رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وقف إطلاق النار.. بين مَن ومَن؟!


اللجان العسكرية الليبية المشتركة قامت، أمس، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، بشكل دائم، فى جميع أنحاء ليبيا، بعد الجولة الرابعة من محادثات جنيف، التى ترعاها الأمم المتحدة. غير أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى يحرك أحد طرفى النزاع، شكك فى صمود الاتفاق، ورأى أنه لن يتحقق بدرجة كبيرة!.
تضم هذه اللجان ممثلين عن الجيش الوطنى الليبى وقوات ما يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق»، ويختص عملها بالمسار الأمنى، أحد المسارات الثلاثة، التى تعمل عليها بعثة الأمم المتحدة، بالتوازى مع المسارين الاقتصادى والسياسى. بينما تعمل تركيا، إيطاليا، وقطر، على إفشالها، عبر استمرار دعمها قوات عصابات «الوفاق» من ناحية، وتأليب هذه العصابات ضد بعضها البعض من الناحية الأخرى.
ستيفانى وليامز، مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، بالإنابة، قالت إن ما تم تحقيقه يشكل علامة فارقة فى مستقبل ليبيا. وفى حفل توقيع الاتفاق، قالت المسئولة السابقة فى الخارجية الأمريكية، باللغة العربية، إن الطريق إلى اتفاق وقف إطلاق النار الدائم كان طويلًا وصعبًا فى كثير من الأحيان. وتابعت: «أمامنا الكثير من العمل فى الأيام والأسابيع المقبلة من أجل تنفيذ التزامات الاتفاقية من أجل التخفيف من المشاكل العديدة التى تواجه الشعب الليبى بسبب هذا الصراع».
ما تم تحقيقه قد يشكل، فعلًا، علامة فارقة فى مستقبل ليبيا، لو تم تفكيك الميليشيات وجرى التخلص من الإرهابيين. ومع أن الاتفاق الجديد نص على خروج «جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب» فى غضون ٣ أشهر، إلا أن تشكيك الرئيس التركى فى صمود الاتفاق، يعنى أن تركيا وقواتها ومرتزقتها والميليشيات الإرهابية التابعة لها، لن تلتزم بوقف إطلاق النار، بالضبط كما انتهكت قرارات الأمم المتحدة بحظر إرسال الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا.
لم يعد هناك أدنى شك فى أن النظام التركى يحاول تأجيج الصراع بين الأطراف الليبية، لإفشال التحركات الأممية والدولية لحل الأزمة الليبية سياسيًا. ولا تفسير غير ذلك لاستمرار تدفق الأسلحة التركية إلى قاعدة «الوطية» الجوية، وقيام وزارة الدفاع التركية بنشر صور لعسكريين أتراك يدربون عناصر الميليشيات الليبية على أسلحة متطورة. بالإضافة إلى ظهور بارجة حربية تركية فى ميناء الخمس، الواقع على بعد ١٢٠ كيلومترًا شرق العاصمة طرابلس.
سبق أن تسبب المرتزقة فى اشتباكات بين الميليشيات الليبية المحلية، لأسباب أخلاقية ومالية. ومنذ شهور، تشهد العاصمة الليبية عمليات تصفية حسابات واسعة بين ميليشيات الزاوية ومصراتة وطرابلس وزليتن والجبل الغربى. ولا تزال الصراعات مستمرة بين السراج ووزير داخليته، فتحى باشاغا، وبين الصديق الكبير، محافظ البنك المركزى، وفرج بومطارى، وزير المالية. أمس الأول الخميس، أعلن فرع جماعة «الإخوان» فى مصراتة عن حل نفسه، وقدم أعضاؤه استقالة جماعية، بعد شهرين من قيام أعضاء التنظيم بمدينة الزاوية، بالخطوة نفسها.
تنظيم الإخوان فى غرب ليبيا ينقسم إلى تيارين متناحرين، ولكل منهما أجنحة متعددة: تيار يقترب فكر قياداته من القاعدة ويتزعمه الغريانى، على الصلابى، عبدالحكيم بلحاج، سامى الساعدى، نورى أبوسهمين، الصديق الكبير، رئيس البنك المركزى، مصطفى صنع الله مؤسسة النفط وفتحى باشاغا، وزير داخلية فايز السراج، ومركز ثقله هذا التيار فى مصراتة وبعض مناطق ومؤسسات طرابلس. أما التيار الثانى، فيمثله محمد صوان المنتمى إلى حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية للتنظيم الإرهابى، وخالد المشرى، رئيس ما يعرف بمجلس الدولة ومجموعة إخوان بريطانيا: محمد الثابت عبدالملك، الأمين بلحاج، بشير الكبتى، صلاح الشلوى، نزار كعوان، وواجهته فايز السراج ووزير خارجيته محمد سيالة ومركز ثقله فى طرابلس فقط.
الثابت هو أن تركيا، هى المحرك الفعلى لكل هؤلاء. وبات فى حكم المؤكد أنها كما تدعم قوات عصابات «الوفاق»، تقوم فى الوقت نفسه بتأليب هذه العصابات ضد بعضها البعض، عبر عمليات الاختطاف والتصفية، التى شهدت طرابلس كثيرًا منها، خلال الفترة الماضية، والتى كان أطرفها قيام ميليشيا «ثوار طرابلس»، الموالية لما يوصف بالمجلس الرئاسى لحكومة الوفاق، باقتحام مقر مؤسسة الإعلام الرسمية، بعد أن اختطفت محمد بعيو، مدير المؤسسة، وزير إعلام السراج، واثنين من أبنائه. كما قامت مجموعات مسلحة أخرى بإجبار موظفى قناة «ليبيا الرسمية» على حذف شعار «إعلام السلام» وإعادة شعار «بركان الغضب» إلى يسار الشاشة!.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الخارجية المصرية رحبت بالاتفاق الجديد، وقالت فى بيان، أصدره متحدثها الرسمى، إن «النجاح الذى تحقق» جاء استكمالًا لأول اجتماع مباشر استضافته مصر، نهاية سبتمبر الماضى، فى مدينة الغردقة. كما أعرب البيان عن تطلع مصر إلى مواصلة الجهود ذات الصلة بالمسار السياسى ودعم جهود الأممية لتحقيق الهدف الرئيسى، وهو ضمان استقرار ليبيا والحفاظ على سيادتها وسلامة ووحدة أراضيها.