رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثاروا فى جحورهم!


الجُحر، هو حُفرة تأْوى إِليها الحشرات وصغار الحيوانات، ومنذ أن لفظتهم الشعوب والمنابر، لم يجد الإخوان مأوى لهم غير الجحور، واعتقدوا، بعد أن فشلت كل رهاناتهم ومراهناتهم، أن بإمكانهم القيام بثوراتهم فيها، معتقدين أن آلتهم الدعائية ونوافذهم الإعلامية، التى تحركها أجهزة مخابرات عدة دول، يمكنها تحويل الأوهام إلى حقائق.
أطلقوا «هاشتاج» أو وسم «مش عايزينك»، الذى كان الجزائريون أكثر المشاركين فيه، ثم دعوا إلى الاحتشاد يوم ٢٠ سبتمبر، أى أمس الأحد، وشدّدوا على عدم مغادرة الشوارع والميادين حتى يسقط النظام، واستمرت دعوات الحشد حتى منتصف اليوم الموعود، بإطلاق الوسوم أو «الهاشتاجات»، على شبكات التواصل الاجتماعى، التى كان أبرزها «بينا وبينكم يوم ٢٠»، و«نازلين بعد صلاة الظهر»، غير أن صلاة الظهر فاتت وتبعتها صلاة العصر، دون أن ينزل خمسة من الخمسة ملايين، الذين توقع ذلك المقاول الأجير نزولهم.
نكتب هذه السطور، بعد عصر الأحد، وقبل المغرب بقليل، وإلى الآن، لا يوجد ما ينذر بنزول مائة من المائة مليون مصرى، ما يجعلنا أمام احتمال واحد ووحيد، وهو أن ثورة الأمس، قام بها الإخوان والمركوبون منهم فى جحورهم، بعد أن باتوا يشبهون الفئران، سلوكًا وشكلًا. والفأر، لمن لا يعرف، هو حيوان من فَصيلة الفَأْريّات ورُتْبة القَوارضِ، كَبيرُ الأُذُنَيْن، لَونُه الشَّائع هو الرَّصاصى المائل إلى البنى، ومع أنه، نظريًا، حيوان نباتى، إلا أنه عمليًا وواقعيًا، يلتهم كل شىء تقريبًا، بل إنه قد يقضم ذيله أو يأكل جثث زملائه، إذا لم يجد ما يأكله.
الصفات، كما ترى، تنسحب على هؤلاء الذين ينشطون ليلًا، كالفئران أيضًا، ولا يستطيعون، مثلها، رؤية الألوان، وكما أن الفئران لديها حاسة شم متطورة، تساعدها فى البحث عن الغذاء، فقد لوحظ أن الإخوان ومركوبيهم، العملاء أو الأجراء، لديهم الحاسة نفسها، ويستخدمونها فى الارتزاق، الاسترزاق أو البحث عن أى مصلحة أو «سبوبة»، ولن نسترسل، مكتفين بالإشارة إلى أن بعض الفئران يقوم بالتبول فى الطبق الذى يأكل أو يشرب فيه!
هذا عن تشابه السلوك أو الصفات، أما عن التشابه الشكلى، فليس فيه أى سخرية أو انتقاص أو تنمّر، بل نقلناه عن علماء، تمكنوا من اكتشاف جينوم الفأر وجينوم الإنسان، سنة ٢٠٠٣، أبرزهم فرانسيس كولينز، الذى قام فى كتابه «لغة الله»، بمقارنة الاثنين، واكتشف أنهما متماثلان تقريبًا، وأوضح أن تتابع الجينات على كروموسومات الإنسان والفأر يتشابه فى كثير من الحالات، والأكثر من ذلك، هو أن دارسى ما يسمى العنصر المتكرر القديم، حاولوا إثبات أن للإنسان والفأر سلفًا مشتركًا، أو مصدرًا واحدًا، عاش قبل نحو ٧٥ مليون سنة، ونعتقد أن هؤلاء لو قاموا بأبحاثهم على الإخوان ومركوبيهم، سيجدون ما يدعم فرضيتهم!
بتتبع حالات الفئران التى دعت للثورة، يمكنك بسهولة أن تدرك كيف يستطيع أى «فأر» فاشل، ضعيف الإمكانيات أو معدومها، أن يصبح ذائع الصيت، بدعم التنظيمات الإرهابية أو العصابات الإجرامية، سواء عبر كتائبها الإلكترونية أو وسائل إعلامها التى تدعمها وتحركها عن بعدٍ، أو عن قرب، أجهزة مخابرات دول، تستشيط غضبًا، كلما رأت إنجازًا على أرض مصر.
التاريخ ملىء بآلاف الأمثلة على حروب إعلامية ساخنة جدًا، شنتها أجهزة مخابرات دول طوال نصف القرن الماضى، غير أن الإخوان، أو محركيهم، تفننوا فى ابتداع أشكال مختلفة، وغير مسبوقة، من الأكاذيب وحملات التضليل، التى لا نرى لها هدفًا غير التأثير على أعضاء الجماعة ومركوبيها، ورفع روحهم المعنوية، مستغلين غباءهم، جهلهم، أو رغبتهم فى تصديق أن بإمكانهم حشد الملايين، لمجرد أنهم جعلوا «هاشتاج» يتصدر شبكات التواصل الاجتماعى، أى العالم الافتراضى، الممتد من شرق العالم إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه!
الجزائريون، كما أشرنا، احتلوا المرتبة الأولى بين الشعوب العربية، التى لا تريد عبدالفتاح السيسى رئيسًا، بينما جاءت تغريدات المصريين، التى حملت «هاشتاج» أو وسم «مش عايزينك»، فى ذيل القائمة، طبقًا لإحصاءات موقع «getdaytrends»، المتخصص فى رصد وتحليل «الهاشتاجات» الأكثر تداولًا «التريندات»، ولأن إجمالى العدد كان ضئيلًا للغاية، قياسًا بتعداد العالم العربى، ولأن نصيب اللجان الإلكترونية يزيد على ٩٠٪ من هذا العدد الضئيل للغاية، فإن القراءة العكسية هى أن الغالبية العظمى من شعوب العالم العربى تريد السيسى رئيسًا، بمن فيهم الجزائريون، الذين أثار تصدرهم القائمة غضب البعض وسخرية آخرين.
نحن، إذن، أمام دليل جديد على أن ما تفعله الآلة الدعائية للإخوان يرتد إلى صدور محركيها، ومع ذلك، لا تنتظر غير مزيد من «الهلاوس»، الشائعات، الفبركات، والأكاذيب. وليس بعيدًا أو مستبعدًا أن يكونوا قد أصدروا بيان نجاح ثورتهم، ثورة الأمس، بلغة الجحور الرسمية، لغة الفئران، تمهيدًا لترجمته إلى كل اللغات الحية والميتة!