رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أبطال النصر».. مزارعون يروون تفاصيل مشاركتهم في حرب أكتوبر

أكتوبر
أكتوبر

تحتفل مصر هذه الأيام بالذكرى الـ47 من حرب أكتوبر المجيدة، تلك الذكرى الخالدة التي عاشها وعاصرها جيل كامل من أبناء مصر العُظماء، رحل من رحل عنا وبقي من بقى ليشرح لنا تلك اللحظات الخالدة التي سجلت انتصارا عسكريًا يفتخر به كل المصريين طوال الحياة، وحطمت القوات خط بارليف المنيع، وأثبتت للعالم بأسره أن الجيش المصري خير أجناد الأرض وقادر على تدمير العدوّ بكُلّ قوة.

تواصلت «الدستور» مع عدد من أبطال حرب أكتوبر لتُعيد معهم ذكريات الحرب من جديد، ويروون لحظة انتصار الجيش المصري على العدوّ الصهيوني وتحرير سيناء من قبضتهم.

«قدادة»: عرفنا بالحرب قبلها بـ«رُبع ساعة» فقط..

يروي عزت محمد قدادة، 63 عامًا، من محافظة كفر الشيخ، والذي تم أسره على يد العدوّ الإسرائيلي، تفاصيل لأول مرة عن حرب أكتوبر المجيدة؛ حيثُ أخبرتهم القيادة الحربية قبل الحرب بأيام أنّهم سيقومون بمشروع تدريب تكتيكي لتغير الأماكن، موضحًا أنّهم كانوا كثيرًا ما يقومون بهذا المشروع لمدة عدة أيام قبلها، دون إفصاح من القيادة الحربية بأنّهم سيُحاربون، وأيضا لم يكن هناك أي شواهد للحرب إطلاقا.

وتابع: "أخبرتنا القيادة الحربية أنَّه سيكون هناك طلعة جوية للمقاتلات المصرية لدك الأماكن والمنشئات العسكرية والحيوية للعدو الإسرائيلي، بعد "رُبع ساعة فقط"، وبالفعل قامت القيادة الحربية بإطلاق أول سرب طائرات بأعداد كثيفة وعلى مستوى منخفض من الأرض يتجه إلى مواقع العدو، مشيرًا إلى أنَّ القيادة أخبرتهم بعد عودة الطائرات أنَّ الضربة الجوية نجحت بنسبة 100 % وأصابة حركة العدوّ بالشلل التام.

أضاف قدادة، أنَّ الجميع هللّ بـ«الله اكبر الله اكبر»، بعدما دمّرت الطائرات المصرية أماكن ومنشئات عسكرية إسرائيلية، مؤكدًا أنَّ الحرب بدأت بعد هذه الضربة مباشرةً، وأخذت القوات تتقدم وتعبر قناة السويس وتحطم خط برليف التي كان يلقبه العدو بالمنيع.

وأشار البطل، إلى أنّه بعد يومين من الاشتباك أخذ المقاتلين أوامر عسكرية بضرورة تدخل سلاح المدرعات لتطوير الهجوم، وعلى الفور عبر سلاح المدرعات قناة السويس وتوغلّ الجيش المصري في عمق سيناء حوالي من 7 كيلومترات من بين مساحات كان يسيطر عليها العدو؛ حتى جاءت قوات الصغرة وفجاءة جاءت الأوامر العسكرية بضرورة التراجع لمواجهة قوات الصغرة في الخلف.

أوضح قدادة، إنَّ قوات الصغرة التابعة للعدو الإسرائيلي، ارتدت زي القوات المسلحة المصرية واستخدمت سيارات مشابهة لسيارات الجيش المصري، ووضعوا العلامات والإشارات التي سهلت لهم الاختراق ودخلوا من المسافة الفارغة بين الجيش الثاني والثالث الميداني وتمركزوا في الضفة الغربية المصرية، مضيفًا على الفور تم سحب قوات تطوير الهجوم وهو سلاح المدرعات وعدنا وتمركزنا في قرية تسمي «جنيفة» على خط قناة السويس، وكان العدو أمامنا في الضفة الغربية، وتم الاشتباك لمدة ساعات وأثناء الاشتباك تم إصابة الدبابة التي كنت أقودها واشتعلت النيران بها.

