رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: رحلة سقوط محمد علي من اغتصابه فى دولة عربية إلى النصب فى إسبانيا

محمد الباز
محمد الباز

لم يكن مفاجأة أبدًا بالنسبة لى ما سمعته عن التاريخ الحقيقى للأسرة التى خرج منها المقاول الخائن محمد على، الذى صوّر له خياله أنه يمكن أن يتحول إلى بطل شعبى يحرك المصريين ويدفعهم إلى الثورة والخروج إلى الشوارع.
طوال الوقت وأنا على ثقة أن فى تاريخه- وهو الذى لم يتجاوز الخامسة والأربعين من عمره- ما يمكن أن يفسر لنا الخلل الكبير الذى يُعانى منه، وهو الخلل الذى دفعه لأن يكون مجرد أداة فى يد مَن يحركونه لتحقيق أهدافهم.
لن أضيّع وقتكم، فكلمة السر فى حكاية محمد على أنه «شخص مُستخدَم».
والمفاجأة التى سأكشف لكم عنها أنه ليس مستخدمًا سياسيًا فقط، ولكنه مستخدم شخصيًا أيضًا.
الحكاية تعود إلى أواخر الثمانينيات، عندما حصل والده لاعب كمال الأجسام، على عبدالخالق، على فرصة عمل فى دولة عربية كمدرب لكمال الأجسام فى نادٍ رياضى كبير هناك.
على عبدالخالق الذى يقدم نفسه على أنه بطل العالم فى كمال الأجسام، لم يكن كذلك على الإطلاق.
عندما تفتش فى تاريخه لن تجد له بطولات مسجلة باسمه.
كان لاعبًا فى نادى «طلعت حرب» فى الكيت كات، وحاول تسويق نفسه على أنه لاعب متمكن فى كمال الأجسام، لكن، ولأنه لم يكن مؤهلًا، فلم يستمر، لكنه كان يستثمر بعض الصور التى التقطها مع أبطال كمال الأجسام الحقيقيين، مثل الشحات مبروك، وهى الصور التى حصل من خلالها على مكاسب كثيرة.
تحول على عبدالخالق إلى «بودى جارد»، مهنة كانت مناسبة له تمامًا، وإلى جانبها أسس كشكًا صغيرًا فى شارع بالعجوزة، كان يبيع فيه بعض المشغولات الفضية والذهبية، ولن يكون مفاجئًا لك عندما تعرف أن كثيرًا من هذه المشغولات كان يحصل عليها من سيدات يعملن فى الدعارة، فرض حمايته عليهن مقابل ما يحصل عليه منهن.
حاول على عبدالخالق بعد سنوات أن يصنع لنفسه تاريخًا، فادّعى أنه كان يمتلك محلًا كبيرًا لبيع المجوهرات، وأن ثروته تلك هى التى كانت أساسًا لعمله فى المقاولات.
فى نهاية الثمانينيات استطاع على عبدالخالق أن يحصل على عقد عمل فى دولة عربية، وعبر عدد من أصدقائه استطاع أن يحصل على أوراق مصطنعة بأنه مدرب كمال أجسام، وبدلًا من أن يسافر وحده ليجهز المكان الذى يقيم فيه ثم يستدعى بعد ذلك أسرته، أصر على أن يصطحب زوجته وأولاده معه.
وقتها كان محمد على فى المرحلة الإعدادية.
بعد أيام قليلة من انتظام محمد على فى الدراسة، وكان قد استطاع تكوين صداقات مع مجموعة من زملائه، اصطحبه أربعة منهم واعتدوا عليه جنسيًا.
عرف على عبدالخالق ما حدث لابنه فقرر أن يستفيد ماديًا مما جرى، استشار أصدقاءه الذين كانوا يعملون معه هناك، فأشاروا عليه أن ينقل ابنه من هذه المدرسة، وألا يفتح الموضوع من الأساس، ليس خوفًا من أحد، ولكن على الأقل حتى لا يفتضح أمر ابنه الذى تم الاعتداء عليه جنسيًا، لكن على عبدالخالق أصر على أن يستمر فى الطريق إلى نهايته، حيث قرر أن يتوجه إلى المحكمة، متطلعًا إلى الحصول على تعويض مناسب لما جرى لابنه.
