رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. واختفت «لاءات» الخرطوم!


إلى الخرطوم، عاد عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى، أمس الأول، الأربعاء، يرافقه وفد رفيع المستوى، بعد جولة مباحثات فى العاصمة الإماراتية أبوظبى، استمرت ثلاثة أيام، مع وفد أمريكى يقوده مايك بومبيو، وزير الخارجية، تناولت رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والعلاقات السودانية الإسرائيلية.
بالتزامن، وجّه وزير الخارجية الأمريكى، رسالة إلى الكونجرس، قال فيها إن «لدى الولايات المتحدة نافذة فريدة وضيقة لدعم الحكومة السودانية»، ودعا إلى تمرير اتفاق رفع السودان من القائمة، قبل منتصف أكتوبر المقبل، حتى يتم دفع التعويضات لضحايا تفجير المدمرة الأمريكية «إس إس كول» فى خليج عدن، وضحايا تفجير السفارتين الأمريكيتين فى كينيا وتنزانيا.
بموجب اتفاق، تم توقيعه فى ٧ فبراير الماضى، تعهدت الحكومة السودانية بدفع ٣٣٥ مليون دولار لأسر الضحايا، والأربعاء، أكد عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى، أن هذا المبلغ «جاهز»، وقال أمام مجلس الوزراء، إن كل ما تبقى لشطب بلاده من قائمة الإرهاب الأمريكية هو صدور تشريع يحصّن السودان، مستقبلًا، من الملاحقة أو المساءلة فى أى قضايا أخرى.
لو صحّ أن هذا التشريع هو ما تبقى فعلًا، تكون الحكومة السودانية قد حسمت موقفها من التطبيع، أو بمعنى أدق تكون قد حصلت من الإدارة الأمريكية على ما طلبته مقابل ذلك، إذ قيل إن الخرطوم رهنت موقفها من التطبيع بحصولها على حزمة مساعدات مالية، تم تقديرها بسبعة مليارات دولار، وتسهيل حصولها على قروض من المؤسسات المالية الدولية، وإسقاط الديون الأمريكية، وقيام الولايات المتحدة بالتدخل لدى الدول الصديقة لإسقاط ديونها هى الأخرى.
نتائج محادثات أبوظبى، كما جاء فى بيان أصدره مجلس السيادة، سيتم عرضها على أجهزة السلطة الانتقالية «لمناقشتها والوصول إلى رؤية مشتركة حول ما تحققه من مصالح وتطلعات سودانية»، ونقل البيان عن البرهان أن «المحادثات ركزت على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقانون سلام دارفور»، ومع أن وزير الإعلام السودانى، المتحدث باسم الحكومة، كان قد استبعد، الإثنين الماضى، أن يبحث وفد بلاده مع الجانب الأمريكى أى تفاصيل تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، إلا أن البيان، الصادر الأربعاء، قال إن المباحثات تناولت مستقبل السلام العربى الإسرائيلى وأثره فى حفظ الاستقرار فى المنطقة و«دور السودان فى تحقيق ذلك السلام»، كما أشار إلى «تأييد السودان لاتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية»، واعتبرها «طريقًا للاستقرار فى المنطقة، وحفظًا لحق الفلسطينيين».
السودان حضر، أيضًا، مراسم توقيع معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، واتفاق تأييد السلام الذى وقعته البحرين، وقال نورالدين ساتى، السفير السودانى لدى واشنطن: «وجودنا فى حفل توقيع السلام بالبيت الأبيض، دليل على علاقاتنا القوية مع الدول المشاركة فى هذا الحدث»، وأضاف: «نسعى لتحقيق السلام العادل والشامل للجميع.. السلام فى مصلحة المنطقة». وشدد على أن بلاده تعمل على «إزالة المعوقات» التى تحول دون رفع اسمها من قائمة الإرهاب، وتسعى لإقامة «علاقات طبيعية مع محيطها الإقليمى ولإعادة مسار علاقاتها مع دول العالم».
التحضير لاتفاق إسرائيلى مع السودان يجرى منذ سنوات، و«بترتيب قطرى تركى، امتدت الخيوط بين الخرطوم وتل أبيب، وبدأت الاتصالات المباشرة وعملية التزاور لمسئولين إسرائيليين وسودانيين». وما بين التنصيص نشرته جريدة «التغيير» السودانية، فى ١٠ ديسمبر ٢٠١٦، حين زار وفد سودانى تل أبيب، وبالتالى، لم يكن مفاجئًا أن يلتقى عبدالفتاح البرهان، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى مدينة عنتيبى الأوغندية، منذ سبعة أشهر.
جدل كبير أحدثه هذا اللقاء، ووقتها استعرضنا بعض محطات أو ترتيبات تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية، وتجاهلنا بعضها الآخر، لاعتقادنا أن ما استعرضناه يكفى وزيادة للتأكيد على أن اللقاء لم يكن مفاجئًا وأنه يجرى الإعداد، الترتيب أو التمهيد له، منذ خمس سنوات، على الأقل، بوساطة تركية قطرية وبضغوط ووعود أمريكية.
وثائق نشرها موقع «ويكيليكس»، ذكرت أن عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس المعزول عمر البشير، أبلغ ألبرتو فرنانديز، القائم بالأعمال الأمريكى فى الخرطوم، بأن حكومة بلاده يمكنها تطبيع العلاقات مع إسرائيل «إذا مضت الأمور بصورة جيدة مع الولايات المتحدة»، وفى ٧ سبتمبر ٢٠١٦، كشفت جريدة «هآرتس»، عن مطالبة الحكومة الإسرائيلية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بالانفتاح على السودان، وعدم تجاهل التوجهات الإيجابية لعمر البشير، كما كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية، فى ٢٨ نوفمبر ٢٠١٨، عن لقاء استضافته إسطنبول بين برسو كاشدان، المبعوث الإسرائيلى الخاص إلى السودان، وعدد من كبار المسئولين السودانيين.
العد التنازلى بدأ، إذن، لانطلاق أربع أو خمس «نعمات» من الخرطوم، التى خرجت منها، فى ٢٩ أغسطس ١٩٦٧ «اللاءات» الثلاث الشهيرة: لا سلام، لا اعتراف، ولا تفاوض، وغالبًا، سيكون النقاش بشأن مكاسب الاتفاق المزمع توقيعه أوسع بكثير من الجدل حول الاتفاق نفسه.