رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقاطعة كل ما هو تركى



ردًا على السياسات العدائية التى تنتهجها تركيا إزاء السعودية، وبعد احتدام الخلافات بين البلدين بشأن ملفات عديدة أبرزها الدعم التركى لقطر وللتنظيمات الإرهابية، شهدت المملكة، خلال الأسابيع الماضية، دعوات شعبية لمقاطعة تركيا والامتناع عن الاستثمار فيها أو زيارتها للسياحة، ومع أن هذه الدعوات شعبية، وليست رسمية، إلا أن بعض التجار السعوديين والأتراك زعموا أن المملكة فرضت مقاطعة، غير معلنة، على الواردات التركية.
بيانات وزارة التجارة التركية تشير إلى انخفاض فى حركة التجارة بين البلدين، لكنه ليس انخفاضًا غير عادى، بالنظر إلى أن حركة التجارة العالمية تأثرت بوباء «كورونا المستجد»، إذ بلغت قيمة الصادرات التركية إلى السعودية ١.٩ مليار، بين يناير وأغسطس من العام الجارى، بانخفاض قدره ٤٠٠ مليون دولار، أى بنسبة ٢٠٪ تقريبًا، عن الفترة نفسها من العام الماضى.
مع ذلك، زعم محمد جوزيل منصور، النائب فى البرلمان التركى، فى تصريحات نشرتها وسائل إعلام تركية وفى حسابه على تويتر، أن السلع، الفواكه والخضروات التى يتم تصديرها من إقليم خطاى، الذى ينتمى إليه، يتم احتجازها على الحدود السعودية لفترة طويلة، وأعرب عن قلقه من احتمال توسيع ما وصفه بالحظر الجزئى، غير المعلن، من جانب المملكة.
ما قاله أو كتبه البرلمانى التركى، ردّده تجار، سعوديون وأتراك، كما أشرنا، زاعمين أن هناك توجيهات رسمية بتعطيل البضائع الواردة من تركيا، لكن المكتب الإعلامى للحكومة السعودية رد، على استفسار طرحته وكالة «رويترز»، بأن المملكة ملتزمة بقوانين التجارة الدولية وبالاتفاقيات الموقعة بين البلدين، نافيًا وجود أى قيود رسمية على البضائع التركية.
دعوات مقاطعة البضائع التركية، أو كل ما هو تركى، إجمالًا، تبنتها حسابات سعودية، واسعة الانتشار، على شبكات التواصل الاجتماعى، من بينها حساب «معالى موجز الأخبار»، على «تويتر»، الذى يتابعه أكثر من ٤ ملايين، وكذا، حسابات أمراء من الأسرة الحاكمة لا يشغلون مناصب رسمية، وحساب عجلان العجلان، رئيس «مجلس الغرف التجارية» السعودى.
الأحد قبل الماضى، كتب العجلان أن مقاطعة كل ما هو تركى «هى مسئولية كل سعودى، التاجر والمستهلك». ومجددًا، كتب العجلان، أمس الأول الأربعاء: «أقولها بكل تأكيد ووضوح: لا استثمار، لا استيراد، لا سياحة. نحن كمواطنين ورجال أعمال لن يكون لنا أى تعامل مع كل ما هو تركى». مؤكدًا أن ذلك هو أقل رد على «استمرار العداء والإساءة التركية إلى قيادتنا وبلدنا».
بانحطاطها المعتاد، زعمت وكالة أنباء «الأناضول» التركية الرسمية، فى تقرير نشرته، الأربعاء، أن الحملة السعودية لمقاطعة المنتجات التركية تستهدف فتح الطريق أمام البضائع الإسرائيلية، وقالت إن الجهات السعودية المسئولة عن القطاع التجارى تمارس ضغوطًا على التجار والشركات لإرغامهم على وقف التعاملات التجارية مع تركيا، ومع أن مجلس الغرف التجارية السعودى، هيئة غير حكومية، شككت الوكالة التركية فى أن يكون «العجلان» قد دعا إلى المقاطعة من تلقاء نفسه، دون أن يتلقى توجيهات من مركز القرار السعودى.
المستثمرون الخليجيون، يسهمون بدرجة كبيرة فى إنعاش الاقتصاد التركى، عبر ١٩٧٣ شركة، نصيب السعوديين منها ١٠٤٠، تعمل فى الغزل والنسيج، الملابس، السيارات، الصناعات المعدنية، الصناعات الغذائية و... و... الاستثمار العقارى، الذى تقول الأرقام إن مواطنى دول الخليج، مستثمرين كانوا أو مواطنين عاديين، اشتروا أكثر من ربع ما اشتراه الأجانب من عقارات فى تركيا، خلال السنوات الماضية، ما يعنى أن المقاطعة السعودية، حتى لو لم تنضم إليها دول خليجية أخرى، قد تؤدى إلى انهيار تلك القطاعات.
مع المقاطعة، أو بدونها، يطرق شبح الخراب «المستعجل» أبواب تركيا بمنتهى العنف: الليرة تسجل انهيارًا تلو الآخر، والاحتياطى النقدى يتراجع بمعدلات مخيفة وقد يتم استنزافه بالكامل خلال أشهر معدودة، فى ظل توقف تدفق رءوس الأموال الأجنبية وهروب المستثمرين، نتيجة فقدانهم الثقة فى الثلاثى المتحكم فى الاقتصاد التركى: أردوغان.. وصهره بيرات البيرق، وزير ماليته، والبنك المركزى، وبالتالى، فإن إنقاذ الاقتصاد التركى يحتاج إلى قرارات سياسية واقتصادية، متزامنة، تبدأ بتخليص السياسة النقدية من قبضة الرئيس التركى، وتنتهى بفتح صفحة جديدة مع دول العالم، وتحديدًا دول المنطقة العربية.
فشل الرئيس التركى فى إدارة الأزمات الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية، من المفترض أن يؤدى، فى الأوضاع الطبيعية، إلى محاسبته برلمانيًا وقضائيًا، ثم الإطاحة به. غير أنه تمكن، خلال سنوات حكمه الطويلة، من إخصاء السلطتين التشريعية والقضائية، وأحكم سيطرته على المؤسسات العسكرية والأمنية، لضمان بقائه فى الحكم إلى ما لا نهاية، رغم أنف الشعب التركى، وعليه، بات التخلص من أردوغان، فى يد مَن يستعملونه، إنقاذًا لما يمكن إنقاذه، وإلى أن يحدث ذلك، أو لكى يحدث، نطالب بإطلاق حملة شعبية، مصرية وعربية، لمقاطعة كل ما هو تركى.