رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس دولة.. زعيم عصابة!



الحالات كثيرة، وفى التاريخ، القديم والمعاصر، عشرات أو مئات منها، غير أن الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى، هو الوحيد، تقريبًا، الذى وجهت له النيابة العامة فى بلاده تهمة «تشكيل عصابة إجرامية» فى قضية حصوله على تمويل ليبى، والطريف، أن جان- إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسى الحالى، كان يزور الجزائر، قبل يوم واحد من توجيه الاتهام، ودعا إلى مشاركة أوسع لدول جوار ليبيا فى الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة القائمة فيها!
الاتهام، الذى تم توجيهه، أمس الجمعة، أكده فى ٥ أبريل ٢٠١٨، مفتاح ميسورى، كبير مترجمى الزعيم الليبى الراحل، الذى قال لوكالة «أسوشيتد برس» إن القذافى قدم حوالى ٢٥ مليون يورو لحملة ساركوزى الانتخابية، كما أكد أن المراسلات المتبادلة بين القذافى والرئيس الفرنسى الأسبق استمرت بعد ذلك لسنوات، وكان آخرها قبل عدة أشهر من مقتل الزعيم الليبى.
مفتاح ميسورى، كان أيضًا رئيس مكتب فرنسا فى الخارجية الليبية، ومستشار القذافى الدبلوماسى منذ سنة ١٩٩٦، وفى تصريحاته لوكالة الأنباء الأمريكية، أكد أنه حضر اجتماعًا، سنة ٢٠٠٥، بين الزعيم الليبى الراحل وساركوزى، الذى كان وقتها وزيرًا للداخلية، وأن القذافى أعرب خلال الاجتماع، عن ترحيبه البالغ بأن يكون له «صديق» يرأس فرنسا، مضيفًا أن المبالغ اللازمة لدعم الحملة، ناقشها بالتفصيل سياسيون ومسئولون فرنسيون وليبيون، فى اجتماع لاحق.
هذا الاجتماع اللاحق، بحسب ميسورى، شارك فيه وفد فرنسى، زار ليبيا، ضم زياد تقى الدين، رجل الأعمال الفرنسى- اللبنانى، والسياسى الفرنسى برايس أورتوفو وشخصًا آخر لم يتذكر اسمه، ومن الجانب الليبى، شارك عبدالله السنوسى، رئيس المخابرات، وبشير صالح، مدير مكتب القذافى، وموسى كوسا، وزير الخارجية، وأوضح ميسورى، أن الرجال الستة اتفقوا على أن حملة ساركوزى تحتاج إلى ٥٠ مليون يورو، غير أن القذافى قام بتخفيض الرقم إلى النصف.
بين المتهمين الرئيسيين فى تلك القضية، رجل الأعمال الفرنسى- الجزائرى، ألكسندر جوهرى، الذى أمرت محكمة بريطانية، أواخر يناير الماضى، بتسليمه إلى فرنسا، ووقتها نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مكتب المدعى العام البريطانى أن المحكمة رفضت الطعن، الذى تقدم به جوهرى، وأيدت الحكم الصادر فى فبراير ٢٠١٩، والذى يقضى بتسليمه إلى فرنسا، ونقلت الوكالة عن مصدر قضائى أن هذا الحكم باتٌ ولا يمكن الطعن عليه، وليس أمام السلطات البريطانية سوى ١٠ أيام لتنفيذه، وهى مهلة يمكن تمديدها مرة واحدة لعشرة أيام أخرى إذا استدعت ظروف استثنائية ذلك.
تم إلقاء القبض على جوهرى فى يناير ٢٠١٨ فى مطار هيثرو بلندن قادمًا من جنيف، بموجب مذكرة أوروبية صدرت عن القضاء الفرنسى الذى يتهمه بالفساد وباختلاس أموال عامة، إذ كان قريبًا من شبكات اليمين ومن كلود جيان، أمين عام قصر الإليزيه السابق، وظهر اسمه كوسيط فى بيع فيلا على شاطئ الكوت لازور، جنوب شرقى فرنسا، سنة ٢٠٠٩ إلى صندوق استثمار ليبى كان يديره مسئول فى نظام الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى، ثم اتضح أنه المالك الحقيقى للفيلا، وأنه استخدم أسماء عديدة ليبيعها بأكثر من ثمنها لإخفاء دفعات تمويل سرية.
تولى ساركوزى رئاسة فرنسا منذ سنة ٢٠٠٧ إلى أن خسر الانتخابات أمام فرانسوا هولاند فى ٢٠١٢ حين سعى لإعادة انتخابه، ومنذ ذلك الوقت، يواجه سلسلة من الاتهامات تتعلق بالفساد، الاحتيال، استغلال السلطة، وارتكاب مخالفات فى تمويل حملته الانتخابية، وبعد ثلاثة اتهامات تم توجيهها، فى مارس ٢٠١٨، جاء اتهامه، أمس الجمعة، بـ«تشكيل عصابة إجرامية»، ليكشف عن أحد الأسباب الرئيسية، التى جعلته يضع قوات بلاده فى مقدمة قوات حلف شمال الأطلسى «الناتو»، التى أطاحت بمعمر القذافى وساعدت فى قتله أو شاركت فيه.
أطنان من الذهب والفضة دفعت، أيضًا، الرئيس الفرنسى الأسبق إلى تخريب ليبيا واغتيال رئيسها الراحل، بحسب إحدى رسائل البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، إذ ذكرت تلك الرسالة، التى تلقتها المذكورة، فى ٢ أبريل ٢٠١١، أن ضابطًا فى المخابرات الفرنسية اكتشف، بعد فترة وجيزة من بدء الانتفاضة الشعبية فى ليبيا، أن القذافى يضع يده على ١٤٣ طنًا من الذهب، ومثلها من الفضة، وأنه كان قد قرر استخدامها فى إصدار عملة إفريقية، لتكون هى العملة الرئيسية فى الدول الناطقة بالفرنسية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن وزير الخارجية الفرنسى الحالى، قال عقب اجتماعه، أمس الأول الخميس، بالرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون، إنّ دول الجوار لها دور أساسى فى حل الأزمة الليبية، لأنها أولى الجهات المعنية بالمخاطر التى تشكلها هذه الأزمة. وفى بيان موجز، قالت الرئاسة الجزائرية إن الاجتماع كان «فرصة» لمواصلة التشاور وتبادل وجهات النظر بين البلدين حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، خاصة الأزمة الليبية.