رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تطوير الصعيد


التطوير بصفة عامة سمة من سمات الدول المتحضرة، ولعلنا نلاحظ أن هناك اهتمامًا كبيرًا لتطوير الدولة كلها، واتجاه الحكومة نحو الحوكمة، لضمان الأداء الجيد، مع تقليل كبير لتعامل الجمهور مع الموظفين من خلال المنظومة الإلكترونية. كما تحاول الحكومة بحث سبل التنمية فى الصعيد، ولأجل هذا اتجه معظم المشروعات الاستثمارية فى كل المجالات إلى التنمية العقارية والسياحية والتعليمية.
البنية التحتية فى الصعيد لا تزال كما هى لم تصل إليها التنمية، والبنية التحتية هى الطرق والمواصلات والنقل والصرف الصحى والإسكان، وهى العوامل التى تسبب الاستقرار للإنسان فى موطنه، فضلًا عن دورها فى التنمية وتحقيق الاستثمار.
فعلى سبيل المثال، لا يزال الناس فى الصعيد يعانون داخل البنوك، وفى مكاتب البريد الضيقة، وفى مكاتب التأمينات الاجتماعية التى ضاقت كلها عن استيعاب النشاط المتزايد فى تلك المكاتب، وأصبح الزحام داخل تلك المكاتب وحولها دليلًا على التخلف والتخبط، ليس مقبولًا أن نشاهد أول كل شهر طوابير أصحاب المعاشات تتجمع أمام مكاتب البريد وموظفًا واحدًا ليصرف لمئات المتعاملين معه يوميًا، خصوصًا فى وقت نعانى فيه من جائحة كورونا، فضلًا عن شعور هؤلاء المتعاملين مع تلك الهيئات بالامتهان والازدراء من جانب بعض الموظفين.
كما أن معظم مدن الصعيد لم تستكمل بها مشروعات الصرف الصحى، وهو الأمر الذى يهدد ثروتها العقارية والأثرية، ويعرضها لخطر الانهيار بفعل التعرض للمياه الجوفية، فضلًا عما يشكله تجمع مياه الصرف فى بيارات العقارات من خطر على النظافة العامة وصحة الناس، والمصير الغامض الذى ينتظر الأهالى هناك من اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف لا قدر الله.
أما عن مشكلة النقل بين المحافظات والتنقل خلال مدن الصعيد فهى متروكة لإمبراطورية الميكروباص بكل جبروتها، التى تعد بازدحامها بيئة صالحة لنشر مرض «كورونا»، تمامًا كما يعانى منه سكان الضواحى فى القاهرة.
هناك من يقول إن الطرق الصحراوية تحل محل هذا الطريق، ولكن الواقع يقول إن الطريق الزراعى لا بديل عنه، فهو يربط كل مراكز الصعيد وقراها بالعاصمة، والطريق الصحراوى يربط عواصم المحافظات فقط، وهناك صعوبة فى استخدام هذا الطريق على سكان المدن والقرى فى وادى النيل، فهو بعيد عن التجمعات السكانية وفى أماكن خالية وغير مأهولة.
لقد اختفى تمامًا من الساحة أسطول أتوبيسات الركاب، الذى كان مملوكًا لهيئة النقل العام، واكتفى هذا الأسطول بنقل الركاب من القاهرة إلى عواصم المحافظات فقط، كما لا توجد شركات لنقل الركاب بسيارات مينى باص أو حتى أتوبيسات، كتلك الموجودة فى مدينتى القاهرة والإسكندرية.
أما عن السكة الحديد فهى لم تعد تصلح لمواكبة حركة نقل الركاب فى الأقاليم لعدم انتظام مواعيدها من ناحية، وتأخيرها المستمر، فضلًا عن انهيار إدارتها وعدم التوسع فى استخدام الأجهزة الحديثة سواء لبيع التذاكر أو مراقبة القطارات وترك المحطات لموظفين لا يحسنون التعامل مع الناس ما جعل الهيئة كجسد ضخم دون توجيه.
أما عن مشكلة الإسكان فى الصعيد حتى الآن فلا يوجد تفسير منطقى لهذا الارتفاع الجنونى فى أسعار العقارات والشقق والمنازل فى الصعيد، وهو الأمر الذى يهدد التنمية فى الصعيد من أساسها، وهو ما يفسر حركة النزوح من مدن الصعيد إلى القاهرة والإسكندرية.