عرف أولياء أمور التلاميذ الأربعة ما يفكر فيه على عبدالخالق، ذهبوا إليه، حاولوا أن يتفاهموا معه، عرضوا عليه أن يدفعوا له مبلغًا من المال وينسى الحكاية من الأساس، لكنه رفض بعد أن وجد ما يعرضونه عليه قليلًا مقارنة بما يتطلع إليه.
فى المحكمة كانت المفاجأة التى لم يكن ينتظرها أو يتوقعها على عبدالخالق.
جاء القاضى بالتلاميذ الأربعة، سألهم بشكل مباشر: هل اعتديتم على محمد على جنسيًا؟
قالوا له الأربعة: نعم حدث.
لم ينكروا ما جرى، لكنهم أضافوا إلى اعترافهم الصريح أن اعتداءهم على محمد على جنسيًا لم يكن رغمًا عنه، فهم لم يجبروه على شىء، ذهب معهم بإرادته تمامًا، والأكثر من ذلك أنه حصل منهم على ٥٠ ريالًا مقابل هذا الاعتداء.
يومها حكم القاضى ببراءة الأولاد الأربعة، وخرج على عبدالخالق وابنه من المحكمة بخفى حنين، كما يقولون، وكأن القاضى اكتفى بالمبلغ الذى حصل عليه محمد على، ليس مقابل اغتصابه، فهو هنا لم يتم اغتصابه، بل حدث ما حدث برضاه الكامل، بل وحصل على مقابله أيضًا.
لا يمكن أن نعزل هذه الحادثة وما تركته من أثر فى حياة محمد على عما يقوم به الآن.
لا يمكن أن نتجاهل المعنى الذى رسخ داخله فى اللحظة التى تم فيها الاعتداء عليه برضاه وبتطلعه إلى الحصول على مقابل.
لا يمكن أن نغفل الأثر النفسى الساحق على شخصية محمد على بسبب ما جرى له، وتحديدًا فى هذه الفترة من عمره، طالب الإعدادية فى الغالب يتعامل مع العالم على أنه يقف على أول أبواب عالم الرجال، يعتقد أنه قادر على تغيير العالم، لكن محمد على وبدلًا من أن يقف على أول أبواب الرجال تم كسره تمامًا.
لقد جعلته هذه الحادثة شخصًا قابلًا للإيجار، لا يمانع فى أن يستخدمه أى أحد، طالما أنه سيحصل على الثمن، بل ربما جعلته هذه الحادثة، التى يخفيها ولا يأتى على ذكرها أبدًا، طيّعًا تمامًا، يبالغ فى إظهار استمتاعه المطلق بما يفعله فى خدمة الآخرين، ولذلك ليس غريبًا أن تراه وهو فخور بخيانته لبلده، سعيد بتحريضه عليه، منتشٍ بدعواته لتخريبه.. كل هذا ليس مهمًا عنده طالما أنه يقبض الثمن مقدمًا.
ولا فارق فى الحقيقة بين اغتصاب محمد على جنسيًا وهو طالب فى الإعدادية، واغتصابه سياسيًا الآن.. فما يجمع بينهما أنه حقق ما أراده من مكاسب.
بعد هذه الفضيحة كان من المفروض أن يعود على عبدالخالق بأولاده من الدولة العربية، لكنه استمر، لأنه كان يريد أكبر قدر من المكاسب.
لم تكن هذه هى الفضيحة الوحيدة التى تورط فيها على عبدالخالق وتورطت فيها عائلته، كان هناك ما هو أحط.
خلال عمله فى النادى الرياضى الكبير فى الدولة العربية، كان أن اشترك هو وآخرون فى سرقة ساعات «روليكس» وأقلام ذهبية وباجيرات «أجهزة لاسلكية كانت تستخدم للاتصال داخل النادى».
الحكاية بدأت بتخطيط من على عبدالخالق وأصدقائه، عندما كان يرى أن بعض المترددين على النادى من المتدربين يرتدون ساعات «روليكس»، ففكر فى أن سرقة هذه الساعات يمكن أن تكون مصدرًا مهمًا من مصادر دخلهم.
بدأت سرقة الساعات تلفت انتباه المسئولين عن النادى، للدرجة التى بدأوا فيها تفتيش الداخلين والخارجين من النادى، وهو ما جعل على عبدالخالق وأصدقاءه يخفون الساعات فى أسقف حجراتهم، وعندما تم اكتشافهم، تم تخييرهم بين أن يدخلوا السجن أو يتم ترحيلهم إلى مصر، وكان الترحيل هو البديل الأفضل بالطبع، فعادوا كما ذهبوا، لم يحصلوا على شىء.
