رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل منزوعة السم والدسم


الموضوع حسمه مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، بإشارته إلى أن الرئيس دونالد ترامب لن يرفع السرية عن أى وثائق قد تحتوى على معلومات حساسة من شأنها الإضرار بالمصالح الأمريكية، وبشكل أكثر وضوحًا قال: «سنقوم بإخراج المعلومات التى يجب نشرها، وسنحمى المصادر المخابراتية التى نحتاج إلى حمايتها».
كان بومبيو يتحدث لقناة «فوكس نيوز»، يوم الجمعة الماضى، تعقيبًا على تصريحات أدلى بها ترامب، فى اليوم السابق، لقناة «فوكس بيزنس»، أعرب فيها عن استيائه من عدم نشر الرسائل المحذوفة من البريد الإلكترونى الخاص بهيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، التى نافسته فى الانتخابات الرئاسية الماضية. ثم تعهد وزير الخارجية بنشر هذه الرسائل، التى تثبت سوء استخدامها السلطة، فى أسرع وقت «حتى يتمكن الأمريكيون من رؤيتها»، مرجحًا حدوث ذلك قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها فى ٣ نوفمبر المقبل.
قبل تعيينها وزيرة للخارجية، فى يناير ٢٠٠٩، أنشأت هيلارى كلينتون بريدًا إلكترونيًا على خادم «Server» خاص، عنوانه «hdr٢٢@clintonemail.com» واستخدمته طوال سنوات خدمتها الأربع فى جميع مراسلاتها، الحكومية والشخصية، ما يعنى أنها كان بإمكانها تحديد الرسائل التى يمكن أو لا يمكن عرضها على الإدارة أو إيداعها، لاحقًا، فى السجلات الفيدرالية، التى منح قانون حرية المعلومات للمواطنين حق الاطلاع عليها، ما لم تكن ضمن الاستثناءات التسعة الواردة فى القانون.
الأصل فى تلك الرسائل، إذن، هو أن تكون متاحة أو غير سرية، خاصة بعد أن أكدت وزيرة الخارجية السابقة أنها لم ترسل أى معلومات سرية عبر بريدها الإلكترونى. وحين قامت بتسليم خادمها الخاص، الذى يحتوى على نحو ٥٥ ألف رسالة، وقّعت على إفادة خطية، أقسمت فيها بأن تلك هى كل الرسائل المتعلقة بفترة توليها الوزارة. غير أن تشارلز ماكولوج، المفتش العام فى وكالة المخابرات المركزية، اكتشف فى يوليو ٢٠١٥، أن هناك رسائل احتوت على معلومات سرية للغاية، كما اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالى، أن حوالى ٣٣ ألف رسالة لم يتم تسليمها إلى وزارة الخارجية، وبررت هيلارى حذفها بأنها رسائل شخصية لا علاقة لها بالعمل.
هذه الرسائل، المحذوفة، تم العثور عليها، فى أكتوبر ٢٠١٦، بين أعداد هائلة من الرسائل، على جهاز، كانت مساعدتها هوما عابدين تتشارك فى استخدامه مع زوجها أنتونى وينز، بعد تورط الأخير فى قضية جنسية، تبادل خلالها صورًا ورسائل مع قاصر فى الخامسة عشرة.
المهم، هو أن الخارجية الأمريكية بدأت نشر تلك الرسائل، تباعًا، على دفعات، منذ ٢٢ مايو ٢٠١٥، وصولًا إلى ١٤ مايو ٢٠١٩، الذى تم فيه نشر رسائل متبادلة، جرى حذف نصف محتواها تقريبًا، بين هيلارى كلينتون والجنرال ديفيد بتريوس، خلال الفترة من ١٠ يناير إلى ١ فبراير ٢٠٠٩، أى قبل وبعد توليها وزارة الخارجية بـ١٠ أيام، ووقت كان «بتريوس» يتولى القيادة المركزية للقوات الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، المعروفة باسم «سنتكوم».
ديفيد بتريوس، صار فى ٦ سبتمبر ٢٠١١، مديرًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. ومنتصف سنة ٢٠١٢، تعاون مع «كلينتون» فى برنامج سرى أعدته الوكالة، بتكليف من الرئيس السابق باراك أوباما، لتسليح وتدريب مجموعات مختارة من السوريين جرى وصفها بـ«المعارضة المعتدلة المسلحة»، وهو البرنامج الذى أعلن الرئيس ترامب، فى منتصف يونيو ٢٠١٧، عن أنه أمر بوقفه، لأنه مكلف وخطير وفعال، وهناك شواهد كثيرة على أن الولايات المتحدة قامت بتنفيذ برامج شبيهة فى ليبيا، اليمن، ومصر، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء، كالرئيس التركى مجنون إسطنبول والعائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة.
لن تجد بين رسائل هيلارى المتاحة، إلى الآن، أى تفاصيل عن هذه البرامج، غير أن العلاقات الوثيقة، التى ربطت جبهة النصرة، داعش، جماعة الإخوان، وغيرها من التنظيمات الإرهابية بالولايات المتحدة، تركيا، قطر، و... و.... وإسرائيل، ستجد ما يؤكدها، فى اعترافات الإرهابيين أنفسهم، وستجدها، أيضًا فى حوار حمد بن جاسم، رئيس الوزراء القطرى السابق، مع تليفزيون قطر الرسمى، أواخر أكتوبر ٢٠١٧، الذى اعترف فيه، بلا مواربة، بأن إمارته دعمت جماعات إرهابية فى سوريا، عبر تركيا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، وجاء وصفه للدولة الشقيقة، بأنها فريسة أو «صيدة»، تنافسوا أو «تهاوشوا» عليها فأفلتت، ليؤكد أن إدارة أوباما، وعملاءها، تعاملوا بالقاعدة نفسها مع دول المنطقة، التى ضربها ما يوصف بالربيع العربى.
ما تعهد به وزير الخارجية الأمريكى، الجمعة الماضى، لم يتحقق، حتى كتابة هذه السطور، وحال تحققه فإن الرسائل الجديدة، التى سيتم نشرها، ستكون كالقديمة، منزوعة السم والدسم، أو خالية من الأسرار، لكنها ستكون قرائن، تفضح، مع وقائع، شواهد، وقرائن أخرى، دائرة التآمر والتخريب، التى كادت تفتك بهذا البلد، لولا وعى شعبه، قوة جيشه، ويقظة مخابراته.