وتابع المصريّ، أنّه ترك الدبابة ونزل إلى الأرض مباشرةً، وفوجئ بالكثير من الجُثث ملقاة على الأرض وغارقة في دمائها، ودخل القرية هو وزملاؤه ومكثوا فيه يومين كاملين، وفي اليوم الثالث خرجوا جميعًا عسكريين ومعهم مدنيين من أهل القرية، لسلمون أنفسهم لأقرب نقطة تمركز للقوات المصرية.

وأوضح قدادة، أنّه أثناء طريقهم لأقرب نقطة تمركز مصرية، قابلهم دورية إسرائيلية مكونة من مجنزرتين وبهما عدد من جنود العدو، حيث قاموا بتفتيشهم، واصطحابهم جميعًا إلى نقطة تمركز القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومنها إلي غزة، مضيفًا أنّه في اليوم الأول من تواجدهم في سجن غزة نزع «قدادة» بدلته العسكرية المصرية وارتدى ملابس مدنية كانت برفقة أحد المدنيين المعتقلين معه من أهل القرية «سجنونا المخابرات الإسرائيلية لمدة 8 أيام في سجون غزة وتعاملوا معي على أنني مدني فقاموا بترحيل زملائي الذي كانوا يرتدون زي عسكري مصري إلى إسرائيل، وأخذوني مع المدنيين وأطلقوا سراحنا قبل تمركز القوات المصرية بكيلومتر فقط».

وأكدّ «قدادة» عند وصوله ومعه المدنيين إلى نقطة تمركز الجيش المصري استجوبوه عن الذي رآه في سجون إسرائيل، وأسماء زملائه الذين على قيد الحياة، وأيضا المصابين منهم والشهداء، والأسرى الذين كانوا معه.

وفي نهاية الاستجواب أعطوه جوابا وأرسلوه بدون أيّ حراسة أو مندوب إلي مدرسة المدرعات، وبعد عودته لمدرسة المدرعات أعطوه مهمات أخري، وجواب إلي منطقة «الماظا»، حيث أنَّ هذه المنطقة كان يتجمع بها الجنود الشاردين مثله الذين يأتون فرادى، وبعدها يأتي من كل سلاح مندوب يأخذ جنود سلاحه، قائلًا: جاء مندوبي وأخذني وعُدتُ مرة أخري إلى وحدتي في جبل «عتاقة» وبمجرد وصولي إلي الوحدة جمعونا في أرض الطابور بالملابس المدنية وأخذنا أمر مباشرة من القيادة بفتح طريق مصر السويس بالقوة بعد اغلاقه من قبل قوات العدو.

واختتم بطل أكتوبر، أنّهم تمكّنوا من فتح الطريق، وتبادلوا إطلاق النيران، مشيرًا إلى أنّه بعدها جاءت إليهم الأوامر من القيادة الحربية بوقف إطلاق النار لأن الزعيم الراحل أنور السادات حينها كان يجري مفاوضات مع العدو الصهيوني بالانسحاب قبل تدمير كيانهم، وبالفعل تم سحب القوات الإسرائيلية من باقي الأراضي المصرية وعادت مصر حرة مستقلة من جديد بفضل الله أولا ثم الجيش المصري البطل.
فضل: حرب أكتوبر من أشدّ الحروب التي حدثت في التاريخ

ويرى جندي مقاتل أحمد عطيه فضل، والذي كان ينتمى لسلاح مشاة الجيش الثالث الفرقة 7 اللواء الثامن كتيبة 26 مشاة س3، أنَّ حرب أكتوبر من أشدّ الحروب التي قام بها الجيش المصري وكانت مفاجأة طامة بالنسبة للجميع، مشيرًا إلى أنَّ مقرّ تمركزه كانَ في الكيلو 85 السويس، وقبل الحرب بفترة قليلة قاموا بإجراء تدريبًا بالذخيرة الحية حضره المشير أحمد إسماعيل وتم اختياره لتناول الغذاء معه بتعليمات من رئيس الأركان.

