رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراما الحنين إلى الماضى



فى حوار نسجه بحرفية الدراماتورجى الكاتب المبدع المصرى الوجدان والإحساس، أسامة أنور عكاشة، عبر أحد مسلسلاته التليفزيونية التى تمثل علامة مهمة فى كتاب تاريخه الإبداعى «رحلة السيد أبوالعلا البشرى» عام ١٩٨٦.. جاء على لسان بطل العمل الذى أبدع فى أداء دوره العبقرى «محمود مرسى» وهو يستعرض ملامح زمانه الطيب الذى كاد أن يغيب وتغيب ملامحه أو تنقرض وتتلاشى من ذهنية أو أمامية الكادر لدى شبابنا بكل ما يحمل من مشاعر إنسانية وذبذبات هارمونية حالمة.. ونتابع معه الحوار التالى بينه وبين عروس شابة يحبها «البشرى» ويحب زوجها بأحاسيس أبوية رائعة:
ــ مشكلتك إنتى ومجدى يا نجوى هى مشكلة كل اللى بيحبوا الأيام دى..
ــ مش فاهمة؟!
ــ الحب النهارده صابوا اللى صاب الدنيا والناس والأخلاق.. مبقاش أبدًا زى الحب بتاع زمان..
أنا بتكلم عن الحب المثالى.. بعذريته ورومانسيته.. لمسة الطُهر اللى فيه.. روح الشاعرية اللى جواه.. زمـان كنا نحب زى ما نقرا الشعر أو نسمع مزيكا أو نتفرج على لوحات ناجى وصبرى ومحمود سعيد.. كانت لمسة من الإيد.. مجرد لمسة.. تغيبنا عن الوجدان، ونظرة من العين تسهرنا للفجر.. وكانت رعشة الكلمة الحلوة على الشفايف تبكينا.. تصورى إن إحنا كنا بنخاف من القرب أكتر من البعد، وفى البعد نرجع نحن للقرب تانى.. كانت الأشياء البسيطة جدًا فى الحياة يبقى ليها قيمة كبيرة أوى.. وشوشة الريح للشجر، نور القمر فى المكان حواليه، كل حاجة كان بيبقى ليها طعم ومعنى ومتعة.. أغانى أم كلثوم كنا نقعد نسمعها بالساعات منتكلمش خالص وفى نفس الوقت بنقول كل حاجة!
ويواصل «البشرى»: عشان كده الحب كان بيفضل ويعيش مهما فصلت بين المحبين بـلاد وفرقت بينهم جبال.. إنما دلوقتى كل حاجة سهلة.. مبقاش فيه حاجة غالية ولا عزيزة أبـدًا.. الحب مبقاش يستحق حتى المحاولة، بقى ساندوتش تاكلوه وإنتوا ماشيين فى السكة وتهضموه قبل ما توصلوا!.. عريسك لما حكالى على الصعوبات اللى بينكوا صدقينى أنا فرحت.. المشاكل دى بتكبر الحب، بتصعبه مبتسهلوش، الحب لما بيبقى صعب بيفضل يا بنتى.. بيعيـش.
لقد تعمدت استكمال عرض تلك الجملة الحوارية لتشاركنى عزيزى القارئ الاستمتاع بكل أبعاد الصورة الشعرية الرومانسية التى ترسم وتبرز وهج وصدق مشاعر أهل الحب زمان على مسطحات لوحات فنان عبقرى خبر العشق وعرف جماليات مشاهده، فانسابت ألوانه تحكى حواديت بديعة للهوى والغرام فى رقة وتكوينات متماسكة ومتناغمة الألوان فى فضاء محتضن العشاق، وتداخلات وتمازجات لا تفصل أبطال الحدوتة عن كونهم اللا نهائى الأبعاد، حيث عناصر الطبيعة تحتويهم.. والأهم ما يتلاحظ من حالة تملكته من حنين جارف إلى ماضٍ يسعده، ويرى خلو عالم الأجيال الحالية فيحكى ويتحاكى.
الكون يمضى ويدور فى حال سبيله، ولكن يبقى الحنين إلى الماضى باعتباره أحد مكونات النفس الإنسانية، وواحدًا من أسرار احتفاظ التاريخ بخصوصياته الجاذبة لنا نستدعيها فى شغف ولهفة وحالة من الرضا والامتنان.
عند إجراء إحدى التجارب العلمية حول آثار ظاهرة «الحنين إلى الماضى» فى حياتنا، أكدوا أنه عندما تم حث الباحثين المشاركين فى التجربة على الاستغراق فى التفكير فى الماضى من خلال كلمات الأغانى العاطفية أو الذكريات، شعر المشاركون بإحساس أكبر بالاستمرارية الذاتية جرى قياسه وفقًا لمؤشر مُعتمد يطرح على المشاركين أسئلة تقيس مدى شعورهم بالارتباط بالماضى، والجوانب الجوهرية من شخصياتهم التى لم تتغير بمرور الزمن، أوضح كونستانتين سيديكايدس، عالِم نفس فى جامعة ساوثهامبتون فى إنجلترا، والمؤلف الرئيس للدراسة التى نُشرت مؤخرًا فى دورية «إيموشن» Emotion، هذا الأثر فى دراسة أجراها فى عام ٢٠١٥. ولكن فى هذه الدراسة، وجد الباحثون أن الشعور بالحنين للماضى يعزز من الإحساس بالاستمرارية الذاتية عن طريق زيادة الإحساس بالترابط الاجتماعى؛ إذ إن الذكريات العاطفية غالبًا ما تضم أحباءنا، وهو ما يمكن أن يذكرنا بشبكة اجتماعية تمتد لتشمل الكثير من الناس عبر العديد من الفترات الزمنية.