رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نوبل للسلام.. والطعام


جائزة نوبل للسلام ذهبت، هذا العام، إلى «برنامج الأغذية العالمى»، التابع للأمم المتحدة، عن جهوده فى مكافحة الجوع، «سلاح الحرب» المخيف، وجاء فى أسباب منح الجائزة أن فيروس «كورونا المستجد» أحدث قفزة قوية فى عدد ضحايا انعدام الأمن الغذائى.
قائمة أسماء مَن يحق لهم ترشيح الأسماء لنيل تلك الجائزة، تشمل أعضاء البرلمانات، والحكومات، والفائزين السابقين بالجائزة، أما اختيار الفائز، فتقوم به لجنة من خمسة أشخاص يختارهم البرلمان النرويجى، وبينما كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ينتظر الحصول على الجائزة، جائزة نوبل للسلام، ظهر اسمه بين الحاصلين على «إج نوبل»، IG Nobel، أو جائزة الحماقة، إلى جوار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء البريطانى، ورؤساء البرازيل، المكسيك، وبيلاروسيا و... و... غيرهم، لأن طريقة تعاملهم مع الوباء «أثبتت أن السياسيين يمكن أن يكون لهم تأثير على الحياة والموت أكثر من العلماء والأطباء»!.
ارتباك هؤلاء، وغيرهم من قادة الدول، فى مواجهة الأزمة، وفشلهم فى التوصل إلى استراتيجية تمكنهم من مواجهة الوباء، وعجزهم عن تجاوز تبعاته، تسببت فى انتكاسة كبيرة لغالبية الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، وجعل التحدى الكبير، الآن، هو حماية مواطنيهم من المرض، الفقر، والجوع. كما لم تنجح إجراءات الإغلاق فى خفض أعداد المصابين أو المتوفين، بل أضافت إليها خسائر اقتصادية ضخمة، دفعت العالم إلى كساد لم يشهده طوال قرن تقريبًا. ولاحظ، مثلًا، أن إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، أكثر ثلاث دول فرضت قيودًا مشددة، حلّت ثانيًا، ثالثًا، وخامسًا، على الترتيب فى أعداد الإصابات، بعد الولايات المتحدة، كما كانت الرابعة والثالثة والخامسة، فى ترتيب أعداد الوفيات بعد الولايات المتحدة وبريطانيا.
حتى سنة ١٩٨١، كان ٤٢٪ من سكان العالم يعانون من «فقر شديد»، والفقر الشديد، بحسب تعريف الأمم المتحدة، أن يعيش المرء على أقل من دولارين فى اليوم، واليوم، انخفضت هذه النسبة إلى أقل من ١٠٪، وكانت الأمم المتحدة تراهن على التخلص من الفقر الشديد بحلول سنة ٢٠٣٠، لكن مع فيروس كورونا المستجد، ومع فتور التعاطف فى العالم الغنى، لن يتحقق هذا الهدف على الأرجح، فى ٢٠٣٠ أو ٢٠٥٠، وغالبًا لن يكون هناك عالم غنى وآخر فقير، لأن الولايات المتحدة، مثلًا، قد تحتاج إلى مساعدات، ليس فقط بسبب الوباء، ولكن لأن تقريرًا صدر عن أحد بيوت الخبرة الدولية، سنة ٢٠١٧، توقع أن يتم الاستغناء عن ثلث الموظفين مع تطبيق نظم الأتمتة أو الميكنة، ولك أن تتخيل كيف صار هذا التوقع السوداوى، أكثر سوداوية، بعد أن أصبح العنصر البشرى نقطة ضعف، وأصبح التباعد الجسدى من ضرورات الحياة!.
تأسس «برنامج الأغذية العالمى» سنة ١٩٦١ بناء على طلب، أو اقتراح، تقدم به الرئيس الأمريكى الأسبق دوايت أيزنهاورو وكانت أولى عمليات البرنامج مساعدة إيران بعد الزلزال الذى ضربها سنة ١٩٦٢، وفى ١٩٨٩ قام البرنامج بتنفيذ أكبر عملية إنزال جوى لإمدادات إنسانية فى التاريخ، قامت خلالها ٢٠ طائرة شحن بثلاث طلعات جوية يوميًا إلى السودان، لنقل مليون ونصف المليون طن من المواد الغذائية كجزء من عملية «شريان الحياة»، التى تعاونت فيها الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية للتخفيف من حدة المجاعة التى سببتها الحرب الأهلية، وكانت آخر مجاعة أقر بها البرنامج هى تلك التى ضربت إحدى ولايات جنوب السودان، سنة ٢٠١٧، واليوم، هناك شبح مجاعات جديدة يلوح فى الأفق بسبب فيروس كورونا المستجد، ويريد البرنامج أن يكون له دور فى مواجهته بـ«خطة إنسانية»، تستهدف حماية ملايين الأرواح.
تمويل البرنامج قائم على تبرعات الدول والأفراد ومنح الأمم المتحدة، وتلقى العام الماضى تبرعات بقيمة ٨ مليارات دولار، وقالت رئيسة لجنة نوبل، النرويجية بيريت ريس-أندرسن، إن منح جائزة نوبل للسلام لبرنامج الأغذية العالمى «دعوة للمجتمع الدولى لعدم خفض التمويل»، وتمنى ديفيد بيسلى، رئيس البرنامج، أن «توقظ الجائزة الكثيرين فى العالم ليدركوا أن هناك أشخاصًا لا يزالون يذهبون إلى الفراش ليلًا وهم يتضورون جوعًا»، وأعرب عن قلقه إزاء الأوضاع فى اليمن وسوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى عشرات الدول الأخرى، التى تواجه خطرًا محدقًا بسبب «كورونا المستجد» والتدهور الاقتصادى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن حوالى ٢٠٠ من العلماء، المثقفين، الفنانين، والحاصلين على جائزة نوبل فى الطب، الكيمياء، الفيزياء، والسلام، أجمعوا على أن الوباء فرصة أمام البشر لمعرفة ما هو ضرورى وما هو غير ذلك، وطالبوا، فى رسالة نشرتها جريدة «لوموند» الفرنسية، فى ٦ مايو الماضى، بإحداث تحولات اقتصادية جذرية تساعد فى إنقاذ الكوكب من كارثة بيئية مستمرة تمثل، فى رأيهم، أزمة ضخمة، وستكون لها عواقب غير محدودة.