رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أردوغان يسىء للإسلام أكثر



الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، يحاول اختطاف الإسلام، ليلصق به كل أفعاله المشينة. وعبر أئمة وخطباء المساجد، الذين أرسلهم إلى أوروبا، لم يربط فقط بين الدين الإسلامى والإرهاب، بل ربطه أيضًا بالعمالة والتجسس. وإذا كان الإمام والخطيب بالدف ضاربًا، فطبيعى أن يتشكك المواطن الأوروبى فى كل مَن يؤمهم ويخطب فيهم.
يقتنص أردوغان أى فرصة لإظهار نفسه وصيًّا على الإسلام، ويقوم بتحريك عملائه ووسائل إعلامه الرسمية والتابعة لتكفير كل قادة وزعماء دول العالم الإسلامى، باستثناء حلفائه. وبات فى حكم المؤكد أنه يدعم الإرهابيين المتمسحين فى الإسلام، تمويلًا وتسليحًا وتدريبًا، ويوفر لهم الملاذات الآمنة، ويتيح لهم منصات إعلامية، يقومون عبرها بتحريض أتباعهم وتجنيد آخرين.
فى بداية تسلمه الحكم، استغل أردوغان علاقاته الجيدة مع الدول الأوروبية، لإرسال عدد كبير من الأئمة الذين تم إعدادهم فى أنقرة، لنشر التطرف والترويج لنسخة مشوهة من الإسلام والقيام بأنشطة مخابراتية أبسطها التجسس على معارضى النظام التركى. وإجمالًا، قدمت سلوكيات، أفكارهم ومناظر هؤلاء، دعاية سوداء للإسلام وللمسلمين. وسبق أن أشرنا، فى مقال سابق، إلى أن المساجد والمراكز الدينية، التى تمولها تركيا أو قطر، فى دول العالم المختلفة، ليست دورًا للعبادة، واستشهدنا بوثائق تؤكد تورطها فى أنشطة تجسسية وإرهابية.
تدير تركيا المساجد فى الخارج من خلال «مؤسسة الاتحاد الإسلامى التركى»، المعروفة اختصارًا باسم «ديتيب»، التى كانت شبه مستقلة، ثم صارت خاضعة لسيطرة أردوغان وحزبه: حزب العدالة والتنمية. كما تحولت، أيضًا، وكالة التعاون التركية «تيكا»، من مؤسسة إغاثية ودعوية إلى ذراع للمخابرات، وكذا «مؤسسة معارف»، التى تستهدف نشر النموذج التركى للتعليم الدينى فى الخارج، عبر تقديم المنح الدراسية، وإنشاء المدارس وتدريب المعلمين.
بعد فوات الأوان، أو قبل فواته بقليل، اكتشفت تلك الدول الدور الأساسى لهؤلاء الأئمة، وحدث أن حاولت السلطات الألمانية فتح تحقيق مع عدد من هؤلاء الأئمة للاشتباه فى تجسسهم على معارضين أتراك، لكن المعلومة تسربت إلى أنقرة، فأعادتهم إلى تركيا. وما حدث فى ألمانيا تكرر فى بلجيكا التى ألغت فى أبريل ٢٠١٧، ترخيص «مسجد الفتح»، بعد أن اكتشفت عمالة إمام المسجد للمخابرات التركية وقيامه بالتجسس على الأكراد وأنصار فتح الله جولن.
قيل إن ألمانيا، بلجيكا، هولندا، سويسرا، النرويج، والسويد فتحت تحقيقات حول الأئمة الأتراك، بسبب تجسسهم لصالح المخابرات التركية. وفى ٢٥ سبتمبر ٢٠١٩، قرر البرلمان السويدى إغلاق المساجد التابعة لتركيا، بعد ثبوت أن تلك المساجد ليست دورًا للعبادة، بل امتدادات سياسية ومخابراتية للرئيس التركى وحزبه. وفى الشهر نفسه ألقت السلطات الإيطالية القبض على عشرة أشخاص، من بينهم إمام مسجد، قاموا بتمرير أموال إلى تنظيم القاعدة فى سوريا. وذكرت نيابة لاكويلا، كبرى مدن منطقة أبروزو، فى بيان، أن جزءًا من تلك الأموال كان مخصصًا لأئمة فى إيطاليا «صدر ضد أحدهم حكم نهائى لإدانته بالانتماء إلى شبكة إجرامية».
أئمة المساجد والدبلوماسيون الأتراك، فى مختلف عواصم العالم، إجمالًا، إما جواسيس، أو يشرفون على شبكات تجسس، أو يديرون تنظيمات إرهابية وشبكات سرية لغسل الأموال. وأضف إلى ذلك أن هناك تقارير عديدة، مدعومة بوثائق مكتوبة، مسموعة، ومرئية، أكدت أن عناصر تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية منتشرة فى كل أنحاء تركيا، وأن الحكومة التركية تمنحها مساحة تنفس كافية وحرية تنقل، تمكنها من التخطيط والانطلاق لشن هجمات فى أوروبا. ولعلك تتذكر أن أبو بكر البغدادى، زعيم «داعش»، تمت تصفيته، فى إحدى مناطق محافظة «إدلب» السورية، الواقعة تحت سيطرة الجيش التركى.
منذ نصف قرن، تحديدًا فى ٢١ أغسطس ١٩٦٩، اجتمع قادة ورؤساء ٢٥ دولة إسلامية فى العاصمة المغربية الرباط، وقرروا إقامة تجمع أو تكتل يدافع عن الإسلام ويمثل الصوت الجماعى للدول الإسلامية، ويخدم قضاياها المشتركة، ويحمى المصالح الحيوية للمسلمين، فكانت «منظمة المؤتمر الإسلامى»، التى صارت لاحقًا «منظمة التعاون الإسلامى» واختيرت مدينة جدة السعودية مقرًا مؤقتًا للمنظمة، إلى أن يتم تحرير القدس، لتكون هى المقر الدائم. وتباعًا، انضمت الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى المنظمة، حتى وصل عدد الدول الأعضاء إلى ٥٧ دولة، وصارت المنظمة ثانى أكبر منظمة حكومية دولية، بعد الأمم المتحدة.
أقل واجب يمكن أن تقوم به تلك المنظمة، منظمة التعاون الإسلامى، لو كانت فعلًا تريد الدفاع عن الإسلام وحماية المصالح الحيوية للمسلمين هو أن تقوم على الفور بشطب عضوية تركيا، أو تجميدها على الأقل، بعد أن بات القاصى والدانى والواقف بينهما يعرفون أن أردوغان يحمل فى يده نسخة من «ريموت كونترول» التنظيمات الإرهابية، حول العالم، إلى جانب تحكمه فى نسخة أخرى، عبر العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة.