رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وقفة ثلاثية ضد الرعونة التركية



فى ختام القمة الثلاثية، المصرية اليونانية القبرصية، شدّد الرئيس عبدالفتاح السيسى، مجددًا، على ضرورة التصدى للدول الداعمة للإرهاب، تسليحًا وتمويلًا وتدريبًا، وحث المجتمع الدولى على تحمل مسئولياته فى مواجهة تلك الدول ومواجهة الأعمال الاستفزازية شرقى المتوسط. كما أشار الرئيس إلى استمرار الجهود لتسوية القضية الفلسطينية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وأكد دعم مساعى نيقوسيا لحل الأزمة القبرصية وتوحيد شطرى الجزيرة.
البحر الأبيض المتوسط، بات مسرحًا للاضطرابات والصراعات بين الدول، بعيدًا عن أى قواعد. وكما لعبت التدخلات التركية دورًا كبيرًا فى تخريب سوريا، قامت أيضًا بإغراق ليبيا فى حرب بلا نهاية. وتزامنت القمة الثلاثية الثامنة، التى استضافتها العاصمة القبرصية نيقوسيا، أمس، مع قيام تركيا بإحكام قبضتها على ثلث الجزيرة القبرصية، عبر انتخابات رئاسية صورية، فى جمهورية شمال قبرص الوهمية. وكنا قد تمنينا، أمس، أو انتظرنا أن تضع الدول الثلاث على رأس قائمة أولوياتها توحيد الجزيرة وتحرير ثلثها الشمالى من الاحتلال التركى.
ما كنا ننتظره، أو نتوقعه، تحقق، إذن. وفيما يتعلق بالملف السورى، أوضح الرئيس السيسى أن «قرارات مجلس الأمن تمثل المرجعية للحل فى سوريا»، مشددًا على أن مصر «تدين تواجد أى قوات أجنبية غير شرعية فى سوريا». كما أكد الرئيس أن الحل السياسى الشامل هو السبيل الأوحد لتحقيق الاستقرار فى ليبيا، ولم تفته الإشارة إلى أن مصر لم تلجأ، فى أى مرحلة، لاستخدام الهجرة غير الشرعية كأداة للتفاوض أو الابتزاز مع شركائها الأوروبيين.
لم يذكر الرئيس دولة بعينها من الدول الداعمة للإرهاب، لكن الرئيس القبرصى نيكوس أنستاسيادس أكد أن «الممارسات التركية تزيد التوتر شرقى المتوسط»، وأشار إلى قيام تركيا بانتهاك الحدود البحرية فى المتوسط وبحر إيجة، داعيًا إلى اتخاذ «إجراءات حازمة ضد الدول الداعمة للإرهاب»، واحترام الحقوق السيادية لكل دولة فى المتوسط. ثم أكد الرئيس القبرصى أن علاقات بلاده مع اليونان ومصر «غير موجهة لأى دولة».
أيضًا، قام كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليونانى، بتوجيه أصابع الاتهام إلى تركيا، مؤكدًا أنها «تتبع سياسة توسعية تهدد المنطقة، وتواصل انتهاك القانون الدولى وتقويض القانون». وأوضح أن الممارسات التركية أدت إلى مشكلات داخل حلف شمال الأطلسى، الناتو، وطالب دول الاتحاد الأوروبى، بوقف بيع السلاح لتركيا. كما سبق أن طالب نيكوس ديندياس، وزير الخارجية اليونانى، الثلاثاء الماضى، الاتحاد الأوروبى بتعليق اتفاق الاتحاد الجمركى، الذى أبرمه الاتحاد مع تركيا، ردًا على انتهاكات تركيا المتكررة بنود الاتفاق.
العلاقات بين مصر واليونان وقبرص، ممتدة وقوية. وأدت آلية التعاون الثلاثى، وما تلاها من قمم، إلى زيادة التعاون فى مجالات الدفاع، الأمن، ومكافحة الإرهاب، كما حققت الآلية نتائج ملموسة فى الطاقة، الاقتصاد، التجارة، البيئة، السياحة، حماية التراث، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات و... و... وحال توحد جزيرة قبرص، فإن الدول الثلاث ستكون أكثر قدرة على لعب دور مركزى فى شرق المتوسط، وعلى المستوى الأوروبى إجمالًا، خاصة فى مجال الطاقة.
بدأ الرئيس السيسى زيارته نيقوسيا بلقاء مع نظيره القبرصى نيكوس أنستاسيادس، الذى أعرب عن اعتزازه بتلك الزيارة وبخصوصية الروابط التاريخية بين مصر وقبرص، وأشاد بمتانة العلاقات بين البلدين وتطورها بشكل متنامٍ فى مختلف المجالات. وأعرب أنستاسيادس عن تطلع بلاده إلى ترسيخ الصداقة القائمة بين البلدين، إضافة إلى مواصلة تعزيز آلية التعاون الثلاثى، فى ظل الدور الذى تقوم به مصر كركيزة للاستقرار فى الشرق الأوسط.
آلية التعاون الثلاثى، انطلقت من القاهرة، فى نوفمبر ٢٠١٤، ومن وقتها، تتابعت لقاءات قادة الدول الثلاث، وقدمت مصر نموذجًا ناجحًا فى تعزيز تلك الآلية وفى ترسيم الحدود مع اليونان وقبرص، استنادًا لقواعد القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة. كما أسهم منتدى غاز شرق المتوسط، الذى تحول إلى منظمة إقليمية، فى وضع إطار للتوافق على المشروعات المشتركة، التى أكد الرئيسان، المصرى والقبرصى، خلال لقائهما، ضرورة المضى قدمًا فى تنفيذها. كما ناقشا آخر التطورات على الصعيد الإقليمى وجهود تسوية الأزمات التى يعانى منها بعض دول المنطقة، مع التأكيد على دعم المؤسسات الوطنية بهذه الدول للوصول إلى تسوية سياسية تستعيد من خلالها أمنها واستقرارها، وتحافظ بها على وحدة أراضيها وسلامة شعوبها.. وتبقى الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبى أدان، فى ختام قمة الأسبوع الماضى، استفزازات تركيا، فى البحر المتوسط، وحذر أنقرة من أنه سيدرس فرض عقوبات خلال القمة المقبلة، المقرر انعقادها فى ديسمبر، إذا لم تغير سياستها. غير أن تلك الإشارة قد تكون بلا أى أهمية، لأن الاتحاد الأوروبى، يكتفى، عادة، بالفرجة وإطلاق التصريحات، مع أن حوض البحر الأبيض المتوسط، كان أحد أهم مفاتيح النهضة الأوروبية، التى كانت!