رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الاختراق الأكبر».. كشف الشبكة السرية لنفوذ الجماعة فى سويسرا

الإخوان
الإخوان

يمكن أن نعتبر الإجراءات الأمنية والحملات التى تنفذها سلطات الدول الأوروبية تجاه جماعة الإخوان الإرهابية، خلال الفترة الحالية، بمثابة صحوة أو انتفاضة ضد ذلك التنظيم الذى استشعرت أوروبا، حتى ولو بشكل متأخر، مدى خطورته على أمنها القومى والاجتماعى، خاصة فى النمسا وفرنسا وألمانيا، فى ظل تقارير تتحدث عن استعداد الدول الثلاث لاتخاذ تدابير جديدة ضد جماعات الإسلام السياسى وأبرزها الإخوان، مع تعرض دول أخرى مثل سويسرا، التى تعتبر بؤرة نفوذ التنظيم، لضغوط شعبية وسياسية لإنهاء وجوده على أراضيها.

وخلال السطور التالية، تستعرض «الدستور» أخطر تحليل لنشاط جماعة الإخوان فى سويسرا وحجم التمويلات التى تصل إليها لتوسيع دائرة نفوذها فى البلاد فى ظل سيطرة ٤ عائلات إخوانية على الدوائر المالية والاجتماعية فى ٥ مناطق كبرى فى البلاد، كما يكشف عدد من الخبراء والمحللين المعنيين بالشأن الأوروبى عن خريطة توزيع تلك العائلات، وكيف أنشأت منظمات خيرية وإسلامية كستار لإخفاء تمويلات الجماعة وغيرها من التفاصيل.

الخوف من سحب قطر مليارات الدولارات من بنوك برن يعرقل اتخاذ إجراءات رادعة
كشفت تقارير دولية عن وجود تحركات على المستوى البرلمانى والسياسى والأكاديمى فى سويسرا لاتخاذ إجراءات مماثلة للتى اتخذتها النمسا وفرنسا فيما يتعلق بمكافحة نفوذ الإخوان هناك، كان أحدثها استجواب قدمه نائب حول أنشطة الجماعة والتمويلات التى تدخل للمنظمات التابعة لها، فضلًا عن الدعم القطرى المشبوه لتلك المنظمات.
وقدمت ماريانى بيندر، النائبة عن الحزب الديمقراطى المسيحى المشارك فى الحكومة السويسرية، استجوابًا لبرلمان بلادها تتساءل فيه عن التمويلات الخارجية للإخوان وهيكلها وطبيعة أنشطتها، مستشهدة فيه بكتاب «أوراق قطر» للكاتبين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شينو، الذى كشف عن نفوذ الإخوان فى سويسرا فى كثير من المؤسسات السياسية والمجتمعية والتعليمية بدعم قطرى غير مسبوق.
واستشهدت «بيندر» أيضًا فى استجوابها بمقالات الكاتبة السويسرية التونسية الأصل سعيدة كيلر مساهلى التى تؤكد فيها أن سويسرا هى قلب شبكة الإخوان فى أوروبا، داعية الحكومة لاتخاذ موقف عاجل لحظر جماعات مثل الإخوان ووضعها على قائمة التنظيمات الإرهابية.
وردت الحكومة السويسرية على استجواب «بيندر»، مؤكدة أن هناك دراسة تجرى الآن لمنع التمويلات الخارجية لجماعات التطرف والإرهاب، فضلًا عن الكشف عن تمويلات المؤسسات الدينية فى البلاد.
ومنذ ٢٠١٨، بدأت الاستخبارات السويسرية تحقيقات واسعة حول التنظيمات الإخوانية وعمليات التمويل وغسل الأموال فى البنوك السويسرية، وخلصت التحقيقات إلى وجود عدة تنظيمات تابعة للإخوان، منها جمعية الجماعة الإسلامية فى كانتون، ومركز الثقافة الاجتماعية للمسلمين فى لوزان، ومؤسسة الثقافة الاجتماعية فى سويسرا، وهى من أهم التنظيمات الإخوانية فى سويسرا، ومؤسسة التأثير الاجتماعى والثقافى، واتحاد مسلمى سويسرا، والاتحاد الإسلامى للمعلمين، ورابطة المنظمات الإسلامية فى زيورخ، والجماعة الإسلامية فى زيورخ، والهيئة الإسلامية العالمية الخيرية، ومنظمة الكرامة، والمجلس الإسلامى العالمى، والمجلس المركزى الإسلامى السويسرى.
وقال الكاتب والمحلل السويسرى الفرنسى إيان هامل، المتخصص فى شئون الشرق الأوسط والإسلام السياسى، إن جماعة الإخوان فى سويسرا هى الأخطر فى أوروبا، لأن سويسرا مركز شبكة الإخوان، وهى التى أقام فيها ما تبقى من عائلة حسن البنا مؤسسها، حيث ولد طارق رمضان حفيد البنا هناك ونشأ فيها بعد أن زرع سعيد رمضان والده وصهر «البنا» نفسه فى البلد، ووسع من دائرة نفوذ الجماعة فيها.

