رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن «القاعدة» وأشياء أخرى


التوجه السياسى لوسائل الإعلام قد يؤدى إلى كوارث، ونتصور أن السلطات الإيرانية كانت فى غاية السعادة حين وجدت صحفًا ومواقع إلكترونية، سعودية، عربية وأجنبية، تبلع الطُّعم، وتنقل عن تغريدات صحفيين ونشطاء إيرانيين، أن «حبيب داود»، ينتمى إلى «حزب الله» اللبنانى.
المذكور، أو صاحب هذا الاسم الحركى، لقى مصرعه هو وابنته فى أحد شوارع العاصمة الإيرانية، فى ٧ أغسطس الماضى، ووقتها ذكرت وسائل إعلام إيرانية، من بينها وكالة أنباء «مهر»، شبه الرسمية، أنه لبنانى الجنسية، عمره ٥٨ سنة، ويعمل أستاذًا للتاريخ، ونقلت عن مصدر فى شرطة طهران، أن الضحيتين كانا فى سيارة، عندما أطلق عليهما الرصاص راكب دراجة نارية مجهول.
فات شهر، تلاه شهران وعدة أيام، واتضح أن القتيل ليس لبنانيًا، ولا علاقة له بالتاريخ أو بـ«حزب الله»، بل هو قيادى بتنظيم القاعدة، اسمه عبدالله أحمد عبدالله على، أو «أبومحمد المصرى»، ويحمل الجنسية المصرية، ونقلت جريدة «نيويورك تايمز» عن مسئولين فى المخابرات الأمريكية أن المجهول، الذى قام بتصفيته، عميل للموساد الإسرائيلى، والمعلومات نفسها أكدها أمس الأول، الأحد، أربعة مسئولين أمريكيين، سابقين وحاليين، وصفوا «المصرى» بأنه الرجل الثانى فى التنظيم الإرهابى.
الولايات المتحدة رصدت مكافأة قدرها ١٠ ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات تقود إلى إلقاء القبض عليه، وحسب مكتب التحقيقات الفيدرالى، «إف بى آى»، الذى وضعه على قائمة أخطر الإرهابيين المطلوبين، فإن «أبومحمد المصرى» له أسماء حركية عديدة، ومتهم بقتل، والتآمر على قتل، مواطنين أمريكيين خارج الولايات المتحدة، وبالمشاركة فى تفجير سفارتى الولايات المتحدة فى العاصمتين الكينية نيروبى والتنزانية دار السلام، فى ٧ أغسطس ١٩٩٧، ولعلك لاحظت أن تصفيته حدثت فى اليوم نفسه.
المصرى، كان واحدًا من كبار زعماء «القاعدة»، الذين لجأوا إلى إيران بعد الغزو الأمريكى لأفغانستان، سنة ٢٠٠١، وسنة ٢٠١٥ زعمت السلطات الإيرانية أنها عقدت صفقة مع التنظيم، أطلقت بموجبها سراح خمسة من قادة التنظيم، من بينهم «المصرى»، مقابل تسليمها دبلوماسيًا إيرانيًا كان مختطفًا فى اليمن، غير أن ما حدث، هو أن هؤلاء الخمسة، لم يكونوا محتجزين، بل كانوا يعيشون فى طهران تحت حماية «الحرس الثورى»، ثم المخابرات ووزارة الداخلية.
باحث لبنانى فى مجال التعليم، لديه إمكانية الوصول إلى قوائم جميع أساتذة التاريخ فى البلاد نفى لـ«نيويورك تايمز» وجود شخص باسم «حبيب داود» فى تلك السجلات، وعمر المذكور، الذى ذكرته وسائل الإعلام الإيرانية، هو نفسه عمر «المصرى» المولود سنة ١٩٦٣، ويوم تنفيذ العملية هو ذاته يوم تفجير السفارتين الأمريكيتين. ومع ذلك، نفت إيران وجود «إرهابيين» من «القاعدة» على أراضيها، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، فى بيان، إن واشنطن وتل أبيب تحاولان، بين الحين والآخر، تصوير إيران على أنها مرتبطة بهذه الجماعة، وغيرها من الجماعات الإرهابية، بتسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام «من أجل التهرب من المسئولية عن الأنشطة الإجرامية لهذه الجماعات الإرهابية».
ما بين التنصيص قد يكون صحيحًا، لكن نفى الخارجية الإيرانية ينفيه وجود إيران مع تركيا وقطر على رأس قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولو عدت إلى مقال أمس الأول: «هل مات أيمن الظواهرى فى الدوحة؟»، ستعرف أن أسامة بن لادن نصح ثلاثة من أبنائه وإحدى زوجاته، بمغادرة إيران والتوجه إلى قطر، وقبل أن تبدى دهشتك، لو كنت «مش متابع»، من قيام دولة توصف بأنها «شيعية» باحتضان قيادات تنظيم القاعدة «السُنّى»، نشير إلى أن حركة «حماس» الفلسطينية «السنيّة»، هى ثانى أكبر كيان تدعمه طهران، بعد «حزب الله» اللبنانى.
لإيران، أيضًا، علاقة تاريخية بجماعة الإخوان، التى من المفترض أنها «سنيّة»، بدأت قبل قيام على خامنئى، المرشد الحالى، فى منتصف ستينيات القرن الماضى، بترجمة كتب لسيد قطب إلى الفارسية، واستمرت إلى ما بعد توجه وفد «إخوانى» إلى طهران لتهنئة الخمينى، فور نجاح ما توصف بالثورة الإسلامية، كما كشفت وثائق سرية مسربة من المخابرات الإيرانية، حصل عليها موقع «إنترسيبت» الأمريكى ونشرتها، بالتزامن، جريدة «نيويورك تايمز» عن اجتماع استضافته تركيا فى ٢٠١٤ بين عدد من قيادات جماعة الإخوان ومسئولين بارزين فى «فيلق القدس»، التابع للحرس الثورى الإيرانى، للتنسيق ووضع إطار للتعاون.
إيران، باختصار، ككل الدول والكيانات الضالة، تلعب بـ«كارت» الدين أو المذهب عندما يكون فى مصلحتها، وتتجاهل الاثنين تحقيقًا لمصلحتها أيضًا، والأكثر من ذلك، هو أن تريتا فارسى، مؤسس ورئيس المجلس الوطنى الإيرانى الأمريكى، له كتاب عنوانه «التحالف الغادر: الصفقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة»، أكد فيه أن العلاقات بين الدول الثلاث تختلف تمامًا عن الصورة الشائعة، وأن الحرب الكلامية المعلنة تخفى صفقات وتفاهمات غير معلنة.