رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثم فشلت تركيا فى بيع عملائها


ليس لدى تركيا ما تبيعه، تقايض عليه، أو تتفاوض بشأنه، غير عملائها، الهاربين من مصر، الذين احتضنتهم، واستثمرت فيهم، ثم فشلت فى استعمالهم، وغالبًا سيحاول الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، بيعهم إلى أى دولة أخرى نبحوا ضدها، بعد اكتشافه أن السلطات المصرية، غير متمسكة باستعادتهم، ولا يعنيها استمرار نباحهم، بل إنها قد تتردّد فى استلامهم أحياء، مجانًا: مجرد «عربون محبة» أو محاولة لإثبات حسن النية.
لا شىء غير قيام تركيا بعرض هؤلاء العملاء فى الفاترينة، يبرر الإشارات المتكررة إلى استعدادها لتحسين العلاقات مع مصر، ومناقشة الخلافات والقضايا الأمنية، التى تصاعد مستوى من طرحوها، بدءًا من مذيعة محسوبة على أردوغان، إلى مستشار لأردوغان، ثم وزير خارجية أردوغان، ثم أردوغان نفسه، الذى أدرك، بعد فوات الأوان، أنه ليس لديه ما يبيعه أو يفاوض أو يقايض عليه، غير العملاء، الذين استثمر فيهم أموالًا ضخمة، وفشل نباحهم، أكاذيبهم، تحريضهم وإرهاب تنظيمهم، فى هز شعرة لدى المصريين، شعبًا وحكومة ورئيسًا، ما جعل أردوغان أمام الخيار الآخر الذى نصح به المثل القديم أمثاله: «الإيد اللى ما تعرفش تعضها، بوسها».
تحتفظ مصر بتمثيل دبلوماسى منخفض لدى تركيا منذ إطاحة المصريين بحكم «الإخوان»، بثورة شعبية حاشدة، ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ومن وقتها، لم يترك الرئيس التركى ووزراؤه وأتباعه وعملاؤه وعبيده، أى فرصة أو مناسبة، إلا وحاولوا عض يد مصر. وحين فشلت كل محاولاتهم بدأوا فى تمرير رسائل التهديد، بأن توهموا، مثلًا، أن ذلك المقاول الأجير، أو المستعمَل، بفتح الميم الثانية، فى سبتمبر الماضى، بإمكانه إشعال «ثورة»، وجعلوه يلوّح باستفتاء الشعب على «بيع حقل غاز لدولة أخرى أو مشاركتها فيه». وبالتزامن، قامت مذيعة بإحدى القنوات التليفزيونية التركية الحكومية، اسمها إسراء إلونوى، بترجمة تلك الرسالة بأن كتبت فى حسابها على «تويتر» أن كل شىء سيتوقف إذا قرر السيسى الحوار بشأن غاز شرق المتوسط.
ما أكد أن هذا الكلام لم يكن عابرًا، أو مجرد «هبد»، هو أن ياسين أقطاى، مستشار الرئيس التركى، قام بمشاركة، «ريتويت»، تلك التغريدة، ما يعنى إقراره هو ورئيسه بمحتواها، وبعد شهور، تحديدًا فى ١٢ سبتمبر الجارى، تحول هذا التهديد الضمنى إلى استجداء صريح، وقال أقطاى لموقع «عربى ٢١»: «لا بد أن يكون هناك تواصل بالفعل بغض النظر عن أى خلافات سياسية بين الرئيس أردوغان و(الرئيس) السيسى، فالحكومتان والشعبان يجب أن يتقاربا».
بين تهديد أقطاى الضمنى واستجدائه الصريح، أقرّ الرئيس التركى، بلسان وزير خارجيته، فى ١١ يونيو الماضى، بأن «مصر دولة مهمة للشرق الأوسط والعالم الإسلامى». وكان ملخص الرسالة التى نقلها مولود جاويش أوغلو، فى حواره مع قناة «إن آى فى»، هو مطالبتنا، مطالبة مصر، بـ«إجراء حوار وتعاون مع تركيا بدلًا من تجاهلها». ثم خرج الثلاثة: أقطاى، جاويش أوغلو، وأردوغان، بالتتابع، خلال الأيام الماضية، ليعيدوا إطلاق الإشارات أو لتجديد الطرح.
مطلقو الإشارات أو طارحو العرض التركى، الذين تدرجت أساليبهم، كما أشرنا، من التهديد إلى الاستجداء، انتقلوا إلى مرحلة إطلاق الأكاذيب، بادعاء وجود مباحثات بين مخابرات البلدين، والنكتة ليست فقط فى أن هذه المباحثات لم تحدث، بل أيضًا فى أن مصر رفضت طلبات تركية، عديدة، بهذا الشأن، ولن تقبلها ما لم تشهد أفعالًا تترجم أقوال أردوغان ورجاله، وأبسطها وقف الأنشطة غير القانونية فى شرق المتوسط، والانسحاب من ليبيا وسوريا ووقف الاعتداءات على العراق، والتوقف، إجمالا، عن التدخل فى شئون دول المنطقة، كما لا نعتقد، أيضًا، أنه يمكن لليونان أو قبرص، إحداهما أو كلتيهما، أن تجرى حوارًا مع تركيا، تحت التهديد أو الابتزاز، وفى ظل استمرار الممارسات التركية الاستفزازية، التى تخالف بديهيات الجغرافيا والقانون الدولى.
الغول، العنقاء، والخل الوفى، أضيف إليهم مستحيل رابع، هو قيام تركيا بتلك الأفعال، لأن المخبول، الذى يقودها، لم يعد أمامه إلا نهب غاز المتوسط أو السطو على جزء من ثروات ليبيا، سوريا، العراق، أو إشعال حرب، أى حرب، لتعويض رهاناته الخارجية الخاسرة وتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية، التى عجز ويعجز وسيعجز عن حلها.
هكذا، أدرك أردوغان أن العملاء، الذين اعتقد أن بإمكانه المقايضة بهم، أو التفاوض بشأن تسليمهم، لا ثمن لهم، وأن مصر غير متمسكة باستعادتهم ولا يعنيها استمرار المنصات التى ينبحون فيها. وفى هذا السياق، ظهر وزير خارجيته مع قناة «سى إن إن ترك»، ليتحدث عن مصر بنبرة سلبية، وليؤكد، مجددًا، زيف ادعاءات المخبول، وغلمانه، بأنهم يسعون إلى تهيئة المناخ المناسب لعلاقات قائمة على الاحترام والالتزام بقواعد الشرعية الدولية، وعليه، لم يعد أمامنا غير الرهان على سقوط ذلك المخبول، قريبًا، قريبًا جدًا.