وأضاف «هامل»، لـ«الدستور»، أن سويسرا لن توسع إجراءاتها ضد الإخوان مثل النمسا وفرنسا، لأن البنوك السويسرية تدير مليارات الدولارات المملوكة لقطر، مشيرًا إلى أن «الحكومة السويسرية تتحسس أمرها وتحاول معرفة ما إذا كان اتخاذ موقف رسمى ضد الجماعة سيؤثر على ضخ الأموال فى بنوك البلاد أم لا؟».
وذكر أنه إذا اتخذت الحكومة السويسرية إجراءات مماثلة لما اتخذته النمسا وفرنسا، ستحاول ألا تخاطر بخسارة الأموال التى تصل إلى اقتصادها من الدول الداعمة للجماعة وخاصة قطر، مشيرًا إلى أنه عندما حاولت جامعة جنيف رفض أطروحة الدكتوراه لطارق رمضان، حفيد البنا، هددهم بوقف التمويلات، ليس للجامعة فقط بل لسويسرا ككل.
وواصل: «تراجع الجامعة وقتها كان بسبب مخاوفها من وقف الأموال، والسويسريون عقدوا صفقة مع جامعة ألمانية، ومقرها برلين، لمناقشة أطروحة رمضان، ودعمه فى ذلك النائب اليسارى السويسرى السابق جان زيجلر ومثقفو اليسار فى منطقة جنيف تحديدا، والتى يسكنها أثرياء قطر ويمتلكون فيها أصولًا ضخمة ويمارسون تأثيرات واسعة على الساسة والمجتمع السويسرى».
وأشار إلى نقطة مهمة ينفذ منها الإخوان إلى الرأى العام السويسرى هى الإعلام، حيث إن هانى رمضان شقيق طارق رمضان يكتب بشكل دورى ومنتظم فى أهم وسائل الإعلام السويسرية ومنها صحيفة «لا تريبيون دو جنيف» وهو أمر خطير للغاية.
4 ملايين تمويلًا من الدوحة.. و35 ألف دولار راتبًا شهريًا لـ«طارق رمضان» فقط
استثمرت الدوحة عن طريق مؤسسة يورو قطر الخيرية أكثر من ٤ ملايين يورو فى دعم شبكة الإخوان فى سويسرا فقط، فضلًا عن صرف رواتب شهرية لرموز الجماعة، وعلى رأسهم طارق رمضان، حيث تقدم له نحو ٣٥ ألف دولار راتبًا شهريًا نظير عمله مستشارًا للمؤسسة على الورق.
وسويسرا ليست دولة أوروبية عادية بالنسبة لقطر، بل هى محور شبكة الإخوان فى أوروبا، وذلك لرمزيتها الكبيرة، وإقامة أسرة سعيد رمضان، صهر «البنا»، هناك، ووجود عدة عائلات إخوانية شهيرة أخرى، وهى الأرض التى تستضيف عدة موجات من اللاجئين المنتمين إلى الجماعة منذ الخمسينيات.

