رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عين «عريقات» تنكسر أحيانًا!



الحملان الوديعة، التى صمتت، أو ابتلعت ألسنتها، حين أعلنت قطر تبنيها الرؤية الأمريكية للسلام، المعروفة باسم «صفقة القرن»، صارت ذئابًا وملأ عواؤها الدنيا، لمجرد أن أمين عام جامعة الدول العربية تحدث بشكل إيجابى عن اتفاق السلام الإماراتى الإسرائيلى، ورأى أنه أوقف ضم الأراضى الفلسطينية، بزعم أن هذا الطرح يحمل تأييدًا للرؤية الأمريكية ذاتها!.
السلطة الفلسطينية اعتذرت عن رئاسة الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية، بزعم احتجاجها على «فشل» الجامعة فى إدانة التطبيع، وقيل إن مسئولين فلسطينيين طرحوا فكرة الانسحاب من الجامعة، ولم يلق الاقتراح حماسًا لدى الرئيس الفلسطينى، وبعد الهجوم الحاد، الذى طال الجامعة، ظهر صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على التليفزيون الفلسطينى الرسمى، ليهاجم أمينها العام، أحمد أبوالغيط، ويطالبه بتقديم استقالته فورًا.
زعم عريقات أن أبوالغيط «أعلن بشكل فاضح وصارخ تأييده لرؤية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى شكلت نقطة ارتكاز لاتفاقات الإمارات والبحرين من ناحية وإسرائيل من الناحية الأخرى. أى أنه وافق على أن تكون القدس الشرقية المحتلة والحرم القدسى الشريف وكنيسة القيامة تحت السيادة الإسرائيلية». ثم اتهمه بأنه «خرق ميثاق الجامعة وقراراتها ومبادرة السلام العربية»، وأعطى ضوءًا أخضر لمن يسعى إلى التطبيع المجانى.
لأبوالغيط لسان يمكنه الرد به، وقد يؤكد صحة تلك الاتهامات أو ينفيها، لكن ما استوقفنا هو أن تلك، تقريبًا، هى المرة الأولى، التى يهاجم فيها مسئول فلسطينى الأمين العام لجامعة الدول العربية بشكل مباشر، واستوقفنا أيضًا أن هجومه مبنى على استنتاجات، مع أن المسئول نفسه لم ينتقد، ولو ضمنيًا أو تلميحًا، إعلان قطر، بشكل صريح، تبنيها للرؤية أو الصفقة الأمريكية!.
بعد ما يوصف بـ«الحوار الاستراتيجى الثالث»، الذى انعقد فى واشنطن، منتصف الشهر الماضى، صدر بيان أمريكى قطرى مشترك يطالب بالتوصل إلى «حل تفاوضى للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، على النحو المبين فى الرؤية الأمريكية للسلام»، ما يعنى أن قطر خرقت بشكل فاضح وصارخ وقاطع ميثاق الجامعة العربية وقراراتها و... و... إلى آخر الأسطوانة!
نعرف أن الرئيس الفلسطينى أمر بعدم انتقاد قطر، وسبق أن أشرنا إلى قيام وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية بحذف انتقادات لتلك الدويلة، من تصريحات أدلى بها أحمد مجدلانى، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، غير أن عريقات لم يمتثل لتلك الأوامر، ولم يبتلع لسانه فقط، بل كتب فى حسابه على تويتر، مساء ٢٠ سبتمبر، أنه يثمن «عاليًا» موقف دويلة «قطر الشقيقة»!.
يحمل صائب محمد صالح عريقات صفة «كبير المفاوضين الفلسطينيين»، ويترأس دائرة شئون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير، ومنذ أيام، سأله أحد متابعيه على تويتر: «حضرتك ممكن تشرح لنا كم متر رجعت بعد ٣٠ سنة مفاوضات؟»، فأجاب: «يا أخى أنا قبضت على الجمر ولم أقبل أن تكون القدس بالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة عاصمة لإسرائيل ولم أقبل التنازل عن حق العودة للاجئين، أو التنازل عن ٣٣٪ من الضفة الغربية أو قبول السيادة الأمنية الإسرائيلية»، زاعمًا أنه لو قبل بما قبلت به الإمارات والبحرين لقام بتوقيع اتفاق فى أقل من ٣٠ ساعة.
كلام غير ذلك تمامًا، جاء فى إحدى حلقات «الوثائق الفلسطينية»، التى عرضتها قناة «الجزيرة الإنجليزية»، أواخر يناير ٢٠١١، وكشفت فيها بعض ما شهدته جلسات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بحضور مسئولين أمريكيين رفيعى المستوى، إذ نقلت تلك الحلقة عن عريقات أنه وافق على منح الإسرائيليين «أكبر أورشليم فى التاريخ اليهودى، مع عودة عدد رمزى من اللاجئين، ودولة (فلسطينية) منزوعة السلاح»، حتى يقبلوا بحل الدولتين. بل إنه سأل: «ما الذى كان بإمكانى تقديمه أكثر من هذا؟».
لم ينف عريقات صحة هذا الكلام، وفى الدعوى التى أقامها أمام هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية (Ofcom)، وتم رفضها لاحقًا، اتهم «الجزيرة»، فقط، بـ«المعاملة الجائرة والانتهاك غير المبرر للخصوصية». وسرعان ما أظهر التحقيق، الذى أجرته السلطة الفلسطينية، أن القناة القطرية حصلت على هذه الوثائق من مكتب عريقات نفسه، ما اضطر الأخير إلى الاستقالة، فى ١٢ فبراير ٢٠١١، من رئاسة دائرة شئون المفاوضات، ثم تراجع عنها!.
عين «عريقات»، إذن، تنكسر وتستحى أحيانًا. ربما استجابة للأوامر، وربما لأن العائلة الضالة، التى تحكم قطر بالوكالة، عملت بنصيحة القدماء: «اطعم الفم.. تستحى العين». وقبل أن نترككم فى رعاية الله، نشير، بالمرة، إلى أن محمد اشتيه، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، الذى وصف عناصر حاولت اختراق مياهنا الإقليمية بأنهم «شهداء لقمة العيش»، لم يعلق، إلى الآن، على قيام قوات أمن حماس، مساء الأربعاء، بإلقاء القبض على شاب فلسطينى، عند السياج الفاصل شرق مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، بزعم أنه حاول التسلل إلى البلدات الإسرائيلية!.