رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتخابات جادة فى دولة وهمية!


أحد عشر مرشحًا تنافسوا فى انتخابات رئاسية جرت أمس الأول، الأحد، فى الثلث الشمالى من جزيرة قبرص، ولأن أيًا من المرشحين لم يحصل على ٥٠٪ زائد واحد من الأصوات، ستكون هناك جولة إعادة، الأحد المقبل، بين مصطفى أكينجى، الرئيس المنتهية ولايته، وإرسين تتار، رئيس الوزراء، الموالى لتركيا والمدعوم منها.
لا يزيد عدد سكان هذا الجزء من الجزيرة عن ٣٠٠ ألف نسمة، وبزعم الدفاع عن حقوقهم، تحاول تركيا نهب موارد الطاقة فى شرق المتوسط، وتقوم بابتزاز اليونان وجمهورية قبرص، الحقيقية، عضو الاتحاد الأوروبى التى تسيطر على ثلثى الجزيرة، وتحاول استعادة سيطرتها على الثلث الباقى، الأمر الذى يتعارض مع مخططات وأحلام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
بعد محادثات بين تتار وأردوغان، فى أنقرة، الثلاثاء الماضى، قامت تركيا، الخميس، بفتح شاطئ مدينة فاروشا، التى صارت مدينة مقفرة، أو خرابة، منذ أن احتلها الجيش التركى سنة ١٩٧٤، ومع أن الأمم المتحدة تبنت فى ١٩٨٤ قرارًا يطالب بتسليم تلك المدينة إلى قوات دولية، والسماح بعودة سكانها الأصليين، إلا أن هذا القرار لا يزال حبرًا على ورق، بالضبط، كما تعثرت مفاوضات توحيد شطرى الجزيرة، بسبب ٣٠ ألف جندى تركى موجودين فى الشمال.
إعادة فتح شاطئ تلك المدينة، أو الخرابة، ليس أكثر من خطوة رمزية، رآها قبارصة أتراك كثيرون «تمسّ شرفهم وهويتهم»، وعدّها آخرون تدخلًا من أنقرة فى الانتخابات، وعليه، ندد أكينجى بهذه الخطوة، كما نددت بها جمهورية قبرص والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة التى تراقب المنطقة العازلة بين شطرى الجزيرة، والجمعة، أعرب مجلس الأمن، عن قلقه البالغ.
فى تصريحات أدلى بها فور إدلائه بصوته، شدد مصطفى أكينجى على أن بلاده «مكتفية ذاتيًا ولا تتبع وطنًا أمًا»، فى رفض واضح لإصرار النظام التركى على ترديد عبارة «الوطن الأم وصغيرها» حال حديثه عن علاقة تركيا بقبرص الشمالية، وطالب أكينجى النظام التركى بالتوقف عن ترديد هذه العبارة، إذا كان حريصًا على تعزيز العلاقات بين الجانبين، كما استنكر «التدخل التركى» فى الانتخابات، أما منافسه، إرسين تتار، فقال إن «جمهورية شمال قبرص وشعبها يشكلان دولة»، ما يعنى أنه يريد تقسيم الجزيرة إلى دولتين.
تم إعلان جمهورية «شمال قبرص»، من جانب واحد، فى ١٥ نوفمبر ١٩٨٣، لكنها نشأت فعليًا فى ١٩٧٥ إثر قيام الجيش التركى باجتياح جزيرة قبرص واحتلاله الجزء الشمالى منها، مستغلًا توتر العلاقات بين المجتمعين اليونانى والتركى، الذى انتهى بانقلاب قومى، استهدف إعادة ربط قبرص باليونان، ومن وقتها، انقسمت الجزيرة بـ«خط أخضر» طوله حوالى ١٨٠ كيلومترًا، يمر بمدينة نيقوسيا، التى صارت آخر عاصمة منقسمة فى العالم.
نحن أمام دولة وهمية، أو مزعومة، لا تعترف بوجودها إلا تركيا، التى تديرها بحكم الأمر الواقع، ومؤخرًا صارت «مسمار» الرئيس التركى، الذى يبرر به محاولات نهب ثروات منطقة شرق المتوسط، والأهم، هى أنها باتت مسرح عمليات منظمة «الذئاب الرمادية» إحدى أذرع أردوغان لنشر العنف والفوضى والتطرف فى أوروبا، وهى منظمة إرهابية، توصف بأنها «قومية متطرفة»، بينما يصفها المؤرخ السويسرى دانييل جانسر بأنها ضمن «جيوش الناتو السرية»، فى كتابه الذى حمل هذا العنوان. وهناك تقرير أصدره مركز «جلوبال سكيورتى» للبحوث العسكرية، سنة ٢٠١٦، أكد أن المخابرات الأمريكية، استخدمتها فى الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتى، وكان طريفًا وظريفًا، أن يشير هذا التقرير إلى عمل تلك المنظمة فى تجارة المخدرات، بدعم وحماية النظام التركى، مقابل القضاء على خصومه، داخل تركيا وخارجها.
الأتراك، باعتراف بعضهم أو طبقًا لمزاعمهم، ليسوا بشرًا. وتقول إحدى أساطيرهم إن أسلافهم تعرّضوا لهجوم عنيف أبادهم جميعًا، باستثناء طفل واحد هرب إلى الغابة، واعتنت به ذئبة رمادية، تزوجها حين كبر، وأنجب منها ١٢ طفلًا، أنصاف بشر وأنصاف ذئاب، وإلى هؤلاء، ينسب مَن يوصفون بالقوميين الأتراك أنفسهم، والعرق التركى كله، واختاروا لمنظمة أسسوها، منتصف ستينيات القرن الماضى، اسم «الذئاب الرمادية»!.
غير مشاركتها فى الصراع بين القبارصة الأتراك واليونانيين، قاتلت منظمة «الذئاب الرمادية» فى حربى الشيشان الأولى والثانية ضد الروس، وشاركت إلى جانب أذربيجان فى حربها ضد أرمينيا، كما ساندت تتار شبه جزيرة القرم. وسنة ٢٠١٥، قتلت ١٩ شخصًا وأصابت ١٢٣، فى العاصمة التايلاندية بانكوك، ردًا على ترحيل مجموعة من الأويجور إلى الصين.
فى انتظار ما ستفسر عنه جولة الانتخابات الرئاسية الثانية، المقرر إجراؤها الأحد المقبل. ويُقال إن الرئيس الفائز سيتفاوض مع جمهورية قبرص حول مستقبل الجزيرة، بينما يقول الواقع إن تلك المفاوضات لن تقود إلى أى شىء، إلا لو تمت الإطاحة برجب طيب أردوغان، وقام القبارصة الأتراك واليونانيون، معًا، بالتخلص من ذئابه الرمادية.