وقال فضل: "جاءت الحرب وكانت الكتيبة حينها سرية احتياط تم الدفع بها لعبور القناة بعد غروب يوم 6"، واصفًا المشهد: «طلعنا الساتر الترابي وفوجئت إني داخل حفرة دبابة واعتقد العدو إني خارج الحفرة وأطلق على كل ذخيرته أكتر من 3 صناديق ذخيرة.. كان بيضرب عشوائي وببص لقيت ملازم أول في نفس المكان بيقولى عايزين نجيب الولاد دول فرديت عليه، تمام يا فندم، قالى هنقفز كوماندوز عليهم بسرعة ونثبتهم من البرج وثبتناهم وأسرنا 2 من الدبابة».

وأضاف فضل، أنَّ الجنود كانت تحارب بكُل عزم وتقتل دفاعًا عن أرضها، موضّحًا أنَّ أحد زملاؤه أسرع عليه بالسلاح لتأمينه وقت الاشتباك مع العدوّ وأنّه قام بأسر 4 جنود إسرائيليين من الدبابة التي كانوا يُطليقون منها الرصاص على الأبطال المصريين، معلقًا: «بعد ماجبت الـ ٤ اليهود من الدبابة وزمايلى جايين بيجروا عليا وفرحانين وبيقولوا الله أكبر.. كنا جنب التبة المسحورة وهى النقطة الحصينة للعدو ضربوا علينا نار من المزاغل فنمنا كلنا على الأرض، واستشهد زميلي إثر تلقيه طلقة في فمه».

واستكمل: «انسحبنا لمكان تمركزنا وجاء دور اليهوديين اللى أسرتهم، والقائد خلّى واحد منهم يروح يكلم زمايله اللى متحصنين في النقطة الحصينة وبعد مداولات ما بينهم وضمانات مننا ونداء من القائد إن المكان كله محاصر وأن التعزيزات مش ها تجيلهم.. ربنا اكرمنا وفتحولنا الباب وأسرنا منهم ٢٥ يهودي غير الذخيرة بتاعتهم والاهم الموقع الاستراتيجي للتبة المسحورة».

وأوضح البطل المصري، أنَّه يوم 12 أكتوبر، فوجئت الكتيبة المصرية باليهود وهم محاصرين الجنود من كل جانب، بالدبابات والطيران، مؤكدًّا أنّ الإسرائيليين كانوا يُريدون استرجاع الـ17 دبابة الخاصة بيهم، ولكن قامت الجنود المصرية بغشعال النيران فيهم قبل وصول الإسرائيليين، قائلًا: «جينا مولعين فيها واثناء الاشتباك معاهم كان واحد زميلي معاه صاروخ اسمه موليتيكا بيضرب الدبابة؛ فالصاروخ مجاش فيها وكنت لسه هاضربها لقيت الطيران ضربنا بقنابل 2000 رتل تقرريبا».

وأشار إلى أنّه وقت الاشتباك أُصيب في فخذه وكتفه وقدمه، ومكثَ في الخندق أربعة أيام دون مأكل أو مشرب، إلى أنَّ مرَّ عليه ضابط في بداية اليوم الخامس، وأخذَ يربط فخذيه، وعرض عليه أن يعبر القناة حتى يلقى الأمان، ونجى من القتال ومعه زميل واحد فقط، وسقط الآخرين.
ـ الشربيني: الرئيس السادات كان حريص على السرية والمفاجأة

وقال جندي مقاتل السيد الشربيني، 65 عامًا، إنَّ شقيقه الشهيد محمد الشربيني استشهد وقت حرب أكتوبر، برصاص العدوّ الصهيوني، مؤكدًا أنَّه جاءت إليهم التعليمات بشد الطوارئ، وهم لا يعرفون شيئًا لعدم تسريب معلومات».

وأضاف الشربيني: «زحفت وأنا مصاب لمسافة 500 متر علشان أوصل لمركز القيادة وكان فيه ضرب نار أمامي وخلفي، ولمَّا وصلت للقائد ابتسم وأمر بعلاجي بالمستشفى»، موضحًا أنَّ نصر أكتوبر تحية للمصابين والشهداء لأنهم "حموا الأرض وصانوا العرض" وفخر للأمة العربية كلها لأنها أم الدول العربية.

وثمن الجندي المصري دور الجنود ما يقومون به أثناء خدمتهم العسكرية، مشيرًا إلى أن الأجناد لم تتخيّل أبدًا وقتها أنَّ هُناك حربا ستقوم، مؤكدًا أنَّ الرئيس السادات كان حريص على السرية والمفاجأة.