كانت العودة صعبة على «على عبدالخالق»، ولم يجد أمامه إلا كباريهات شارع الهرم ليعمل فيها «بودى جارد»، وهناك تعرف على أحد المقاولين الكبار، وعندما عرف حجم أعماله طلب منه أن يكوّن شركة معه، لكن المقاول رفض، وكان مبرره فى ذلك أن على عبدالخالق قانونًا لا يمكن أن يؤسس شركة، لأنه كان قد تورط فى قضية قتل فى وقت سابق.
لم يستسلم على عبدالخالق لما قاله المقاول الكبير، اقترح عليه أن يدخل ابنه محمد شريكًا له فى الشركة على الورق، وبالفعل دخل محمد على إلى عالم المقاولات، الذى لم يكن له علاقة به، لا هو ولا والده، من باب شارع الهرم.. وهو ما يتوافق معهما تمامًا، وعليه فلم يكن غريبًا أبدًا أن يفشل كل هذا الفشل، الذى يدعى الآن أنه كان نجاحًا استكثره عليه الآخرون.
يقولون لا يستقيم الظل والعود أعوج.
هل يمكن أن نجد أثرًا لهذا المعنى فى شخصية محمد على؟
ما يحدث الآن يدلنا على ذلك تمامًا، لا يمكننى أن أدين أشقاء محمد على الآخرين، فمنهم من لا يرضى عن أعماله، بل يدينها ويرفضها، ولكن لا يمكننى أيضًا أن أتجاهل أنه صنيعة أحداث مرت به وبأسرته جعلت منه ما هو عليه الآن.
محمد على الذى عاد مرة أخرى ليدعو الناس إلى الخروج والتظاهر والفوضى، يفعل ذلك كله من باب أن هذا عملٌ يتكسب منه، لا هو صاحب موقف، ولا هو صاحب قضية، ولا هو يعرف من الأساس أن يكون للإنسان وطن، فوطنه حيث يستطيع أن يحقق مكاسبه.
فى الوقت الذى يدعو فيه المقاول الفاشل الناس إلى التظاهر، يعمل هو على الاستقرار الكامل فى إسبانيا.
يسعى إلى الحصول على الجنسية الإسبانية، وحتى يحدث ذلك لا بد أن يكون لديه عقار يزيد ثمنه على ٥٠٠ ألف يورو، وهو ما جرى بالفعل، وطبقًا لما نشرته الصحف الإسبانية فإن محمد على اشترى بيتًا بمبلغ مليون و٢٥٠ ألف يورو، وقام بتجهيزه بمليون و٢٠٠ ألف يورو، ولدينا هنا صور البيت، الذى وصفته بعض التقارير الصحفية الإسبانية بأنه قصر.
لم يكتف محمد على بذلك، بل قام بتأسيس شركة للمقاولات فى كتالونيا برأسمال مليون و٢٥٠ ألف يورو، وبدأ الترويج لها عبر تقارير صحفية مدفوعة فى الصحف الإسبانية، وهو أمر ليس غريبًا عليه، فهو يدفع الكثير لتُشيد به هذه الصحف وتدافع عنه.
على عادته، التى لن يشتريها فهى متأصلة فيه، حاول محمد على أن يستخدم الصحف الإسبانية للنصب على الحكومة هناك، من خلال الترويج لمشروع إنشاء هرم مثل الموجود أمام متحف اللوفر فى فرنسا.
يمكنك أن تقرأ ما نشرته إحدى الصحف الإسبانية فى أحد تقاريرها عن هذا الأمر: كان يومًا صيفيًا عندما اكتشف محمد على وهو يمشى على البحر، المداخن الضخمة الثلاث لمحطة الطاقة الحرارية المهجورة فى سانت أدريا ديل بيسوس «شمال برشلونة» وربطها على الفور بمنارة الإسكندرية العظيمة، المدينة التى كانت المركز الثقافى للعالم القديم، وأيضًا عاش طفولته الصيفية فى منزل خالته بها، فكر على الفور فى بناء هرم هناك لربط رمزى بين ضفتى البحر الأبيض المتوسط.
