رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلام للسودان


لا يساورنى أى شك وأنا أتحدث عن الشأن الداخلى فى السودان، وكأننى أتحدث عن ذات الشأن فى الدولة المصرية بحكم التاريخ والجغرافيا وأواصر الدم، وشريان الحياة بيننا «نهر النيل».
وبالرغم من مرور أكثر من شهر على تلك الأزمة الكارثية التى تعرض لها السودان فى مواجهة الفيضانات والسيول التى دمرت الأخضر واليابس، وألحقت أضرارًا كبيرة بالاقتصاد السودانى، إلا أن الحياة هناك ما زالت شبه مشلولة ومعزولة فى العديد من المناطق بسبب المياه التى تحاصرها من كل جانب.
وفى الوقت الذى حاولت فيه بعض الدول المتاجرة إعلاميًا بما تقدمه من مساعدات عاجلة من خلال قنواتها المأجورة، فى مجادلة لإحياء تواجدها مرة أخرى بعد أن كشف الشعب السودانى عن وجهها القبيح، سارعت مصر بكل إخلاص وتجرد فى تقديم كل المساعدات الممكنة دون أى ضجيج أو صخب إعلامى مفتعل، وهو الأمر الذى جعل وزير الإعلام والثقافة السودانى يقول: «جميع ما طلبناه من احتياجات ومساعدات أرسلت مصر أضعافه».
وهى العبارة التى استهل بها سيادته بيانه فى أعقاب ما قامت به الدولة المصرية من رد فعل سريع لمساندة الشعب السودانى فى محنته التى تعرض لها نتيجة ذلك الفيضان المدمر الذى أودى بحياة العشرات من البشر، ودمر مئات المنازل وشرد ما يقرب من نصف مليون مواطن سودانى. إن المحنة التى يتعرض لها السودان هى كارثة بكل المقاييس لم تحدث منذ ما يقرب من ١٠٥ أعوام، وهى تحتاج إلى تضافر كل الجهود الشعبية والرسمية للوقوف بجانب الأشقاء فى السودان، ومن هنا وكما هى عادته ومواقفه لم يتوان السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى عن نجدة الأشقاء والأصدقاء، وأمر بإرسال المساعدات والمعونات الطبية والإنسانية والغذائية إلى الشعب السودانى.. كما تم إيفاد كل من الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة، على رأس وفد طبى كبير للتعامل مع حالات الإصابة والأمراض التى يتعرض لها أهلنا فى السودان.. والدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الرى، إلى جنوب السودان ليتفقد آثار ذلك الفيضان هناك والعمل على تلافى أضراره.
هكذا كانت مصر على عهدها فى علاقتها الأزلية بالسودان تتابع تلك الكارثة عن كثب، وتكثف ذلك الجسر الجوى لنقل المساعدات العاجلة للأشقاء هناك، إسهامًا منها فى تجاوز تلك المحنة، وتقديم كل أوجه الدعم لمجابهة الأضرار الناجمة عن اجتياح الفيضانات والسيول التى ضربت السودان شمالًا وجنوبًا.
لقد أصبح من المؤكد أن السودان قد تنبه بعد ما تعرض له من فيضانات وسيول إلى خطورة ما تقوم به إثيوبيا من تصرفات أحادية فى بناء سد النهضة الكارثى رغم عدم اكتمال الدراسات الفنية التى كانت لازمة لذلك قبل البدء فى البناء، بل والتهرب من كل الالتزامات التى تضمن سلامة السد وقواعد الملء والتشغيل بالتعاون مع دولتى المصب.. وبالتالى فإن موقف السودان سوف يتغير بشدة فى مواجهة تصرفات إثيوبيا، وسوف يشكل مع مصر حائطًا صلبًا ضد أطماع الحكومة الإثيوبية، وخطورة تداعيات بناء سد النهضة دون وضع قواعد محددة لملئه وتشغيله وصيانته.. خاصة على ضوء قيام إثيوبيا بتعطيل عمل المكاتب الاستشارية وعرقلة خطوات الاتفاق مع الاستشارى الدولى لإجراء الدراسات الفنية، ورفضت الالتزام بتلك الدراسات لتتحول علامات الاستفهام المثارة حول أمان السد إلى حقائق لا تقبل الشك.
يأتى هذا أيضًا مع ما تردده إثيوبيا من مغالطات وادعاءات، تقوم بتصديرها إلى المجتمع الدولى والإفريقى، بأن التعنت يأتى من الجانبين المصرى والسودانى، وهو ما يجب أن نتصدى له إعلاميًا وسياسيًا لتفنيد تلك الادعاءات أولًا بأول.
إن وحدة الموقفين المصرى والسودانى، خلال المرحلة المقبلة، كفيل بمواجهة التعنت الإثيوبى وأكاذيبه وادعاءاته وتعريفه فى المحافل الدولية والإفريقية، ووقف الغطرسة الإثيوبية قبل أن يتحول سد النهضة إلى قنبلة موقوتة تهدد أمن واستقرار دول حوض النيل عمومًا ودولتى المصب خصوصًا.
وتحيا مصر.