رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرنسا والإسلام.. تركيا والأزهر!


بحضور ستة من وزرائه وعدد من المسئولين، عرض الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، منذ أيام، مشروع قانون يستهدف محاربة النزعات الانعزالية أو «الانفصالية الإسلامية»، التى يراها، ونراها نحن أيضًا، عدوًا لقيم، ممارسات، وقواعد العيش المشترك. وعليه، لم نعرف من أين جاء «مجمع البحوث الإسلامية»، بأن خطاب ماكرون «يدعم خطاب الكراهية»، كما لم نجد تفسيرًا أو تبريرًا لإقحام المجمع نفسه، أو الأزهر الشريف، فى شأن فرنسى داخلى!.
مشروع القانون الفرنسى لا يستهدف الدين الإسلامى أو الجالية الإسلامية، كما زعمت الخارجية التركية، فى بيان، بل يحاول مواجهة الإسلام السياسى، الراديكالى أو المتطرف، وأصحاب الدعوات الانفصالية، الذين قال ماكرون إنهم: «يحرفون الديانة الإسلامية ويستغلونها لأغراض سياسية خاصة بهم؛ وعلى رأسها بناء مجتمع مواز». ولو كنت متابعًا لما تشهده فرنسا أو غيرها من الدول الأوروبية أو العربية، ستدرك بسهولة أن مشروع القانون، يحاول وضع حد لنفوذ الدول الداعمة للإرهاب، وعلى رأسها تركيا وقطر، اللتان سبق أن وجه لهما الرئيس الفرنسى اتهامات واضحة ومباشرة.
كثيرًا ما قال الرئيس الفرنسى إنه يسعى إلى إيجاد صيغة يمكن من خلالها أن يعيش الفرنسيون المسلمون بهدوء أو فى هدوء. ومنذ سنة تقريبًا، تحديدًا أواخر أكتوبر الماضى، ذكرت عدة وسائل إعلام فرنسية، بينها جريدة «لو فيجارو»، أن ماكرون يعتزم «خلال أسابيع قليلة» الإعلان عن مجموعة من التدابير لمحاربة الطائفية فى التعليم وفى مختلف القطاعات العامة.
الأسابيع القليلة امتدت لشهور قليلة، وفى ١٨ فبراير الماضى، أعلن الرئيس الفرنسى أن بلاده ستتوقف تدريجيًا عن استقدام خطباء وأئمة مساجد من دول أخرى، وستواجه التمويل الخارجى للمساجد والمنشآت الإسلامية، وشدد على أهمية ذلك «لكبح النفوذ الأجنبى وفرض احترام قوانين الجمهورية الفرنسية على الجميع».
فى فرنسا، كما فى العديد من الدول الأوروبية، تمكن المتطرفون من السيطرة على مؤسسات وجمعيات ومنظمات ومدارس ومساجد، بدعم مباشر أو غير مباشر من تركيا وقطر. وسبق أن طالب كوين متسو، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بالبرلمان البلجيكى، فى ٢٥ أكتوبر ٢٠١٧، البرلمان الأوروبى بإيجاد آلية لمنع تمويل الجماعات المتطرفة فى دول القارة، وحذّر من قيام النظام القطرى بدعم هذه الجماعات، بحوالى ٥٥ مليون يورو سنويًا، تحت عناوين أو واجهات مختلفة، أبرزها دعم المؤسسات الدينية والخيرية وإقامة مساجد ومدارس تنشر الأفكار المتطرفة.
الثابت، أيضًا، هو أن تركيا، منذ تولى حكمها رجب طيب أردوغان، رصدت ميزانية للسيطرة على مساجد ومراكز دينية فى جميع أنحاء العالم. وسبق أن أكد أحمد يايلا، الأستاذ المشارك فى مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأمريكية، أن «ألمانيا، بلجيكا، النمسا، هولندا، سويسرا، النرويج، والسويد فتحت تحقيقات حول الأئمة الأتراك، بسبب تجسسهم لصالح المخابرات التركية». والمعلومة نفسها أكدها بيتر بلز، عضو البرلمان النمساوى، فى مارس ٢٠١٧، بعد إلقاء القبض على «شبكة تجسس» تركية.
بموجب اتفاقات عقدتها فرنسا مع تسع دول، أبرزها تركيا، الجزائر، تونس والمغرب، تقوم حكومات تلك الدول بإيفاد خطباء وأئمة للمساجد إلى فرنسا. لكن بدا واضحًا أن الرئيس الفرنسى، كان يستهدف الأتراك والقطريين، تحديدًا، فى الخطاب الذى ألقاه، مساء ١٨ فبراير، بمدينة تولوز، خلال جولة خصصها لمناقشة القضايا المتعلقة بالتوجهات الانفصالية و«الإسلام السياسى». إذ قال بوضوح إنه لن يسمح «بتطبيق القانون التركى على التراب الفرنسى»، وأشار إلى أن هناك تحقيقات جارية بشأن تمويل «مسجد النور» والمشروعات المحيطة به. وعلى ذكر ذلك المسجد، نشير إلى أن كريستيان شينو، وجورج مالبرنو، ذكرا فى كتابهما «أوراق قطر» أن ميزانية إنشائه تزيد على ٢٨ مليون يورو، نصفها من جمعية «قطر الخيرية».
بعد إشارته إلى أن فرنسا تستقبل، سنويًا، ٣٠٠ خطيب وإمام مسجد من دول أخرى، أكد ماكرون أن عام ٢٠٢٠ سيكون آخر عام يسمح فيه باستقبال مثل هذه الأعداد. وقال إن حكومته طلبت من الهيئة التى تمثل الإسلام فى فرنسا إيجاد سبل لتدريب خطباء وأئمة المساجد، والتأكد من أنهم ليست لديهم توجهات متطرفة. فى إشارة إلى «المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية»، المعروف اختصارًا باسم «CFCM»، والذى اقترح فكرة إنشائه جان بيار شوفانمون، وزير الداخلية الفرنسى، الأسبق، سنة ١٩٩٩، وتم تأسيسه، سنة ٢٠٠٣، بدعم من نيكولا ساركوزى حين كان وزيرًا للداخلية، بين عامى ٢٠٠٢ و٢٠٠٤، قبل أن يصبح، لاحقًا، رئيسًا لفرنسا.
مشروع القانون، الذى أعلن عنه الرئيس الفرنسى، سيتم تقديمه إلى البرلمان بعد شهرين تقريبًا. ونتمنى أن تقوم كل الدول، فى شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه، بإصدار قوانين شبيهة، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمحاربة النزعات الانفصالية، الدينية أو العرقية، ومواجهة كل المتشددين، المتطرفين، أو الإرهابيين، سواء كانوا إسلاميين، يهودًا، مسيحيين، بوذيين، أو كفارًا.