رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب: نظرية الحب


لم ألتق أحدهم يعرف على وجه التحديد ما هو الحب. إنه ذلك الشيء الذي لا نعرف له معنى دقيق، نحتاج إلى «حاسة الحب» لكي نتفهم الأمر، وهو شيء نسبي يختلف من واحد منا للآخر.

العلم يعرِّف الحب بأشياء تتحدث عن تحركات كيميائية في الجسم والمخ، تؤدي لإفراز هرمونات مسؤولة عن البهجة والسعادة، وعلى أية حال هذه هي النتيجة، وليست للحب فقط، وإنما لما يحدث إذا شعرت بشيء قوي يخترق جسدك بقوة ويفرض نفسه عليك فقد يكون مجرد إعجاب، تمني وأمل.

في أحد الأيام، ربما قبل 16 عاما، كنت أقف بعد المدرسة أنتظر فتاة ما، كأي طفل أبله في هذا السن، وكان معي صديق لي، وقال لي إنه يحب فتاة، ثم عاد وسألني: كيف هو الحب؟ وقلت له وقتها، إنه يشبه الخوف.. تشعر أن شيء ما كالشبح يتحرك في أمعائك وصدرك. ما زلت أذكر حديثنا حتى الآن، رغم أني أملك ذاكرة السمك. كان رده عليّ وقتها أني أجيد التعبير. يقصد لفظيا.

علينا هنا أن نفرق بين الحب الذي نكنه للأهل والأصدقاء، وبين شريك الحياة، فالأول مهما كان لا يفرز فيه المخ هذه الأمور، ربما تشعر معهم بالراحة، وتقدر قيمته في لحظات الفقدان، لكن على أية حال لا تملك تلك الفرصة لكي تنفجر طاقاتك من الداخل وتشعر بهذا الحب.

أما حب الآخر، الذي نختاره، ليقترن بنا، هو أمر مختلف تماما. أنت تعيش تجربة كاملة، من لحظة الرؤية مرورا بأنهار العشق التي تتفجر بداخلك، والخيالات المحمولة على أجنحة الطيور، وصولا لعدة نهايات متفرقة، قد تكون زواج، لتبدأ قصة جديدة، أو انفصال، أو أي شيء آخر.

وأما الحب فهو نفسه واحد لا يتغير، ولكن نحن من نتغير، نحن من نملك الميزان الذي نقيس به، ولكن لأننا لا نعرف أقصى وزن يمكن حمله، فإننا في كل مرة نظن أنه الحب، لأننا لا نعرف حقا ما هو الحب.. عند أي مرحلة يكون هذا حب؟. هناك الكثير من القصص التي نراها على "فيسبوك" تبدأ برسائل غرام بين اثنين تطفح عشقا، وتنتهي برسائل "تطفح صرف صحي"، وهذا هو الإفراط في المشاعر، والذي يعد أبرز سمات عدم وجود الحب، وإنما النزوة.

أرى أننا جميعا نمر بنزوات، أنا عشت منها الكثير، وفي كل مرة منها كنت أظن أنه الحب، ولكن بعد ذلك أعود وأسأل نفسي هل فعلا هو كذلك؟ وأنا على يقين من الجواب.. لا.

نحن نحب الخيال، أكبر خطأ تقع فيه عندما ترى إحداهن أو أحدهم، أن تتصور مستقبلكما وحديثكما، وأن تبني معه رحلتك في الحياة، لأنك حينما تصطدم بالواقع، وأن هذا الآخر لا يبادلك نفس المشاعر، تشعر بحزن كبير، ويرحل الآخر عنك، ولكن خيالك يبقى!

الحب له مراحل، يبدأ ويتطور وينمو، ولكن هناك مرحلة لا تُغفل، المنعطفات، المرور منها هو الدليل.

لا يمكن أن يكون هناك سلوك واحد يسلكه المتحابون، لأنه في النهاية كل شخص له طريقته، ولذلك فالمسارات المحتملة لا نهائية، فلا يمكن أن تبني قصتك على قصص آخرين.

بعد الهلع والولع والشجن والصعود، يحدث هبوط، واستقرار، هنا تشعر بالممل وتشعر باللاحب، رغم أنكما كنتما روميو وجوليت، ولكنك ضجرت، مللت، هذا هو الإنسان، فالحب لا يكون جليا إلا حينما يشبه تفاحة «آبل» التي تنقصها قضمة، هناك جزء دائما غير مكتمل، وغير مشبع، تعود دائما من أجله وتفكر فيه، وتحاول أن تحصل عليه، فلو حصلت عليه، ستدخل «بيت الفتور»، هذا لا يعني أن الحب انتهى، ولكن أنك فقدت شهوته. وهنا تلعب العقول دورها.

لماذا تتغير العلاقات بعد الزواج؟ لأن هذا ما يحدث، معركة يحسمها أحدهما لصالحه، يحصل كل طرف من الآخر على ما يريد، لم يعد هناك اشتهاء في قضمة من أي شيء، فلا يبقى "إلا السكن والرحمة" وهما الأعمدة التي تقوم عليها علاقة الزواج، هذا هو المسار الأبدي للحب.

القصص الرومانسية الشهيرة كانت تتوقف دوما عند ذروة الحب، اللحظة التي يطلب الحبيب من حبيبته أن تبادله ما يشعر به فتوافق، أو يتزوجا، وهكذا، أم الاستمرار بعد ذلك، يجعل الطريق يكتمل للمنطقة التي لا تركز عليها الدراما، العلاقة العادية المبنية على الود والتعايش والتفاهم والتسامح، وكل تلك الأمور التي تعتمد بالأساس على الحب، ولكنه لم يعد بنفس المعنى "الشقي المراهق" ولكن هذا لون مختلف، أنت تختلف، وهي كذلك، لا شيء يعود كما كان.

وهناك مسار آخر طويل المدى، وهو أن تنتهي الأمور بعد الذروة، قطفة وانتهى الأمر. أن يرحل أحدهما، فيعيش الآخر على ذكرى مؤلمة!

ما الفرق هنا؟ لا شيء سوى العقول والبيئات والأفكار والشخصيات، هناك احتمالات ضخمة لا يمكن حصرها.

أحيانا أفقد الإيمان بفكرة الحب، وأنه لا وجود لهذا الأمر، أو أنه نادر الحدوث ولا دخل ليد البشر فيه، وأحيان أخرى أعتقد أنه يمكننا أن نبني هذا بأنفسنا، وقد نفكر أن العقل هو السبيل الأمثل للاختيار الأفضل، صراحة أن لا أعرف له سبيلا، ولا لم أر من يعرف، سمعت بعضهم يتحدث بطريقة عن الحب، وبعد فترة يقول عكسها تماما، فهو أيضًا أسير اللحظة التي يعيش فيها والمواقف التي مر بها ونشأته وحياته.

ولكن على أية حال، لم أر أجمل من البساطة، والتي لا تحتاج لكل ما سبق ذكره، أن تحدث الأمور هكذا بلا تصرف ولا خطط.

ما أقوله أننا يمكننا أن نضع أي تعريف نريده للحب، ولكن في النهاية التعريف ليس المشكلة، وإنما نحن. نحن التطبيق العملي للحب، ووفقا لنا يتغير التعريف.