وذكر تقرير لـ«جلوبال ووتش انلاسيس»، أن جماعة الإخوان تنتشر فى سويسرا فى ٥ مناطق رئيسية، هى جنيف ونيوشاتيل وفو وتيسينو وزيورخ، وتتزعم تلك المناطق عائلات إخوانية هى عائلة رمضان فى جنيف، وعائلة كرموس فى نيوشاتيل وفو، وعائلة يوسف ندا وغالب همت فى تيتشينو وزيورخ.
وأصبحت جنيف منطقة حصرية لسلالة «رمضان»، وهى وريثة سعيد الذى أسس فى جنيف عام ١٩٥٩ مركزًا إسلاميًا هناك امتد نفوذه إلى ألمانيا، وخاصة فى ميونيخ.
وبعد وفاته فى عام ١٩٩٥، تولى ابنه الأكبر «هانى» منصب رئيس المركز الإسلامى فى جنيف «ICG»، وفى عام ٢٠٠١، تم إنشاء مؤسسة باسم سعيد رمضان، يقودها هانى رمضان، ويتألف مجلس إدارتها من أفراد الأسرة، وهم أرملته وفاء وأبناؤه هانى وأيمن وياسر وبلال وطارق وابنته الوحيدة «أروى».
فى الآونة الأخيرة، تلوثت سمعة عائلة «رمضان» بسبب الفضائح الجنسية لـ«طارق» المتهم بالاغتصاب من العديد من الضحايا فى فرنسا وسويسرا.
وفى منطقة نيوشاتيل وفو، أنشأ الإخوانى محمد كرموس وزوجته نادية نحو ١٢ جمعية إسلامية، لتسيير نشاط الإخوان، تدعمها قطر، مثل رابطة مسلمى سويسرا «LMS»، والمركز الاجتماعى والثقافى لمسلمى لوزان «SCML»، ومؤسسة «MESF»، واتحاد المعلمين «IUT»، والرابطة الثقافية للنساء المسلمات فى سويسرا «CAMWS».
فى عام ٢٠١٦، بدأ الزوجان تنفيذ مشروع يهدف إلى إنشاء متحف مخصص لـ«حضارات الإسلام» وتلقى تمويلًا يزيد على مليون فرنك سويسرى من مؤسسة قطر الخيرية.
وتسيطر على منطقة تيسينو شخصيتان إخوانيتان مرتبطتان بالتنظيم الدولى، هما يوسف ندا وعلى غالب همت، وبدأت تتكشف الأنشطة السرية لـ«ندى» و«همت» عام ٢٠٠١ بعد هجمات ١١ سبتمبر، وبعد التحقيقات مع بنك التقوى المشتبه به فى تمويل الإرهاب.
ولا يزال على غالب همت، مديرًا للجماعة الإسلامية فى تيسينو «ICCT»، التى أسسها فى عام ١٩٩١، ويرأس ابنه يوسف همت منتدى المنظمات الأوروبية للشباب والطلاب المسلمين «FEMYSO».
ويظل يوسف ندا شخصية بارزة فى تنظيم الإخوان، وكان ممولًا غامضًا له لأكثر من نصف قرن، ويظهر اسمه رسميًا فقط كعضو مؤسس لمؤسسة المجتمع الإسلامى فى زيورخ «FICZ»، ويبدو أن ابنه ناظم ندا، ورث عن أبيه ثقافة السرية وإخفاء الأموال، وهو يمول عناصر الجماعة فى سويسرا وإيطاليا.

ويعد أبرز الأمثلة على نفوذ عائلتى «ندا» و«همت» فى سويسرا إسقاط كل من التحقيقات السويسرية والإيطالية التى بدأت فى ٢٠٠١ حول «ندا» وبنك التقوى الذى أسسه، حيث قدمت سويسرا وإيطاليا التماسًا إلى لجنة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة لإزالة اسم الأخير من القائمة السوداء لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٢٦٧.
وفرّ الكثيرون من عناصر حركة النهضة التونسية إلى أوروبا فى التسعينيات، خاصة سويسرا، وتعززت بيئة الإخوان هناك، بسبب تدفق نشطاء الحركة تباعًا من تونس.
وفى جنيف أسس نشطاء حركة النهضة العديد من المنظمات غير الحكومية ومنهم العربى القاسمى، وأنور الغربى، وهما من الرموز التى نظمت فعاليات ثقافية مع طارق رمضان وحليفه السويسرى جان زيجلر.