المفاجأة، التى ليست بمفاجأة، أنه وبعد أن انتشرت أخبار الهرم، الذى يريد أن يبنيه محمد على فى برشلونة، وبدأت الصحف هناك تطلق عليه لقب «فرعون كتالونيا» وهو لقب حصل عليه بفلوسه، التى يدفعها للصحف، خرجت الحكومة الكتالونية لوسائل الإعلام المختلفة بتصريحات تؤكد فيها أنها لا تعرف شيئًا عن المشروع.
هى إذن محاولة نصب جديدة يقوم بها محمد على، ولكن هذه المرة على الإسبان.
يحاول محمد على الآن أن يتخلص من المطاردة القانونية الواضحة له من قبل النيابة المصرية، التى تنظر إليه على أنه مجرد مجرم، وذلك طبقًا للمذكرة القانونية التى أرسلت بها إلى السلطات القانونية فى أغسطس الماضى.
فى هذه المذكرة تم تحديد الجرائم المطلوب محاكمة محمد على بناءً عليها، وهى احتيال ضريبى فى بيع المنازل بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠١٨ مقابل حوالى تسعة ملايين جنيه، وجريمة غسيل أموال بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠١٨ مقابل أربعة ملايين جنيه.
الوثيقة القانونية المصرية كانت واضحة تمامًا، فهى لا علاقة لها بآراء محمد على السياسية، وأنه سيخضع لمحاكمة عادلة، وأن الجرائم المنسوبة إليه لا يعاقب عليها بالإعدام.
حاول محمد على الترويج لمعنى واحد، ساعدته فيه الصحف الإسبانية التى يغدق عليها من أمواله، وهو أن المذكرة القانونية المصرية محاولة للانتقام منه بسبب معارضته لنظام السيسى، وهو الإفك الكامل والمحاولة اليائسة البائسة التى لن تستمر طويلًا، فالمذكرة القانونية فى طريقها إلى نتيجة واضحة محددة وهى محاصرة المقاول الفاشل الهارب والعودة به إلى مصر مرة أخرى ليحاكم محاكمة عادلة على ما سبق وارتكبه من جرائم مالية.
ما توقفت عنده، وأعتقد أنك أيضًا يمكن أن تكون قد توقفت أمامه، هو الأموال التى ينفقها «محمد على» على شراء القصور وتأسيس الشركات فى إسبانيا، لقد ادعى أن أمواله نهبت فى مصر، وأنه خرج لأنه لم يستطع الحصول على أمواله، فمن أين له إذن بكل هذه الأموال التى ينفقها ليل نهار، ليس على بيت وشركة فقط، ولكن على شهواته ونزواته.
يعرف جيدًا من يعرفون كيف يعيش محمد على فى إسبانيا أنه شخص مستهتر جدًا، وربما لهذا اصطحب معه صفى الدين، ابن خاله، الذى يقدمه على أنه مدير أعماله، وهو بالفعل مدير أعماله، هذا إذا اعتبرنا أن لف سجائر الحشيش وتقديم الخمور أعمال، فهذا بالفعل ما يقوم به صفى الدين ولا يعرف غيره فى سهرات محمد على، التى تمتد يوميًا حتى الصباح.
تخيلوا أن شخصًا بهذا التاريخ وبهذه المواصفات يريد أن يقدم نفسه إلينا على أنه مناضل، يسعى إلى مناصرة المصريين ودعوتهم للتظاهر حتى يتخلصوا مما هم فيه.
وتخيلوا أن هذا الشخص، الذى استطاع أن يستقر فى إسبانيا، فيشترى قصرًا ويؤسس شركة، بما يعنى أنه لن يعود أبدًا إلى مصر، يريد من الناس أن يخرجوا، غير ملتفت إلى المخاطر التى يمكن أن يتعرضوا لها من هذا الخروج.
يمكنكم أن تتخيلوا بالطبع أنه لا منطق على الإطلاق فيما يحدث، لسبب واحد وهو أنه شخص مستخدم يقوم بعمل مقابل أجر حصل عليه.
لا جديد فى الأمر.. فالعقدة التى ترسبت بداخله منذ طفولته ما زالت تحركه وتتحكم فيه، دون أن يعرف أنه من سيدفع ثمنها وحده، أما نحن فقد عرفناه جيدًا.. وأعتقد أنكم أيضًا عرفتم ما يفعله ولماذا.