رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حاكم.. حَكَم.. حكيم



حالة الحداد العام، التى أعلنتها مصر، بدأت أمس الأول الثلاثاء، وستنتهى اليوم، الخميس. غير أن حزننا، نحن المصريين والعرب، على غياب صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، سيظل راسخًا فى وجداننا، رسوخ أعماله ومنجزاته، وسيتجدّد، مثلًا، كلما تصفحنا عددًا جديدًا من «مجلة العربى»، التى كانت، كما وصفها، «هدية الكويت للأمة العربية»، ولا تزال.
حاكم الكويت، حكيم العرب، والحكم بينهم، ذهب إلى رحمة ربه، فى سبتمبر، الذى منحته فيه الأمم المتحدة، منذ ست سنوات، لقب «قائد العمل الإنسانى»، تتويجًا لأكثر من ٦٥ سنة، قضاها فى العمل السياسى، بينها ٤٠ سنة وزيرًا للخارجية، قام خلالها بـ«هندسة» علاقات بلاده، إقليميًا ودوليًا، وأسس «دبلوماسية الوساطات»، التى مكّنته من حسم نزاعات كثيرة، كما مكّنته، أيضًا، من حماية مجلس التعاون الخليجى، الذى كان صاحب فكرة إنشائه، خاصة فى السنوات الخمس الأخيرة. وتقريبًا، لم يخذله، طوال مسيرته الطويلة، غير العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة.
مسيرة سياسية طويلة اتسمت بالموازنة بين السياستين الداخلية والخارجية، والاهتمام الدائم بالأبعاد الإنسانية، عبر رئاسته ورعايته أفضل برامج التنمية: الهيئة العامة للخليج واليمن، والصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية. وفى كل المحطات التى شهدت خلافات عربية، كان لحكمته وعفويته دور كبير فى تجاوزها: من الحرب الأهلية فى لبنان، إلى معارك الفلسطينيين فى الأردن، إلى توحيد شطرى اليمن، كما كان وسيطًا موثوقًا بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجى، وحاول قدر استطاعته حل أزمة دويلة قطر، ورفع معاناة شعبها من الإجراءات التأديبية، التى اتخذتها الدول العربية الأربع الداعية إلى مكافحة الإرهاب.
للصحفيين، الكويتيين والعرب، فى الأمير الراحل أكثر مما لغيرهم. وعليه، أدهشنا أن يخلو بيان نقابة الصحفيين المصريين من أى إشارة إلى دوره الكبير فى إنشاء وتطوير صحافة بلاده، منذ أصدر جريدة «الكويت اليوم»، ووصولًا إلى إصداره، بعد أسابيع قليلة من توليه الحكم، قانون المطبوعات والنشر الجديد، القانون رقم ٣ لسنة ٢٠٠٦، الذى أنهى احتكار الدولة تراخيص إصدار الصحف، ليصبح لدى الكويت عشرات الصحف اليومية بعد أن كانت خمس صحف فقط. وبعد سنة تقريبًا، صدر قانون «المرئى والمسموع»، القانون رقم ٦١ لسنة ٢٠٠٧، الذى أطلق عشرات المحطات التليفزيونية، بعد أن كانت قناة واحدة فقط، هى تليفزيون الدولة الرسمى.
رحلة صباح الأحمد مع العمل السياسى بدأت فى ١٩ يوليو ١٩٥٤ حين اختاره أمير الكويت، عبدالله السالم الصباح، عضوًا فى «اللجنة التنفيذية العليا»، المسئولة عن تنظيم دوائر «وزارات» الدولة ووضع خطط عملها، قبل تعيينه فى العام التالى، ١٩٥٥، رئيسًا لـ«دائرة الشئون الاجتماعية والعمل»، ليؤسس سنة ١٩٥٦ مركز رعاية الفنون الشعبية، وينشئ مطبعة حكومية، ويصدر جريدة «الكويت اليوم»، وبعد سنتين تقريبًا، تحديدًا فى ديسمبر ١٩٥٨، صدرت «مجلة العربى». ومع استبدال الوزارات بالدوائر وتشكيل أول مجلس وزراء، فى ١٧ يناير ١٩٦٢، اُختير وزيرًا للإرشاد والأنباء، ليكون أول وزير إعلام فى تاريخ الكويت.
هكذا، واصل الفقيد رحلته مع الإعلام الكويتى، الذى أسهم فى إنشائه وتابع تطوره وتولى تطويره. ومع أنه تولى وزارة الخارجية، سنة ١٩٦٣، إلا أنه عاد مجددًا إلى وزارة الإرشاد والأنباء، بالوكالة، بعد تشكيل الحكومة الثانية، فى ٢٩ ديسمبر ١٩٦٤، وفى ٢ فبراير ١٩٧١ تولى الوزارة بمسماها الجديد، وزارة الإعلام، حتى ٣ فبراير ١٩٧٥، وظل يتناوب على توليها، حتى ٣ مارس ١٩٨٥، مع رئاسته الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية، واحتفاظه بوزارة الخارجية، التى لم يتركها إلى أن صدر المرسوم الأميرى سنة ٢٠٠٣ بتعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء، وهو المنصب الذى ظل يشغله حتى صار، فى ٢٤ يناير ٢٠٠٦، أميرًا للبلاد.
على امتداد السنوات الـ١٥، إلا قليلًا، قاد الفقيد نهضة شاملة، وجعل الدينار الكويتى بين أقوى العملات الدولية. والأهم، أو ما يعنينا بدرجة أكبر، هو أن الساحة الإعلامية الكويتية شهدت فى عهده تطورًا كبيرًا، كما أشرنا. لكن تظل «مجلة العربى» هى هديته الأبرز، للعالم العربى، ولا نعتقد أننا نبالغ لو قلنا إنها أسهمت فى تشكيل وعى عشرات الملايين طوال ٦٢ سنة، لم تتوقف خلالها عن الصدور إلا لسبعة أشهر، هى فترة الاحتلال العراقى للكويت. وكانت لفتة طيبة أن يتم الاحتفال، منذ سنتين، بعيد ميلادها الستين فى القاهرة. وهى لفتة يستحق عنها الشكر صديقنا «السابق» الدكتور محمد صالح الذويخ، سفير الكويت بالقاهرة.
إلى رحمة ربه، ذهب صباح الأحمد، وصباح أمس، الأربعاء، أدى أخوه وابن مدرسته السياسية، الدبلوماسية والإنسانية، نواف الأحمد الجابر الصباح، اليمين الدستورية أميرًا لدولة الكويت، الأمير السادس عشر للبلاد، والأمير السادس بعد الاستقلال، ونتمنى، نتوقع، وننتظر أن يُكمل ما بدأه سلفه، وأن يواصل تطهير الكويت من رجس الإخوان