعة، المنوط بها أن تعمل كأوركسترا تعزف ألحان المجتمع المثالي الذي نأمله مستقبلًا، ونبنيه يدًا بيد مع القيادة السياسية الوطنية الحكيمة، لنقوم بدورنا ولنكون عونًا للدولة وليس معوقًا ولا حجر عثرة يحول بين تحقيق الآمال والأمنيات والطموحات التي تصبو إلى الحياة الكريمة المغموسة بالأمل والتفاؤل في ظل مجتمع متحاب، خالٍ من البلاء والوباء بإذن الله.

     ومع إشراقة شمس عامنا الجديد الذي نتمناه عامًا سعيدًا علينا جميعًا.. ومع موال شاعرنا المبدع( عمر الصاوي ) للنخل نحتكم:

يا نخل يا بو الشواشي في السما مِرْتِفْعَــة
يا عـالي بين الشجـر، فـي المجـد والرِّفْعَـة
قل لي إنت شايف إيــه؟
قال لي بصـوت فرحـان:
شايـف طيــور الأمـل على مصـر مِنْدِفْعَـة
أهلًا بالعام الجديد.. ويبقى السؤال:
هل من جديد؟ نتمناه جديدًا جميلًا بمشيئة الله تعالى.
كل عام ومصرنا تحيا بخير وسلام وأمان.