رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصابات بعضها ضد بعض


عبثًا يقولون ويفعلون، حين يتحدثون عن مسار سياسى أو دستورى، أو يحاولون توحيد ليبيا تحت مظلة سياسية وعسكرية واحدة، فى ظل وجود إرهابيين ومرتزقة، من مختلف الجنسيات، ودون حسم الصراع بين «ميليشيات الوفاق» وبعضها بعضًا، وبينها وبين «الجيش الوطنى الليبى»، ومع استمرار الولايات المتحدة فى استخدام تركيا، إيطاليا، وقطر كمخالب قط.
مع أعضاء وفد البرلمان، المشارك فى محادثات المسار الدستورى بالقاهرة، بحث عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبى، أمس الأول، السبت، ما تم التوصل إليه خلال المباحثات التى جرت خلال الأيام القليلة الماضية.
وحسب البيان، الصادر عن مكتب إعلام البرلمان، فقد جرى خلال اللقاء التأكيد على استمرار العمل فى المسار الدستورى، والاتفاق على فتح حوار مجتمعى لكل شرائح المجتمع للوصول إلى أكبر قدر من التوافق بين أبناء الشعب الليبى حول دستور يحظى بثقتهم، ويحفظ حقوقهم ويُسهم فى بناء الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار.
فى اليوم نفسه، أعلن «الجيش الوطنى الليبى» عن مباركته أى تقارب بين الليبيين، وأكد التزامه بوقف إطلاق النار «من أجل إنجاح العملية السياسية»، لكنه شدّد على أنه «مستعد للرد على أى استفزاز»، وأشار إلى أن لديه معلومات بأن «الميليشيات الإرهابية تخطط للقيام بعمل عدوانى»، واتهمت مصادر عسكرية ليبية النظام التركى بتحريض الميليشيات للهجوم على سرت والجفرة، بهدف إفشال التحركات الأممية والدولية لحل الأزمة الليبية سياسيًا.
الأتراك، كما هو واضح، يحاولون تفجير العملية السياسية، ولا تفسير غير ذلك لاستمرار تدفق الأسلحة التركية إلى قاعدة «الوطية» الجوية، وقيام وزارة الدفاع التركية بنشر صور لعسكريين أتراك يدربون عناصر ميليشيات «الوفاق» على أسلحة متطورة.
كما قامت مواقع تتبع حركة الطيران، خلال الأسبوعين الأخيرين، برصد ٣٦ رحلة تركية، من وإلى غرب ليبيا، قال شهود عيان إنها أقلت عسكريين أتراكًا ونقلت فى المقابل مرتزقة من أجل نقلهم إلى أذربيجان، ينتمى أغلبهم لفصائل إرهابية شديدة الخطورة، اشتبكت، خلال الفترة الماضية مع ميليشيات ليبية محلية داخل طرابلس، كما ظهر بعض عناصرها فى مقاطع فيديو، وهم يطالبون أنقرة بدفع أجورهم.
لم يعد هناك أدنى شك فى أن النظام التركى يحاول خلط الأوراق وتأجيج الصراع بين الأطراف الليبية، لإفشال جهود البعثة الأممية فى ليبيا والتحركات التى تقودها مصر لتفعيل الحل السياسى، وبات فى حكم المؤكد أن هناك نوايا «أو نيات» خبيثة من أنقرة الداعمة لميليشيات عميلها فايز السراج، الذى أشعل إعلانه عن اعتزامه الاستقالة فتيل معركة على السلطة فى غرب البلاد.
اللافت، هو أنه قبل مرور شهر على إعلانه عن اعتزامه الاستقالة وتسليم مسئولياته إلى السلطة التنفيذية، التى ستنبثق عن لجنة الحوار، نهاية الشهر الجارى- زار السراج تركيا، وبدا أن سبب الزيارة، هو إيجاد التفافة أو مخرج لتراجعه عن الاستقالة التى أعربت أنقرة عن انزعاجها بشأنها، بالإضافة إلى أن هناك أطرافًا دولية تحاول استبقاء السراج و«حكومته» الساقطة، شرعيًا وشعبيًا، منذ أن قامت تلك الأطراف بفرضها، على غير رغبة أو إرادة الليبيين.
فى خطوة تظهر حجم الصراع والفوضى داخل ما يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق» الليبية، قام جهاز «الردع»، التابع لوزارة الداخلية، بإلقاء القبض على عبدالرحمن البيدجا، آمر «قائد» خفر السواحل فى المنطقة الغربية، الذى دعم السراج خلال احتجاجات طرابلس، ومنذ أشهر، تشهد العاصمة الليبية عمليات تصفية حسابات واسعة بين ميليشيات فى الزاوية ومصراتة وطرابلس وزليتن والجبل الغربى. واستكمالًا لذلك، شنت أجهزة الأمن التابع لحكومة السراج، منذ أيام، حملة اعتقالات ضد من زعمت أنهم متورطون فى الفساد.
غير الصراع بين رئيس ما يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق»، ووزير داخليته القوى، فتحى باشاغا، الذى انتهى بإيقاف الأخير عن العمل، ثم إعادته تحت ضغوط أو تهديدات من ميليشياته، دار صراع آخر بين الصديق الكبير، محافظ البنك المركزى، وفرج بومطارى، وزير المالية. وبمجرد أن كشفت بعثة الأمم المتحدة عن شروط حضور منتدى الحوار السياسى، المقرر أن تستضيفه تونس مطلع الشهر المقبل، وعن ترتيبات جولة المحادثات العسكرية الجديدة فى جنيف، أعلن عدد من «أمراء المحاور وقادة الكتائب» عن تشكيل فريق سياسى للمشاركة فى الملتقى والمحادثات، واتهموا حكومة الوفاق، فى بيان، بإهمال حقوق مقاتليها.
.. وأخيرًا، لا أمل فى وصول الأشقاء الليبيين إلى أى تفاهم سياسى، وسيظل احتمال توحيد ليبيا تحت مظلة واحدة، قريبًا من الصفر، ما لم يتم حسم كل الصراعات، عسكريًا، وتفكيك الميليشيات، والقضاء على الإرهابيين والمرتزقة، والتخلص من الاحتلال التركى وعملائه، واستعادة الليبيين وجيشهم الوطنى السيادة الكاملة، وعندئذ، عندئذ فقط، يمكن أن يمتلك الشعب الليبى إرادته، ويتمكن من إعادة الاستقرار إلى ليبيا والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها.