رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما لـ«الأتراك» فى مالى!



للأتراك فى مالى، كما فى غالبية الدول العربية والإفريقية، عملاء، إرهابيون، أطماع ومآرب أخرى، جعلت وزير الخارجية التركى، يزور العاصمة المالية، باماكو، قبل مرور شهر على الانقلاب العسكرى، الذى أطاح بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، فى ١٨ أغسطس الماضى، بزعم مساندة الشعب المالى، وإجراء مباحثات مع قادة الانقلاب حول عملية الانتقال السياسى.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا كانت قد أمهلت المجلس العسكرى المالى، حتى منتصف الشهر الجارى، أى الثلاثاء، لاختيار رئيس ورئيس وزراء مدنيين، لقيادة فترة انتقالية مدتها سنة، والخميس الماضى، يوم زيارة وزير الخارجية التركى، أطلق المجلس جولة «مشاورات وطنية»، انتهت أمس الأول، السبت، بإعلان المجلس عن توصله إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة تقود البلاد خلال ١٨ شهرًا، هى مدة الفترة الانتقالية.
من مالى إلى غينيا بيساو إلى السنغال، تنقل وزير خارجية أردوغان، خلال الأيام الماضية، كاشفًا عن مواصلة تركيا اللعب غير النظيف فى منطقة الساحل وغرب إفريقيا، وفاتحًا جبهة جديدة فى صراعاتها غير المتكافئة، والتى لا تتناسب مع قدراتها العسكرية والاقتصادية، وهنا، تكون الإشارة مهمة إلى أن عددًا من كبار الدبلوماسيين الأتراك أصدروا بيانًا، منذ أسبوعين تقريبًا، انتقدوا فيه قيام الخارجية التركية بتصفية النخبة الدبلوماسية، وإسناد رسم السياسات الخارجية إلى عدد من قصيرى النظر، غير القادرين على التوفيق بين مصالح تركيا وقدراتها، ولا دور لهم غير تنفيذ سياسات الرئيس التركى وحزبه، حزب العدالة والتنمية.
بهذا اللعب الصريح، أو المكشوف، فى مالى، فتحت تركيا جبهة صراع جديدة مع فرنسا، الداعمة لليونان وقبرص ضد الأطماع التركية، والتى أجبرت أردوغان على التراجع من شرق المتوسط، بالإضافة إلى أن تركيا ستصطدم أيضًا بالجزائر، التى يربطها بمالى شريط حدودى يقترب من ١٤٠٠ كيلومتر. وقيل إن زيارة صبرى بوقادوم، وزير الخارجية الجزائرى، إلى أنقرة، الأسبوع الماضى، كان هدفها الأساسى هو محاولة حسم الخلافات بين البلدين بشأن التدخل التركى فى مالى وليبيا، ونقل امتعاض الجزائر من تزايد تهديد أنقرة أمنها القومى.
الشريط الحدودى الشاسع، مع الانفلات الأمنى الذى تعيشه مالى منذ عقود، فرض على الجزائر تحديات كبيرة، خاصة منذ سنة ٢٠١٢ عقب سيطرة الجماعات الإرهابية على الشمال المالى، والذى اضطرت معه السلطات الجزائرية إلى رفع حالة التأهب الأمنى إلى الدرجة القصوى، كما قادت خلال مراحل متفرقة جهود وساطة، برعاية أممية، فى تسعينيات القرن الماضى، ولعبت دورًا كبيرًا فى اتفاق السلام، الذى تم توقيعه فى ٢٠١٥، رحبت به الأمم المتحدة، ولم يلتزم به بعض الأطراف المتصارعة.
تأسيسًا على ذلك، كانت الجزائر من أوائل الدول التى سارعت إلى إدانة الانقلاب العسكرى، وأبدت «رفضًا تامًا لأى تغييرات غير دستورية فى الحكم»، فى حين اكتفت تركيا بالتعبير عن «قلقها وحزنها» مما يحدث فى مالى، وقالت الخارجية التركية فى بيان بروتوكولى، أصدرته بعد ساعات من الانقلاب، إنها تتطلع بقوة إلى «تأسيس مناخ السلام الداخلى والثقة والاستقرار فى مالى الصديقة والشقيقة»، ما أثار الشكوك حول قيامها بدور مشبوه فى الانقلاب، خاصة فى ظل الدعم التركى والقطرى حركات وتنظيمات إرهابية عديدة فى تلك الدولة.
بفضل الدعم التركى والتمويل القطرى السخى، تمكنت ٣ تنظيمات إرهابية من السيطرة على شمال مالى: تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب، حركة «التوحيد والجهاد»، وحركة «أنصار الدين» الإرهابية، التى نجحت القوات الفرنسية فى إخراجها من شمال البلاد. كما تعد «حركة تحرير ماسينا» أبرز أدوات تركيا وقطر فى مالى. وهى حركة إرهابية تهدف إلى توحيد كل «الجماعات الجهادية» فى الساحل وغرب إفريقيا، لإقامة «دولة الخلافة»!.
الدعم القطرى لتلك الحركة، صار مكشوفًا ومفضوحًا، حين ظهر زعيمها، أمادو كوفا، فى مقطع فيديو وهو يخاطب أو يقوم بتوجيه طاقم قناة «الجزيرة»، باللغتين العربية والإنجليزية، بعد إعلان قيادة الأركان الفرنسية فى نوفمبر ٢٠١٨ عن تصفية ٣٠ إرهابيًا، أبرزهم جمال عكاشة المعروف بـ«يحيى أبوالهمام»، والذى كان الرجل الثانى فى أكبر تحالف إرهابى فى المنطقة.
تقارير فرنسية ومالية، أكدت أن الدعم التركى القطرى للإرهاب يمتد إلى الكثير من التنظيمات الإرهابية فى الشمال المالى وجنوبه، بهدف السيطرة على أكبر مساحة جغرافية ممكنة. كما ذكرت تقارير أن تركيا أرسلت مرتزقة سوريين للالتحاق بتنظيم داعش الإرهابى، الذى ينشط فى منطقة الشمال الغربى، المعروفة بمنطقة الأزواد.
.. وأخيرًا، ليس بعيدًا أو مستبعدًا أن يتكرر السيناريو المالى فى باقى دول الساحل وغرب إفريقيا، عبر تحريك أذرع تركيا وعملائها والجماعات الإرهابية الموالية لها فى تلك الدول. وغالبًا لن تتوقف محاولات التسلل، نشر الفوضى، فرض السيطرة، وباقى خطوات المخطط التركى التوسعى، إلا لو رأى الرئيس التركى عيونًا أو خطوطًا حمراء، تجبره على التراجع.