رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحالف «تركى إسرائيلى» فى القوقاز



وسط المساعى الدولية، العربية، الأوروبية والأممية، للتهدئة بين أرمينيا وأذربيجان، يواصل الغراب التركى نعيقه ويحاول تطوير الصراع، الذى ليس مستبعدًا أن يكون له دور فى إشعاله؛ لفتح أسواق جديدة أمام تجارته بالإسلام، ولمساعدة حليفه إلهام علييف، الذى يحكم أذربيجان منذ سنة ٢٠٠٣، فى التخلص من معارضيه. وغالبًا، سيكون استمرار هذا الصراع أو إخماده مرهونًا بنتيجة المساومات أو المقايضات مع روسيا فى الملفين الليبى والسورى.
المعارك بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين، دخلت أمس، الثلاثاء، يومها الثالث على التوالى، بعد اشتباكات حدودية محدودة، فى يوليو الماضى، تبعتها مناورات عسكرية، اختير لها اسم «النسر التركى الأذربيجانى ٢٠٢٠»، وأبقت تركيا على إثرها مجموعة من قواتها هناك، ثم أرسلت لاحقًا إرهابيين ومرتزقة سوريين، بزعم مساندة «دولة ذات أغلبية مسلمة»، بينما يقول الواقع إن الهدف الأساسى هو الحفاظ على المصالح الأمريكية، التركية والإسرائيلية، والضغط على روسيا، المرتبطة بتحالف دفاعى مع أرمينيا، وتربطها أيضًا علاقات تعاون مع أذربيجان فى مجالات عديدة. كما أنها لا تريد، بكل تأكيد، أن يتكرر ما حدث فى جورجيا وأوكرانيا.
اشتباكات يوليو الماضى، كانت هى الأولى بين البلدين، بعد «حرب الأيام الأربعة» فى ٢٠١٦، وكان لافتًا أن تنطلق من منطقتى توفوز وتافوش على الحدود مع جورجيا، بعيدًا عن منطقة ناجورنو كاراباخ، المتنازع عليها منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضى، والتى استمرت الاشتباكات المتقطعة فيها، وعادت إليها الأحد الماضى، برغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار سنة ١٩٩٤، بوساطة من «مجموعة مينسك»، التى تضم روسيا والولايات المتحدة وفرنسا.
محاولة الآلة الدعائية التركية القطرية توصيف الصراع بأنه بين «أرمنى مسيحى» و«أذربيجانى مسلم»، قائمة على تدليس و«تهييس»، ليس فقط لوجود تعاون عسكرى ومخابراتى بين باكو وتل أبيب، ولكن أيضًا لأن الإسرائيليين يسيطرون على اقتصاد أذربيجان، التى تعد واحدة من أكبر موردى تل أبيب بالغاز، الذى يسيل له أيضًا لعاب، أو «ريالة» الرئيس التركى، وكان نصيبه منه، فى نهاية النصف الأول من العام الجارى، ٢٠٢٠، حوالى ٥.٥ مليار متر مكعب، بزيادة قدرها ٢٣.٤٪ على الفترة ذاتها من العام الماضى.
لا علاقة للدين، إذن، بالموضوع، وإلا لكان هناك دور للتباين المذهبى، الشيعى فى أذربيجان والسنّى فى تركيا، وما كانت علاقات طهران الشيعية ببريفان المسيحية أقوى من تلك التى تربطها بباكو، وما كان هناك وجود مخابراتى إسرائيلى قوى فى أذربيجان، وما قامت باكو بمساعدة تل أبيب فى تهريب الأرشيف النووى الإيرانى. وأضف إلى ذلك أن أذربيجان هى أهم قاعدة للمصالح الأمريكية والأطلسية، فى تلك المنطقة، وشاركت فى كل العمليات العسكرية التى قادتها الولايات المتحدة فى كوسوفو، وأفغانستان، والعراق.
إقحام الإسلام فى الصراع، يتيح لمشايخ أردوغان إصدار فتاوى تجيز للإرهابيين الذهاب إلى أذربيجان، وإضافة ثواب الآخرة إلى أجر الدنيا الذى سيناله المرتزقة. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن مهريبان علييف، سيدة أذربيجان الأولى، التى هى نفسها نائبة الرئيس، تحمل الدكتوراه الفخرية من «أكاديمية إسرائيل الطبية»، كما أن ابنتها ليلى، ابنة الرئيس الأذربيجانى، كانت متزوجة، حتى سنة ٢٠١٥، من أمين أجالاروف، المغنى ورجل الأعمال المعروف، الذى يحمل الجنسيتين الروسية والإسرائيلية، إضافة إلى جنسيته الوطنية!.
الموقع الجغرافى لأذربيجان على الحدود الإيرانية جعلها مكانًا مثاليًا لجمع المعلومات المخابراتية الاستراتيجية. والثابت هو أن إسرائيل ساعدت باكو فى بناء محطات إلكترونية لجمع المعلومات على طول حدودها مع إيران فى تسعينيات القرن الماضى. وسبق أن أشار تقرير أصدره مركز «بيجن السادات» للسلام إلى وجود برنامج عسكرى موسع، بين الطرفين، لتدريب القوات الخاصة الأذربيجانية وبناء أنظمة أمنية لمطار باكو، وتحديث المعدات العسكرية. وسنة ٢٠١٢ أظهرت تقارير شراء أذربيجان أسلحة من شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية بقيمة ١.٦ مليار دولار. وفى ٢٠١٦، قال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى إن أذربيجان اشترت أسلحة قيمتها ٥ مليارات دولار من إسرائيل.
المهم، هو أن تصاعد الاشتباكات أو تطور الصراع إلى حرب شاملة، ينذر بعدم استقرار جنوب القوقاز، ممر خطوط أنابيب النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. ومن المفترض أن يعقد مجلس الأمن، بعد كتابة هذه السطور، اجتماعًا طارئًا مغلقًا لمناقشة تطورات هذا الصراع، لكنه لن يتمكن، على الأرجح، من إصدار بيان، لكون بيانات المجلس لا تصدر إلا بالإجماع. وبالتالى، ستصدر الدول الأوروبية الأعضاء فى المجلس بيانًا يمثلها وحدها.
أخيرًا، وانطلاقًا من موقف مصر الثابت والقائم على ‏حث جميع الأطراف على الحوار من أجل الوصول إلى تسوية بالطرق السلمية وفقًا لمقررات الشرعية الدولية، دعت الخارجية المصرية، الأحد، أرمينيا وأذربيجان إلى ضبط النفس ووقف التصعيد، معربة عن اهتمامها البالغ إزاء تطورات الأوضاع المتسارعة بين البلدين.